تحولت الجلسة الشهرية التي يحل فيها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، ضيفا «ثقيلا» على مجلس المستشارين إلى «حلبة صراع» تتنافس فيها الأغلبية والمعارضة على توجيه أكبر قدر من الضربات إلى بعضها البعض، وأصبح السياسيون تحت سقف المجلس أشبه بملاكمين حقيقيين يجتهدون في إصابة الخصوم دون مراعاة ما إن كانت الإصابات «فوق الحزام» أو تحته، وفقا لما تقتضيه قواعد الرياضة التي شاء أصحابها أن يطلقوا عليها ذات غلطة وصف «النبيلة». فبعد قاموس الشارع الذي استعار منه بعض السياسيين بضع عبارات لتسجيل نقط ضد خصومهم، وعبارة «مول الفز كيقفز» التي فجرها بنكيران في وجه ألد خصومه على الساحة السياسية، ثم العفاريت والتماسيح وجيرانها من الحيوانات، ابتدع سياسيونا المحترمون طريقة جديدة في التواصل يمكن أن نصطلح عليها: «سياسة البوط»، وذلك بعد أن لجأ إدريس الراضي، رئيس الفريق الدستوري، إلى «التعرية» عن بطنه للرد على رئيس الحكومة الذي طالبه بالصمت قائلا: «ملي الإنسان كايبغي يتكلم خاصو يشوف أشنو عندو في الكرش ديالو...»، وهي العبارة التي استفزت الراضي، فما كان منه إلا أن عرى عن «بوطه» أمام البرلمانيات والبرلمانيين والمواطنات والمواطنين، ليثبت للجميع أن «كرشو خاوية»، مع أن الجميع يعلم بأن ذلك غير صحيح.. فلا بد أن الراضي تناول عجلا سمينا قبل الحضور إلى الجلسة، وإلا ما كان ليتمكن من الصراخ بتلك الطريقة وطوال إلقاء بنكيران لكلمته. تصرُّف الراضي هذا جلب عليه العديد من الانتقادات، خصوصا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية، التي اجتهد زوارها في «التقشاب» على المستشار الدستوري، حتى إن من بينهم من تساءل: «لو كان الراضي في السعودية، فما الذي كان سيحل به؟»، ليجيب بأنهم كانوا سيقيمون عليه الحد لا محالة؛ بل إن هناك من طالب بنقل الجلسات إلى ما بعد منتصف الليل مع تشفيرها، بحجة أنه لم تعد تفصل «سياسة البوط» عن «لغة ما تحت الحزام» سوى سنتمترات قليلة. أما رئيس الحكومة فقد كان موفقا، مرة أخرى، في رده على تصرف الراضي، حين «اتهم» المغاربة بأنهم «يعرفون شكون لي كرشو خاوية وشكون لي كرشو ما خاوياش».. وهو «اتهام» على درجة كبيرة من الصحة، بما أن المغاربة هذه الأيام أكثر اطلاعا من غيرهم على حيثيات هذا الموضوع.. كيف لا، وفئات عريضة منه تعاني الجوع وأخاه البرد بسبب أبيهما الفقر، فيما يتهدد «الفراغ» بطون البقية الباقية من المواطنين المغلوبين على أمرهم. المغاربة، الذين يستدعيهم السيد رئيس الحكومة، رغما عنهم، كلما دخل «معركة كلامية» مع خصومه، أصبحوا يحفظون حكاية «البطون الفارغة» عن ظهر قلب، خصوصا مع التقارير الدولية والوطنية التي تتوعدهم بأيام حالكة في ظل استفحال الأزمة الاقتصادية. فعندما كان السيدان بنكيران والراضي يتراشقان التهم على الهواء، قبل أن يتصالحا في الكواليس، كان المندوب السامي للتخطيط يصدر مذكرة عناوينها العريضة: «تدهور مستوى معيشة الأسر المغربية وتراجع القدرة على الادخار وتوقعات بارتفاع أثمنة المواد الاستهلاكية ومعدل البطالة»، وهي عناوين تشي بأن لغة «البطون الفارغة» وضرتها المنتفخة لن تبقى حبيسة المزايدات السياسية في البرلمان، لتصبح لغة البيت والشارع في المقبل من الأيام، خصوصا مع التجاذب الحاصل حول صندوق المقاصة وإلغاء الدعم للمواد الأساسية، وما إلى ذلك من النقاشات «المترفة» التي تحتضنها المقرات والمدرجات المكيفة، فيما فئات كبيرة من أبناء هذا الشعب تتجمد بردا وتتضور جوعا، وهي تراقب صراعات تخاض باسمها، لتتساءل في الأخير: «ما الذي سيحدث لو وضع سياسيونا أسلحتهم وذهبوا إلى بيوتهم، ألا تكفي رواتبهم وامتيازاتهم والميزانية الضخمة التي تصرف على اجتماعاتهم لرأب صدع صندوق المقاصة؟».