لقد بت أكاد أؤمن بأنه لو لم يكن حزب الأصالة والمعاصرة موجودا لسعى بنكيران إلى خلقه! وسعى إلى أن يبدعه كخصم، لكي يستطيع، من خلاله، أن يقدم بعض الحرارة في الخطاب السياسي، وهو يهددنا بأنه أنقذنا من التحكم عن طريق قتله... بواسطة 20 فبراير! المتابع للنقاش الذي يدور في المؤسسة التشريعية كل شهر، ولكل الخرجات الإعلامية للحزب وللرئيس التنفيذي الحكومي، يصدق بأن الثابت البنيوي هو الهجوم على الحزب، الذي أصبح المقابل السياسي والشبه نفسي للأستاذ بنكيران؟ فقد تابعناه في جلسة سابقة، وهو يقول بالحرف، بأني لا أستطيع إعطاء رأي في القضايا الاقتصادية، لأنني لا أفهم في الأرقام، بل استل منا ابتسامة وهو يردد بأن الوزير «ديالي» وأنا ديالو وسنتحدث، في إشارة إلى وزير المالية السيد الأزمي. ولكنه في المقابل أرغى وأزبد ضد الأصالة والمعاصرة فيما يشبه الهروب إلى الأمام. وفي جلسة الجمعة كان الحديث عن الأمن الغذائي، وتركنا ننتظر إجاباته، وانبرى يحارب الأصالة بدرجة نرفزة لا تخفى. وقال كلاما يصعب التسليم به، بدون نقاش ولا سؤال: توجه إلى الراضي ليقول له بأنه الذي أعطاه الحق في التعبير، وأن هؤلاء «أي البام» كانوا يكممون فمه. وأننا كلنا مدينون لوقوفه في وجه الحزب الجديد. يصعب أن يحتكر بنكيران الدفاع عن حقوق السياسيين في السياسة أو الحديث. يصعب، بعد كل الذي عاشته الحركات المعارضة، وكل ما حققه الشباب في ميدان الفبرايري.. ويصعب أن نسلم، هكذا بكل ترهل، أن جلسة المساءلة السياسية الشهرية، هي مناسبة لكي يفضح الرئيس نواياه إزاء حزب من المعارضة، سواء عن حق أو باطل. الرأي العام ينتظر الموقف من السياسة العمومية. صحيح، نسلم، منذ 3 ألفيات ومنذ إنجيل يوحنا بأن «الإنسان لا يعيش بالخبز وحده»، وأن الكرامة والحرية ...وكل الترسانة الأخلاقية لنا ضرورية، لكن، أيضا، لا يمكن أن تكون الصعوبة في إيجاد الحلول، وهي ممكنة كذريعة سياسية لتكريس الصراع الحزبي، باسم المؤسسة الحكومية. ألم يقل بنكيران بأنه «جاب الحرية للمغاربة»، وأنه «انتصر» وسينتصر، إذن ليتوجه إلى المعقول ويجيب المعارضة، ببامها واتحادها ودستوريها وتجمعها بما يفحمها ويقنع الرأي العام. لماذا هذا «التكريس»، والحال أن العدالة والتنمية يردد دوما أن الشعبية التي حصل عليها تعفيه حتى من انتقادات المعارضة، بل وحتى من تلويحات الأغلبية..؟. ليس هناك جواب مقنع لحد الساعة سوى أن رئيس الحكومة مازال في جبة المعارض. هل يمكن لرئيس الحكومة أن ينزل إلى السجال والتهديد، في وجه حزب معارض مهما كانت قوته المفترضة أو قوته الحقيقية وإمساكه بزمام الأمور، ومهما كانت درجة رفضه أو القبول به؟؟ ليس من حقه، لأنه إذا كان ذلك، فإن العنوان يجب أن يكون واضحا، ليس الدفاع عن التجربة الجديدة، ولا الدفاع عن سياسة معينة في تدبير الشأن العام، بل جدول الأعمال هو المواجهة بين مشروعين، يقول البيجيدي إنه يمثل فيه المشروع المناهض للتحكم. وهنا ستكون الأمور واضحة، وربما نعلن بوضوح أن الأمر لا يتعلق لا بتنزيل الدستور ولا بإنجاح الدمقرطة الشاملة للدولة والمجتمع ولا هم يحزنون، القضية هي الصراع من أعلى المؤسسات إلى أسفلها من أجل الوجود. هل هي حرب وجود بين المعارضة والأغلبية، بين البرلمان والحكومة، بين المؤسسات الدستورية، بين الملكية ورئاسة الحكومة أم هي حرب وجود ؟ هو ذا السؤال. وعليه تتحدد المواقف، ولا يمكن أن ننتقل من الدفاع عن زيادة 1 درهم في الغازوال إلى .. محمد مرسي، في لعبة قفز بالزانة غير محسوبة، وفيها النرفزة أكثر ما فيها من سياسة!! اللجوء إلى المواقف السابقة عن الدستور وعن الانتخابات التشريعية، والسابقة عن ثمار الحراك المغربي، هو بكل بساطة تعطيل للدستور، وتنزيله تعطيل للسياسة والبقاء في منطق ما قبل الكلمة الشعبية في 25 نونبر! «اللي فيه الفز كيقفز»، هكذا تحدث عبد الإله بنكيران إلى مستشاري الأمة ومن ورائهم الرأي العام، عندما كان يتحدث في الجلسة الشهرية ليوم الجمعة الماضي أمام الغرفة الثانية. قصد من وراء ذلك ردة فعل حزب الأصالة والمعاصرة على كلامه بخصوص الحزب الذي أراد المغاربة أن يسقطوه في 20 فبراير، جراء نزوعه إلى التحكم وصناعة النموذج المصري والتونسي، على حد قوله. بعيدا عن ما تحمله العبارة من تلميحات غير أخلاقية، فإن الإصرار لدى بنكيران على أن يجعل من حربه مع البام الرد السياسي الوحيد على انتقادات المعارضة تطرح أكثر من سؤال. لا يمكن أن يتعامل بنكيران وكأن هجومه العنيف على حزب الباكوري، هو ضربة قوية يمكن أن تسكت المعارضة.. ويمكن أن تطال الصحافة، بالرغم بأنه مدين كثيرا إليها في صناعة المحيط السمعي - البصري والمناخ لسطوع نجمه، أو أن تفرض على الرأي العام أن يختار بين حربه مع البام وبين السكوت على التدبير السياسي للشأن العام. قال بنكيران «اللي فيه الفز كيقفز»، وهي لا تليق به، لكن «اللي فيه الفز كيتنرفز!»