جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية لتؤكد قوة الأغلبية الحكومية، بعد أن حصدت الأحزاب المشكلة للحكومة المقاعد الخمسة التي تنافست عليها الأحزاب في الانتخابات الجزئية التي أجريت يوم الخميس 28 فبراير 2013، وهكذا فاز حزب العدالة والتنمية بمقعد في مولاي يعقوب وفاز الاستقلال بمقعد في أزيلال، فيما خرجت الحركة الشعبية بمقعدين في كل من سطاتوسيدي قاسم، ونال حزب التقدم والاشتراكية مقعدا في اليوسفية. ما هي دلالات هذا الفوز الجديد؟ وهل هو دليل عافية على سلامة توجهات حكومة بنكيران؟ وهل يمكن أن يمنح هذا الفوز صك ميثاق جديد لعلاقة الحكومة بالناخبين، والمواطنين عموما؟ ثم هل دخول أحزاب الأغلبية مجتمعة إلى الانتخابات دليل عافية على تماسك الأغلبية أم إن هذه اللحظة عابرة ولا يمكن أن يبني عليها المحلل السياسي نتائج واضحة؟ في كل الحالات، فإن صناديق الانتخابات قالت كلمتها، حاسمة الأمر في السنة الثانية من عمر الحكومة لصالح التشكيل الحالي، وسواء كانت تلك الانتخابات قد جرت وسط مشاركة واسعة أو ضئيلة للناخبين، فإن الخلاصة التي يجري تكوينها تقول إن الناخبين، بمن فيهم الذين يصوتون على أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، ما زالوا يملكون الحماس للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وما زالت لديهم ثقة في الأحزاب التي ينتمون إليها أو تلك التي يتعاطفون معها. وهذه الخلاصة، التي تتعزز لثاني مرة، تفتح الباب على رسم صورة تقريبية لما يمكن أن تكون عليه الانتخابات الجماعية المقبلة؛ فمن من حيث منطق الأشياء، يمكن النظر إلى هذه المقاعد البرلمانية الخمسة، أخذا في الاعتبار الامتداد الترابي الذي جرت فوقه، وهو امتداد واسع ويشمل البوادي والمدن، ومن مناطق التركز البشري (فاس، أزيلال، سطات، سيدي قاسم، واليوسفية)، يمكن النظر إلى تلك المقاعد بمثابة «عينة انتخابية مخبرية» تصلح لبناء قراءة قريبة من الواقع؛ ومفاد هذه القراءة أن إمكانية دخول أحزاب الائتلاف الحكومي مجتمعة في الانتخابات الجماعية المقبلة تبدو أكثر واقعية منها إلى أحزاب المعارضة التي، رغم مرور أكثر من سنة على عملها في إطار المعارضة البرلمانية، لم تستطع أن تبني خطابا مشتركا، ولا أن تصوغ مشروع معارضة قائما على أهداف واضحة، باستثناء المعارضة المنبرية في البرلمان، وهي معارضة لا تتجاوز الطابع الاستعراضي، لأن طبيعتها السياسية وانتماءاتها المتباينة وتاريخها لا يتيح لها أن تمضي قدما في اتجاه بناء مشروع مشترك، وبالتالي يقلل هذا العطب من إمكانية أن تكون منافسا قويا وشرسا للأغلبية. ومن ثمة، فإن التقدم الذي أحرزته أحزاب الأغلبية في هذه الانتخابات، وعدم تمكن المعارضة من الفوز بأي مقعد، يعزز الاحتمال الآخر المتمثل في كون الانتخابات الجماعية، إذا ما أجريت في إطار الشروط نفسها وفي ظل معدل الثقة المعقول الذي تتمتع به حكومة بنكيران، فإن النتائج ستؤول لا محالة إلى أحزاب الأغلبية، مما سيشكل ضربة قوية للمعارضة الحزبية ويقضي على آمالها في إحكام يديها على مجالس المدن والجماعات المحلية. من الممكن جدا أن تكون «العينة الانتخابية» كاذبة أو أن تكون شروط «سحب الدم» قد جرت في ظروف ملتبسة، وبالتالي فإن النتائج المترتبة عنها قد تكون مضللة، لكن تكرار «العملية» خمس مرات يبعدها عن طائلة الخطأ، فما يزال لأحزاب الحكومة نصيب من المصداقية، وما يزال المنتمون إليها، وبالأخص ناخبي حزب العدالة والتنمية والاستقلال، يذهبون إلى صناديق الاقتراع وينضبطون للتوجيهات. والذي يعرف الطبيعة الانتخابية لهذه الأحزاب يدرك أنها «حيوانات انتخابية» لها قدرة على الضرب بقوة، ولها لغتها التواصلية التي لا تخطئها العين، وهي في كل ذلك تلعب على التناقضات السياسية الموجودة في المناطق والمدن وتستفيد من رصيد المصداقية ومن فشل الخصوم السياسيين في لعب دور أكثر نجاعة وتأثيرا في المواطن. ومن المحسوم تماما أن مواطن الانتخابات المقبلة لن يذهب إلى صناديق الاقتراع من أجل شعارات كبيرة وفضفاضة، ولن تقنعه المشروعات الحزبية لأنه يعتبرها جميعا مستنسخة، لكنه سيبحث أمامه وخلفه عن الشخص القريب منه والموجود معه في الخندق وفي يوميات تدبير المرفق العمومي. وقد لا يذهب هذا الناخب غدا للتصويت لأنه فقد الثقة تماما، حينذاك ستكون الانتخابات مجرد تبذير للمال العام وقيمة فائضة عن الحاجة.