بؤرة الخلافات داخل الائتلاف الحكومي بدأت منذ الاجتماعات الأولى الخاصة بتدبير الشأن العام، بيد أن انتخاب الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال أجج التوتر داخل مكونات الأغلبية، برفعه مطلب التعديل الحكومي الذي أثار قلق الحزب الحاكم، على اعتبار أنه وجد نفسه مستهدفا أكثر من غيره بأي تعديل، قد يؤدي إذا تم الإقدام عليه، إلى فقدان أحد القطاعات التي يشرف عليها، في الوقت الذي يجد فيه حميد شباط نفسه في خانة أمين عام مجبر على تطعيم الجهاز الحكومي ب«عناصر» تدافع عن مشروعه السياسي، لأنه بكل بساطة لم يساهم في تشكيل حكومة يرأسها الإسلاميون. توالت الاجتماعات بين زعماء الأغلبية.. قاطع بعضها حميد شباط، ليقبل في الأخير عقد لقاء صلح مع حليفه الإسلامي، ويحصل على ترحيب مبدئي لمناقشة التعديل الحكومي، في إطار مكونات الأغلبية، والابتعاد عن التصريحات الإعلامية التي تعمق الجراح، وتزيد من حدة الاحتقان. اجتماع المصالحة الذي جمع زعماء الأغلبية تطرق إلى عدد من المواضيع التي شكلت بؤرة توتر بين الاستقلال والعدالة والتنمية، خاصة مطالب حميد شباط بكف الحزب الحاكم عن الانفراد باتخاذ القرارات التي تهم الملفات الكبرى للبلد، وضرورة الإقدام على إدخال تعديلات على ميثاق الأغلبية، وإرجاء مناقشة التعديل الحكومي إلى وقت لاحق، على أن تتكلف لجنة برئاسة جامع المعتصم، رئيس ديوان عبد الإله بنكيران، بتقديم مقترحات في مختلف القضايا المطروحة عليها. بيد أن الاتفاق بين قادة الأغلبية على ضرورة رص الصفوف، والتقليل من حدة الاحتقان لا يخفي توجس العدالة والتنمية من معارضة الداخل، وهو الذي سبق لأمينه العام، عبد الإله بنكيران، أن خرج في أول رد رسمي على مطالب حميد شباط، باتهام الأخير، دون أن يذكره بالاسم، بمحاولة نسف الائتلاف الحكومي وأن العدالة والتنمية «ليس خائفا ولن يخضع للابتزاز»، لكن القلق على مستقبل التحالف فرض مسارا آخر للنقاش، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات من جديد بعد أكثر من سنة على تنصيب الحكومة. وفي هذا الإطار يوضح حسن فلاح، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أن «تقدم الحزب بمذكرته جاء بسبب غياب التنسيق وتعثر أداء الأغلبية، مما نتج عنه بطء في العمل والمردودية، وأنه إذا ذهبنا بهذه الوتيرة فإننا لن نصل إلى الغاية التي نريد، وبالتالي قمنا بدق ناقوس الخطر، انطلاقا من موقع الحزب كعنصر أساسي في التحالف، وله تجربة في ميدان ممارسة العمل الحكومي». واعتبر فلاح أن «هناك بوادر انسجام، حسب ما يبدو من الاجتماعين الأخيرين، حيث تم الاتفاق داخل الرئاسة على أن كل شيء يجب مناقشته ووضع جدولته الزمنية داخل رئاسة التحالف، على أن تكون الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي مدققة ومحل تشاور، مع ضرورة تكثيف اللقاءات، لأن الميثاق لم يكن يسمح لرؤساء الأحزاب باللقاء باستمرار، وتوسيع هيئة الممثلين عن الأحزاب». وأوضح عضو تنفيذية حزب الاستقلال أن «إحداث سكرتارية مكونة من عدد من الخبراء ستمكن من الانكباب على عدد من المواضيع والأمور السياسية التي لها أثر على المواطن، والتي لا بد وأن تدرس أولويتها على مستوى رئاسة التحالف، لأنه من غير المعقول أن تتحدث الحكومة مثلا عن إصلاح المقاصة بدون قرار سياسي واضح، وبالتالي فالمؤشر الأساسي الذي يدل على وجود بوادر التوصل إلى حل مشترك والانسجام بين مكونات الأغلبية، هو تبني مقترحات حزب الاستقلال خصوصا في إعادة صياغة ميثاق الأغلبية، والخروج من منطق الانتظار واللوم واللوم المضاد. وبخصوص المناقشة العميقة للمطالب التي تقدم بها حزب الاستقلال في مذكرته، أكد فلاح أن «الاختلاف في الرؤى يمكن أن يحدث، وهو أمر عادي، لكن حزب الاستقلال لا يمكن أن يقبل بشيء يؤدي إلى التخلي عن التزاماته ومبادئه والوعود التي قدمها، فنحن لن نعرقل لكننا نسعى ما أمكن إلى أن تبقى التزاماتنا مع المواطنين محترمة». أما عبد العزيز أفتاتي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، فيرى أن حزبه «منسجم مع نفسه وملتزم بالاتفاقات وميثاق الأغلبية، وبالقرارات التي تتخذ في إطار المنهجية التشاركية التي على أساسها شكلت الحكومة، وإذا وقع أي شيء آخر فسيأتي من الأطراف الأخرى ولهم واسع النظر في ذلك، لكننا نحن ملتزمون وزيادة بالاتفاقات والعهود، وليس لدينا أدنى شك أو نقاش في ذلك». واعتبر أفتاتي «أن الأجندات الحقيقية لا تعلن بل يتم الحديث عن أشياء أخرى وعناوين أخرى تحوم حول الأجندة الأساسية، التي تتعلق في تقديري بالاستحقاقات المحلية المقبلة، ربما من أجل التأجيل، أما الحديث عن التعديل الحكومي فهو شيء عادي، لكن الطريقة التي يطرح بها تبين أن هناك أشياء أخرى، وبالتالي يجب أن تتضح الأمور ومن له شيء يريد أن يطرحه فليقله بصراحة، حتى تستمر الأمور في جو من الثقة بين الشركاء، وإزاء المواطنين». وأضاف البرلماني الإسلامي: «حتى لا يبقى هناك نوع من التشويش والخلط، فإذا كانوا مع استمرار التحالف على أساس التشارك فالعدالة والتنمية التزمت وملتزمة وستلتزم حتى النهاية، ومستعدة لتطوير هذا التحالف ليشمل الاستحقاقات المقبلة، ونحن منفتحون على مزيد من التعاون والذهاب إلى هذه الاستحقاقات بنفس المنهجية، ولم لا حتى أمور أخرى لها علاقة بالتشارك في التأطير السياسي والتثقيفي والتعبوي».