الصراع بين مكونات الأغلبية الحكومية مبدأ قديم في كل الحكومات المتعاقبة في مغرب ما بعد الاستقلال، لكنه بدا أكثر حدة في أول حكومة يقودها حزب إسلامي في ظل الدستور الجديد. أول فصول الصراع بين حلفاء بنكيران تفجر مع إقدام مصطفى الخلفي وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، على نشر بنود دفاتر التحملات، يومها خرج نبيل بن عبد الله، وزير الإسكان والتعمير عن صمته ليوجه ضربات تحت الحزام لرئيس الحكومة ووزراء والعدالة والتنمية على خلفية ما أسماه عدم التشاور مع مكونات الأغلبية لصياغة مقررات دفتر التحملات الجديد. كان هجوم بنعبد الله حادا وقاسيا على وزراء البيجيدي واصفا خرجاتهم بغير المحسوبة لاسيما أن بنعبد الله خبر جيدا مطبات العمل الحكومي، وكانت لهجته تبدو صارمة وصدامية تجاه حزب العدالة والتنمية قبل أن يبدأ شهر العسل بينهما. وما إن وضعت الحرب أوزارها بين شيوعيي وإسلاميي المملكة حتى اشتعلت نيران الصراع من جديد بين حزبي العدالة والتنمية والحركة الشعبية، بعد تصريحات نارية أطلقها البرلماني المثير للجدل، عبد العزيز أفتاتي، إثر منع نشاط شبيبة العدالة والتنمية بطنجة. البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية ضد أفتاتي كاد أن يعصف بالتحالف الحكومي، خاصة أن أفتاتي رد بقوة على مضامينه حينما وصف وزارة الداخلية ب«البلطجية» و«البيدق» في يد الصدر الأعظم. لم يجد بنكيران رئيس الحكومة ساعتئذ من سبيل سوى لعب دور الإطفائي لإنقاذ التحالف الحكومي من التشرذم. بطبيعة الحال، كان بنكيران، رئيس الحكومة، يدرك أكثر من غيره أن تحالفه الحكومي هش، وهو الذي خاض حروبا علنية وأخرى خفية لترميم معماره الحكومي عقب محطة الانتخابات التشريعية، بل ويعي جيدا أن تحالفه الحكومي قابل للانفجار في أي لحظة أمام عدم وجود تجانسات فكرية وإيديولوجية واضحة. وقد بدأت بوادر التصدع تظهر جليا بوصول عبد الحميد شباط إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال. ولاشك أن أمارات الصراع بين حزب الاستقلال والعدالة والتنمية كانت قد طفت على السطح قبل حتى أن يصل شباط إلى رئاسة حزب الميزان، فالرجل بدأ في مهاجمة الحكومة ورئيسها من على منصة ذراعه النقابي، والحال أن شد الحبل بين الاستقلال والبيجيدي ليس وليد التدبير الحكومي، بل يعود إلى الفترة التي دخل فيها الحزبان حرب استنزاف حول تقسيم المقاعد الحكومية غداة عودة بنكيران من ميدلت حاملا الضوء الأخضر من الملك لتشكيل حكومته. هاجم شباط بنكيران ونعت حكومته بالفاشلة وقلل من إنجازات حكومته، وأصدر فريقه البرلماني بيانا شهيرا يهاجم فيه حزب العدالة والتنمية، ونشبت معارك جانبية بين قيادات من الحزبين، واستمر الوضع على ما هو عليه طيلة الشهور التي صاحبت التدبير الجماعي للقطاعات الحكومية، بل إن شباط آثر في فترات كثيرة عدم حضور اجتماعات الأغلبية الحكومية بداعي عدم جدواها، بيد أن نقطة التحول التي دقت إسفينا عميقا بين الحزبين هي مطالبة حميد شباط في مذكرة رسمية بوجوب إجراء تعديل حكومي في أقرب وقت ممكن، وهو المطلب الذي أغضب بنكيران كثيرا، لاسيما أنه يريد الاحتفاظ ببعض الوزراء الذين لا يكن لهم شباط الكثير من الود. اضطر بنكيران، لما اشتدت سهام شباط، إلى الخروج بتصريح مثير ليقطع الطريق أمام خصمه الأول في الحكومة، إذ بدا واضحا أن بنكيران استل ورقة التقليد الملكي ليخفف من حدة الهجومات الاستقلالية. وبالرغم من أن شباط اختار أن يسلك طريق الهدنة في خرجاته الأخيرة، فإن رماد الخلاف قابل للاشتعال في أي لحظة، وهو الأمر الذي برز جليا في الانتخابات الجزئية الأخيرة، حيث هاجم شباط عامل سيدي قاسم بشدة وانتقد بشكل لا يدع مجالا للشك وزارة الداخلية في شخص وزير داخليتها على اعتبار أن الأخير ينحاز إلى حزب الحركة الشعبية الذي يقوده العنصر نفسه. معارك التحالف الحكومي، لم تتوقف عند هذا الحد، فقد حان الدور على حزب الحركة الشعبية ليوجه نقدا شديد اللهجة إلى الإسلاميين ووصل الصراع إلى أقصاه حينما خرجت حليمة العسولي عن صمتها في قضية تحالف البيجيدي والتقدم والاشتراكية قائلة في أحد التصريحات الصحفية إن بنكيران يعامل حزبها مثل حزب الليكود منتقدة ما وصفته بالانحياز الواضح لبنكيران إلى حزب التقدم والاشتراكية. تصريحات العسولي يمكن قراءتها في سياق تدافع كبير بين مكونات التحالف الحكومي من أجل تسجيل النقط تأهبا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وحسب بعض المتتبعين، فإن الحسابات الانتخابية، تظل هاجسا أساسيا يسيطر على حسابات الربح والخسارة بين هاته المكونات. الظاهر أن كل الحروب التي استعرت في التحالف الحكومي، كان حزب العدالة والتنمية طرفا فيها، يمكن أن نفهم أن البيجيدي يقود التحالف الحكومي ولذلك يكون دائما في غمرة كل الصراعات التي تهز الأغلبية الحكومية لكن تصريحات عبد الله بوانو، رئيس كتيبة البيجيدي في مجلس النواب، ذهب أبعد من هذا التفسير البسيط قائلا في ندوة يوم الجمعة الماضي إن جهات تحاول إسقاط الحكومة حينما فشلت في مساعيها لخلق مشاكل للحكومة التي يقودها حزبه. بوانو المحسوب على تيار الصقور في حزب الإسلاميين، ربما يومئ إلى أن الصراعات التي تسربت إلى مفاصل الأغلبية الحكومية قد تكون مفبركة وطواحين دونكيشوتية كما قال هو نفسه في تصريحات سابقة.