إليكم مرة أخرى أوربا المضللة. كانت زيارة الرئيس شمعون بيرس لمؤسسات الاتحاد الأوربي تظاهرة مناصرة غير عادية. وللحظة، بدا البرلمان الأوربي -وهو تلك المؤسسة العاصية التي تُستعمل أكثر من مرة ميدان تحرشات من أعضائها- مثل بيت مئات مُحبي صهيون. إن الجميع في أوربا يعلم ذلك جيدا جدا ولبيرس تكريم كبير، بل إنه نجح في الشأن المعقد الذي اختار إبرازه، وهو إدخال حزب الله في قائمة الاتحاد المتعلقة بالمنظمات الإرهابية نجح في إحداث تحول كما يقول المقربون منه. بيد أن الجميع لا يقبل هذا العرض، فقد قالت الصحيفة اللبنانية «لاريون لي جور»، مثلا، إن «إسرائيل فشلت في بروكسيل، ولا سبب يدعو حزب الله إلى القلق»، بل إن حقيقة أنّ أصحاب المدونات اتهموا المنظمة مؤخرا بالمسؤولية عن العملية التفجيرية في بورغاس لم تساعد هنا. ولم تُجد أيضا التقاريرُ الجديدة التي تكشف عن نشاط حزب الله الزائد على أرض الاتحاد الأوربي وفي أنحاء العالم؛ ولا تعاونه مع نظام الأسد القاتل أيضا. «ما زالت لا توجد عندنا أدلة كافية»، قال رئيس المفوضية الأوربية جوجيه مناويل بروزو في لقائه مع بيرس. ومن جهته، اختار جيل دي كركوف، الموظف رفيع الشأن في الاتحاد الذي يتولى المسؤولية عن مكافحة الإرهاب، أن يُخرج الثعبان من كيسه الشرعي: ففي مقابلة صحفية مدوّية لصدقها، أعلن أنه «لا يوجد إجراء آلي للضم إلى القائمة السوداء، وذلك يتعلق بالمسؤول أيضا عن النشاط الإرهابي... علينا أن نتصرف بحكمة سياسية لا بحسب المنطق القضائي فقط». إن الخوف من سقوط حكومة لبنان، التي يعتبر حزب الله عضوا فيها، هو التفسير الرئيسي لسلوك الأوربيين. وفي سيناريو رعبهم يحدث تأثير العصا المرتدة، بحيث يزداد حزب الله تطرفا ويسيطر على الدولة كلها. وهم يرون في كوابيسهم كيف يفضي تدهور لبنان إلى الإضرار بجنودهم الذين يخدمون في اليونفيل، وكيف يفضي ذلك إلى ضعضعة الاستقرار لا في الشرق الأوسط فقط بل في أوربا، مع المجموعات المسلمة فيها وخلايا حزب الله النائمة فيها. ومع ذلك، فإن الأوربيين على علم بإشكالية بعض دعاواهم: أعلن الأمريكيون (وكندا وهولندا أيضا) أن حزب الله منظمة إرهاب وبقيت حكومة لبنان على حالها. ولا سبب يدعو إلى عدم نجاح اختراع القطيعة مع «الفتيان الأشرار» في الحكومة، من جهة، مع استمرار إجراء حوار مع أعضائها ذوي الشرعية في الحالة الأوربية أيضا. يؤكد الأوربيون أن نشاط حزب الله السياسي والاجتماعي يجعل القطيعة معه صعبة. وحينما يُسألون لماذا، إذن، أدخلوا حماس في قائمتهم السوداء؟ لا يُجيبون. تخشى أوربا العصا المرتدة، لكنها لا ترفض دعوى أن حزب الله لم يحتج قط إلى ذرائع للقيام بعمليات تفجيرية وأن تجاهل عملياته الإرهابية خاصة قد يفضي إلى تعجيلها. يخشى الفرنسيون خاصة كل زعزعة في «بلد الأرز». ومع ذلك، فإن طموحهم إلى الحفاظ على مناطق تأثيرهم لا يمنعهم من العمل في تصميم على مواجهة الإسلام المتطرف في إفريقية. يتوقع أن تصوغ أوربا بإزاء ضعف دعاواها صيغة تلائم تقرير التحقيق البلغاري النهائي الذي سيُعرض عليها. وحسب الاقتراح في الحد الأدنى ستُفرض عقوبات على المسؤولين عن العملية التفجيرية في بورغاس، وحسب الحد الأقصى سيُعلن أن المنظمة كلها «منظمة إرهاب»؛ أما صيغة المصالحة البريطانية فستفضي إلى القطيعة مع «ذراعها العسكرية» فقط. إن حل القطيعة مع جهات في داخل حزب الله هو حل صناعي بالطبع؛ فحزب الله متنكر في صورة ال«آي.آر.إي». لكن حزب الله غير مُقسم إلى أذرع، فالجميع فيه يخضعون لسلطان قيادة واحدة. لكن في الواقع الأوربي الذي يُحتاج فيه إلى إجماع 27 دولة، فإن حفل الأقنعة هو سبب للاحتفال أيضا. عن «هآرتس»