سجلت مبيعات العقار تراجعا قويا خلال الشهرين الأخيرين، حيث انخفضت بحوالي 100 ألف وحدة سكنية في فبراير الماضي لوحده، وهو الأمر الذي اعتبره المنعشون خطيرا جدا لم يشهده القطاع حتى في أحلك أيامه سنة 2009، عندما كانت كل الامتيازات الجبائية قد سحبت حينها من المنعشين العقاريين. وعزا مصدر من الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين ذلك إلى عدم التفات الحكومة إلى التحذيرات التي أطلقها المنعشون العقاريون في اجتماع فيدراليتهم، التي عقدوها في نونبر من السنة الماضية بخصوص الإجراءات الجديدة المضمنة لمهنة التوثيق، موضحا أن المعاينة الميدانية تثبت أن القطاع العقاري بات تحت وقع أزمة حادة. وقال المصدر ذاته إن هذا التراجع ضيع على الدولة مداخيل كبيرة كانت ستجنيها عن طريق الضرائب ورسوم التسجيل دون الحديث عن تعطل هذا القطاع الذي تراهن عليه الحكومة لتحسين ظروف عيش الساكنة والقضاء على السكن غير اللائق. وأضاف أن «المنعشين اليوم يدقون ناقوس الخطر، ويطالبون بفتح نقاش موضوعي وجاد، بدل تعنت الإدارة وتصلب موقفها في تطبيق بنود مسطرة ستعرقل الاستثمار وتحبطه أكثر ما ستنعشه وتشجعه». ويتضح من خلال القانون 09-32 المتعلق بمهنة التوثيق، والذي دخل حيز التنفيذ في 24 نونبر 2012، أن البنود محط الانتقاد، التي كانت السبب في «ظهور المشاكل»، تتمثل في النقط التي باتت تفرض على الموثقين الإمضاء على وثائق البيع بمكاتبهم الأصلية عوض المكاتب التي توضع رهن إشارتهم من طرف المنعشين في مقرات هؤلاء في إطار ما يصطلح عليه ب«الشباك الوحيد»، الرامي إلى تسهيل الإجراءات. وفي هذا الإطار يعلق المصدر نفسه قائلا إن «تطبيق هذا القانون معناه نسف كل ما بنيناه على مستوى تقريب الإدارة من المواطنين والإسراع في البت وتحريك عجلة الاقتصاد. إذ أضحى الملف الواحد يتطلب التوقيع المشترك، في الوقت ذاته، بين ثلاثة شركاء: الموثق والبنك الممول والزبون، فإذا تأخر كل طرف لسبب أو لآخر أجلت العملية بأكملها إلى وقت آخر، علما أن هذا الأمر بالنسبة لشركات عقارية كبرى لا يتعلق بملف أو اثنين، بل بمئات الملفات، فهل ستقضي هذه الشركات وقتها في التنقل بين موثق وآخر، وفي التنسيق بين هذا البنك وذاك، علما أن التجربة الميدانية أكدت لنا صعوبة اجتماع الأطراف الثلاثة في الوقت والمكان المحددين، فمن سيتحمل خسارة التأخير؟ إنه المنعش طبعا». أما النقطة الثانية التي أثارت حفيظة المنعشين فتتعلق بإلزام الموثق على إيداع أموال البيع لدى «صندوق الإيداع والتدبير» قبل أن يتولى هذا الأخير تحويلها إلى حساب المنعش. وعن هذا الشرط يقول المصدر ذاته: «أثبتت ممارستنا المهنية أن الصندوق لا يسلمك مستحقاتك إلا بعد مرور شهور عن إحالة الأموال إليه من طرف الموثق، والمنعش لا يمكنه الانتظار، إذ هناك قروض بنكية يلزمه أداءها في الوقت المحدد وإلا سيلزم بمتأخرات الأداء، فضلا عن أن الأمر يتعلق بآلاف المبيعات، يعني أموالا كثيرة سيحرم منها، وهي السيولة المعول عليها لتصريف استثماراته وإلا غرق في متأخرات الديون». وكان بيان سابق للفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين أشار إلى أن «المقتضيات الواردة في القانون الجديد للتوثيق تسببت في تعقيدات إدارية إضافية، بحيث ستؤثر بشكل سلبي على الفاعلين الاقتصاديين والمقتنين في المستقبل، نظرا لما ستولده التكاليف الإضافية الناتجة عن كثرة الملحقات الإلزامية وما ينتج عنها من بطء في المعاملات العقارية، خاصة أن هذه التدابير أسفرت في الآونة الأخيرة عن توقف في المبادلات العقارية».