نعترف بأن الثورة المصرية لم تحقق جميع أهدافها، ولكن يكفينا أنها حققت الهدف الأهم الذي توحدت من أجله الغالبية الساحقة من المصريين، وهو إطاحة نظام الفساد الذي أهدر كرامة مصر وشعبها وأذلّها على مدى أربعين عاما، وحوّلها إلى رهينة للمخططات الأجنبية، الأمريكية والإسرائيلية على وجه الخصوص. نعم هناك مشاكل.. نعم هناك انقسامات حادة بين تيارين، الليبرالي من ناحية، والإسلامي في الناحية المقابلة، ولكن هذا لا يمكن أن يقلل من أهمية هذه الثورة والإنجاز الأكبر الذي حققته في تحرير الشعب المصري، وربما الأمة العربية بأسرها لاحقا، من التبعية والتخلف والديكتاتورية وكل أشكال سرقة عرق الكادحين الفقراء. كنا نتمنى أن ينزل الملايين إلى الشوارع والميدان على طول مصر وعرضها ليحتفلوا بعيد نجاح ثورتهم الثاني، ويتبادلوا التهاني، ويتعانقوا ابتهاجا، ويرقصوا على قرع الطبول والأناشيد والأغاني الشعبية والوطنية، ولكن هناك من يريد وأد هذه الثورة وسرقة إنجازاتها، من خلال بذر بذور الفتنة والانقسام بين أبناء الثورة أنفسهم. بعد عامين من الثورة، يتحوّل ميدان التحرير، الذي كان عنوانها الأبرز، إلى تجمع للمعارضة لحكم الرئيس محمد مرسي وللرافضين لدولته الإسلامية وحركة الإخوان المسلمين التي جاء من رحمها ووصل إلى كرسي الرئاسة من خلال انتخابات حرة نزيهة لم يشكك أحد في نزاهتها والنتائج التي أفرزتها. الديمقراطية هي نقيض الديكتاتورية، وهي التجسيد الأبرز للتعددية السياسية وإطلاق الحريات التعبيرية بأشكالها كافة، ولكنها في الوقت نفسه تفرض احترام سلطة الشعب التي يعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع. من حق المعارضة المصرية أن تنزل إلى الشوارع والميادين، وأن تعارض حكم الرئيس مرسي، وأن تتحدث عن إخفاقاته، وأن تعبّر عن مخاوفها من الدولة الإسلامية التي تعتقد أنه يتبناها، ولكن شريطة أن يتم كل هذا بعيدا عن الصدام والإخلال بالأمن، وفي إطار الحرص الشديد على سلامة الممتلكات العامة. لا نجادل في أن بعض الأخطاء وقعت في المرحلة الانتقالية الحالية، وأبرزها عدم حرص التيار الإسلامي، الذي أوصل الرئيس مرسي إلى سدة الرئاسة، على ترسيخ أسس التعايش مع الآخرين منذ اللحظة الأولى، وتجنب أي إجراءات أو خطوات يمكن أن تعطي الذخيرة لدعاة الانقسام وإفشال الثورة، وأبرزها الإعلان الدستوري المؤقت الذي كاد أن يقود مصر، بما ورد فيه من مواد مثل تحصين قرارات الرئيس، إلى حرب أهلية دموية. الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها مصر حاليا ليست وليدة الثورة، ولا يتحمل وزرها النظام الحالي وحده، وإن كان من الصعب إعفاؤه من المسؤولية، فمصر تعيش حالة من الانقسام السياسي الذي هزّ استقرارها، وفاقم من أزماتها، وأي حلول تحتاج إلى بعض الوقت حتى تعطي ثمارها. الدول الرأسمالية الغربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، تعيش أزمة اقتصادية حادة، وبعضها أعلن إفلاسه مثل اليونان وإيرلندا، وفرنسا وإيطاليا والبرتغال تترنح، وهذه دول ديمقراطية عريقة ومستقرة ولا تواجه انقسامات واستقطابات سياسية داخلية. نحن لا نبحث عن أعذار لحكم الإخوان، ولا مبررات لبعض سياساته الفاشلة التي تعكس انعدام الخبرة وسوء اختيار الوزراء والمسؤولين، ولكننا نقدم شرحا موضوعيا، ومقارنة علمية ربما نستطيع من خلالهما تجنيب مصر وشعبها الوقوع في مصيدة سوء الفهم، وتقديم قراءة صحيحة للوقائع على الأرض. الجنيه المصري يتهاوى، والغلاء الفاحش يتغوّل، ورصيد البلاد من العملات الأجنبية يتراجع، والعجز في الميزانية يصل إلى أرقام قياسية، ولكن الاستقرار في البلاد هو الخطوة الأهم لمواجهة هذه الصعوبات، وأي محاولة لضربه ستؤدي إلى تفاقمها، بحيث يكون الشعب الكادح هو الخاسر الأكبر. الإصلاح الاقتصادي في مصر لا يمكن أن يتم بكبسة زر، وإصلاح الأجهزة الأمنية القمعية يحتاج إلى وقت، فالتركة التي ورثتها الثورة من حكم الرئيس مبارك وبطانته الفاسدة ثقيلة، بل ثقيلة جدا، وهذا لا يعني اعفاء الحكومة الحالية من المسؤولية. كان مؤلما منظر ضحايا القطارات وانهيار العمارات وتناسل الحوادث المماثلة التي تكشف عن إهمال وتسيب وعدم وجود الحد الأدنى من الصيانة والإدارة الجيدة للخدمات العامة. ولعل هذه الصدامات ودماء الأبرياء، تشكل جرس إنذار للحكومة الحالية، والحكومات المقبلة، لتغيير سلم أولوياتها وتركيز الاهتمام على احتياجات الشعب الأساسية. مصر تقف على أبواب انتخابات برلمانية، نأمل أن تتم في أجواء من النزاهة والتنافس الشريف، فهذه الانتخابات هي المحك، وهي التي ستحدد حجم القوى على الأرض، وعلى الجميع احترام ما تفرزه صناديق الاقتراع. المعارضة المصرية أثبتت قوتها وحجم شعبيتها على الأرض عندما حصلت على ثلث الأصوات في الاستفتاء الأخير على الدستور، وهذه أرضية جيدة تكشف عن شعبيةٍ عليها البناءُ عليها للحصول على مقاعد أكبر في البرلمان الجديد، وهي قادرة على ذلك إذا ما استعدت الاستعداد الجيد. نتحدث عن مصر لأنها القاطرة التي يمكن أن تقود الأمة بأسرها إلى برّ الأمان، وتضع حدا للانهيار الحاصل فيها حاليا، وضياع بوصلتها، فهناك قوى عربية وأجنبية لا تريد للثورة المصرية أن تنجح، ولا تريد للديمقراطية المصرية أن تترسخ خوفا من انتقال العدوى إليها، وهذه القوى تضخّ المليارات من الدولارات من أجل إنجاح عملية التخريب هذه. نحن مع الدولة المدنية التي يتعايش فيها الجميع تحت خيمة الديمقراطية والمساواة والمحاسبة والحكم الرشيد، دون أي تفرقة آو أي محاولة للاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخر، ولذلك نحذر من الوقوع في مصيدة الفتنة التي تحاول جهات خارجية إيقاع مصر وشعبها فيها. نطالب الحكومة بالصبر والحكمة وإقامة جسور الحوار مع الجميع دون استثناء، واحترام الإخوة الأقباط ورفع المظالم عنهم، وإشراكهم في الحكم على قدم المساواة مع كل أشقائهم، فهؤلاء مواطنون ووطنيون وشركاء أُصلاء في هذا الوطن. نعترف بأننا منحازون إلى مصر، مصر وحدها، لأننا نريدها قوية رائدة متفوقة عزيزة حرة، ولهذا نكرر تمنياتنا بأن يمرّ هذا اليوم بسلام دون أي مواجهات آو صدامات، تماما مثلما حدث في كل مناسبات مماثلة. من حق الشعب المصري أن يفرح بثورته وإنجازها الأكبر في إطاحة نظام الطاغية، ومن حقنا أن نقلق نحن المحبين له ولمصر، التي كانت وستظل نصيرا لكل شعوب الأمة وقضاياها العادلة. لا نملك إلا أن نقول للشعب المصري بكل أطيافه ألف مبروك عليكم ثورتكم التي هي ثورتنا، وثورة الأمة بأسرها، وكل ذكرى وأنتم بألف خير.