لم يكن مجموعة من مغاربة المهجر القادمين للاستثمار في بلدهم، يتصورون أنهم سيكونون ضحايا عمليات نصب ستدخلهم في متاهة لا نهاية لها منذ أزيد من 5 سنوات، حيث اختارت هاته المجموعة من أبناء الجالية، الاستثمار في قطاع العقار عبر اقتناء وإعادة بيع شقق فاخرة، قبل أن تكتشف أن القائمين على المشروع كان غرضهم أموال التسبيق والقروض البنكية قبل أن يختفوا عن الأنظار. تفاصيل هذه القصة التي أربكت كيان العشرات من مغاربة المهجر، بدأت عام 2007، عندما قدموا إلى المغرب بغرض استثمار أموالهم في مشروع «مارينا بالاص» في منطقة «مالاباطا» الساحلية، وهو المشروع الذي ستنجزه شركة «برو كلوب»، التي كانوا يعتقدون أنها شركة مغربية، بحكم أن مديرها العام المغربي الجنسية «م.أ»، كان هو الذي رافق المستثمرين المغاربة في كل تعاملاتهم مع المؤسسة، إلى أن اكتشفوا أنهم وقعوا في شرك كبير أفقدهم جل مدخراتهم أو كلها ربما. بداية الحلم يحكي حسن القاضي، المهاجر المغربي القادم من هولندا إلى طنجة بغرض الاستثمار في مجال العقار، تفاصيل مغامرته بمبلغ قارب مليوني درهم، إذ أضحى الآن على كف عفريت، بعدما تبخر أحد المشاريع التي استثمر فيها أمواله، فيما دخل المشروع الثاني دهاليز نزاع قضائي طويل مع مؤسسة بنكية كانت السبب الرئيسي في فشل المشروعين، حسب قوله. فهذا المهاجر المغربي، قدم إلى طنجة سنة 2007 ليقتني شققا فاخرة في منطقة «مالاباطا» الساحلية، من أجل أن يعيد بيعها، وضعه حظه العاثر في طريق الشركة الإسبانية «برو كلوب» التي لم يكن يعرف أنها ليست شركة مغربية، حيث عرضت عليه اقتناء شقق في إقامة تحمل اسم «أوفشور»، بناء على تصاميم يصفها الرجل ب«الخيالية»، التي جعلته يعتقد أنه سيدخل في استثمار ناجح، فقام باقتناء شقتين، قبل إتمام بنائهما, مساحة الواحدة منها 94 مترا مربعا، ودفع في كل واحدة تسبيقا قدره 47 مليون سنتيم بالإضافة إلى 5 ملاين سنتيم كتسبيق على اقتناء مساحة من المرأب، أي أنه دفع 50 في المائة من إجمالي ثمن العقار الذي اشتراه. وبعد أن وجدت الشركة الإسبانية إقبالا على مشروعها الأول، خاصة من مغاربة المهجر، قامت بالاستثمار في مشروع ثان أسمته «مارينا بالاص»، كان يفترض أنه سيقام على قطعة أرضية مجاورة للمشروع الأول، وهو مشروع للشقق الفاخرة كسابقه، ومن أجل ضمان إقبال كبير على المشروع، أعطت الشركة ما اعتبرته «امتيازا» لزبنائها في المشروع الأول، من أجل اقتناء الشقق الجديدة بناء على التصاميم المنجزة، وهي الفكرة التي لقيت استجابة واسعة، وكان من بين الذين اقتنوا شققا في المشروع الجديد، المهاجر حسن القاضي، الذي وقع عقد شراء شقتين مساحة الواحدة منهما 144 مترا بقيمة 30 مليون سنتيم للشقة الواحدة بالإضافة إلى 5 ملايين سنتيم كتسبيق للمستودع، وعلى منواله سار عشرات المستثمرين الآخرين، ثلاثة أرباعهم من مغاربة المهجر، على أن يتسلموا شققهم سنة 2009. الحلم يصير كابوسا غير أن المشاكل ستطفو على السطح انطلاقا من سنة 2008، عندما سيعود أصحاب الشقق لمتابعة سير الأشغال، وسيفاجؤون بأن البقعة الأرضية لا تزال عارية وحتى الحفر التي كانت موجودة من قبل طمرت، وهو ما برره ممثل الشركة بمشاكل في الهندسة اضطرتها إلى تأجيل أشغال البناء إلى حين التغلب على المشاكل التقنية، قبل أن يعلموا أن عدوى المشاكل انتقلت إلى المشروع الأول. وجد 41 مستثمرا، أغلبهم قادمون من هولندا وبلجيكا وانجلترا، أنفسهم أمام صدمة عنيفة، فلم يجدوا إلا الاحتجاج على الشركة داخل مقرها، وهو ما دفعها سنة 2010، إلى إفراغه نحو وجهة مجهولة، لتزيد من حيرة المستثمرين، الذين لم يجدوا أمامهم سوى المدير العام المغربي، الذي سيفصح لهم لأول مرة بأن ملاك الشركة إسبان، وبأنهم عانوا من ضائقة مالية دفعتهم لبيع 70 في المائة من شركتهم لمستثمرة إسبانية أخرى. وتكفلت المالكة الجديدة للشركة بإتمام مشروع إقامة «أوفشور» سنة 2011، لكن معاييرها، حسب المتضررين، كانت أدنى بكثير مما اتفق عليه، ما دفع عددا منهم إلى المطالبة باستعادة أموالهم، ولم تمر سوى سنة واحدة، حتى انسحبت المستثمرة الإسبانية بدورها من المشروعين وباعت الشركة بدرهم رمزي لمستثمر مغربي مقابل حل مشاكلها، هذا الأخير، عمد إلى بيع المشروع الأول إلى مستثمر خليجي، غير أن عودة المتضررين للاحتجاج منعته من ذلك ودفعته بدوره للتواري عن الأنظار. ولم يعد أمام المتضررين الذي قدموا من المهجر بغرض الاستثمار بين أحضان وطنهم سوى اللجوء إلى القضاء، لكن قبل ذلك كان عليهم الضغط على المدير العام للمشروع «م.أ»، من أجل إطلاعهم على تفاصيل ما جرى، هذا الأخير، حسب شهادات المتضررين استسلم للضغط مفجرا مفاجأة من العيار الثقيل. اتهامات للبنك حسب ما نقله المستثمر حسن القاضي نقلا عن المدير العام، فإن السبب الأصلي للمشكلة، كان هو المدير السابق للوكالة الرئيسية للبنك الشعبي في طنجة، الذي التجأ إليه أصحاب شركة «برو كلوب» من أجل الحصول على قرض ب16 مليار سنتيم لإتمام مشروع «مارينا بالاص»، لكنه أقنعهم باقتناء إقامة أخرى في وسط المدينة، مقابل أن يساعدهم في الحصول على قرض أكبر تبلغ قيمته 28 مليار سنتيم، وهو ما وافق عليه أصحاب الشركة الإسبانية. لكنهم تفاجؤوا برفض الإدارة المركزية للبنك الشعبي في الدارالبيضاء، منحهم أكثر من 50 في المائة من القرض المطلوب، أي 14 مليار سنتيم، وتم تسليمهم المبلغ كاملا «كاش» حسب المتضررين، ليختاروا أن يقوموا باقتناء إقامة وسط المدينة، التي توهموا بأنها استثمار ناجح، قبل أن يصطدموا بانخفاض غير مسبوق في أثمنة العقار وعزوف عن اقتناء الشقق في الفترة التي تزامنت مع فشل مدينة طنجة في احتضان المعرض الدولي سنة 2007، حسب ما أكده المستثمر حسن القاضي نقلا عن المدير العام «م.أ»، الأمر الذي وضعهم في ورطة كبرى، دفعتهم لتفويت مشاريعهم للعودة صوب إسبانيا بأقل الخسائر. وقد حاولت «المساء» التحقق من هاته الرواية بشكل مباشر من المدير العام «م.أ»، حيث أبدى موافقته على الحديث في البداية، قبل أن يمتنع عن الإجابة على مكالمات «المساء» فيما بعد. ولا يزال هذا الملف في أخذ ورد بين المحكمتين الابتدائية والتجارية، حيث حكمت الأولى بالحجز التحفظي على العقارين فيما قضت الثانية التي التجأت إليها إدارة البنك الشعبي، ببيع العقارين في المزاد العلني، وهو ما يعني حسب المستثمر المغربي أن الأولوية ستكون لتعويض المؤسسة البنكية فيما سيبقى الفتات للمستثمرين المغاربة» حسب تعبيره، قائلا إن المحكمة التجارية رفضت قبول تعرضهم إلى حين إجراء السمسرة.