قرار حركة الإخوان المسلمين إلغاء المظاهرة المليونية «المضادة» التي دعت إليها، وكان من المفترض أن تلتئم اليوم، يمثل خطوة على درجة كبيرة من الأهمية يجب التنويه بها، ويعكس مواقف «تصالحية» تريد حقن الدماء وتجنب التصعيد، ورغبة في احتواء الأزمة أو التخفيف من حدتها لمنع انفجار حرب أهلية في البلاد. نعم..الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي كان هو سبب هذه الأزمة، وحالة الاحتقان التي تعيشها البلاد حاليا، ولكن لا بدّ من تعاون جميع الأطراف الأخرى دون استثناء من أجل منع أي سفك لدماء أبناء مصر، وتعميق حالة الانقسام المتفاقمة حاليا. الرئيس مرسي تنازل مرتين، الأولى عندما أصدر بيانه التوضيحي في أعقاب اجتماعه مع المجلس الأعلى للقضاء يوم الثلاثاء، وتضمن نقطتين أساسيتين، أولاهما القول بأن «تحصين» القرارات الرئاسية محصور بتلك المتعلقة بالقضايا «السيادية»، مع الإبقاء على المادة التي تنص على حظر حلّ مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، وثانيتهما أن إعادة التحقيقات في قضايا قتل المتظاهرين تقتصر على حالة ظهور أدلة جديدة. وربما يجادل البعض بأنه لا جديد في هذه التوضيحات، لأن تحصين القرارات السيادية أمر مسلّم به، لأن القرارات السيادية محصّنة بطبيعتها وليست من اختصاص القضاء، وأن عدم الطعن في حلّ مجلس الشورى والجمعية التأسيسية يعدّ على القضاء والمحكمة الدستورية، ولكن يجب النظر إلى المعنى الأساسي من تقديم هذا التوضيح، وإلغاء المظاهرة الإخوانية المليونية، وهو محاولة تجنب الصدام وحقن الدماء، كخطوة أساسية نأمل أن تؤدي إلى فتح أبواب الحوار الوطني الشامل وبما يؤدي إلى اتفاق أو حلول وسط. حتى لو افترضنا أن الرئيس مرسي أخطأ، وربما الحال كذلك، بإصداره الإعلان الدستوري، فإن من واجب العقلاء في أحزاب المعارضة تقديم السلّم له لكي ينزل من على الشجرة، لا إبقاءه معلقا في الهواء، لأن البديل هو الصدام وصبّ الزيت على نار الأزمة، الأمر الذي قد يقود البلاد إلى نفق مظلم، وحالة من عدم الاستقرار لا يعلم أحد متى تنتهي وكيف، وبأي خسائر بشرية ومادية. حركة الإخوان تراجعت بإلغاء المظاهرة، ونتمنى أن تتراجع الأحزاب الأخرى، ولو مؤقتا عن مواقفها وحشودها للمليونية التي دعت إليها في ميدان التحرير، فالتنازل من أجل مصر وأمنها واستقرارها وحقن دماء أبنائها هو قمة الحكمة والتعقل والبراغماتية المسؤولة. ندرك جيدا أن هناك جهات داخلية وخارجية، ليس من بينها أحزاب المعارضة الليبرالية والعلمانية وأنصار الدولة المدنية، يريدون إغراق مصر في مستنقع الخلافات والصدامات، ووأد ثورتها العظيمة وحرفها عن مسارها الصحيح؛ ومسؤولية الجميع في مصر، سلطة ومعارضة، الحيلولة دون نجاح هذه الجهات المعادية لمصر ودورها الريادي الذي بدأت في استرداده، وقرارها المستقل الذي كرّسته بديمقراطيتها وإطاحة النظام السابق الذي كرس تبعية مصر وأهان كرامتها الوطنية. هناك فرق كبير بين المرونة المسؤولة، والإصرار على إذلال الخصم وإهانته، والمأمول أن تتحلى جميع الأطراف في مصر، وعلى رأسها حركة الإخوان، بالمرونة، وأن يقابل خصومها هذه المرونة بالشيء نفسه، وأن يتم تجنب العناد والإصرار على التمسك بالمطالب جميعا حتى آخر الشوط. مصر وأمنها واستقراره يجب أن توضع فوق جميع الاعتبارات من قبل الحكومة والمعارضة، والرئيس مرسي أخطأ عندما لم يتصرف وكأنه رئيس لكل المصريين، وبعض الجهات المدسوسة على المعارضة ارتكبت خطيئة كبرى عندما شيطنت حركة الإخوان المسلمين والرئيس مرسي، واستغلت الإعلان الدستوري لتخريب الثورة المصرية ونسف الوحدة الوطنية، وإغراق مصر في حمامات الدماء في نهاية المطاف. نزول الجيش إلى الشوارع ليس الحلّ، وإغراق البلاد في حرب أهلية هو أكبر جريمة ترتكب في حق هذا الشعب المصري الطيب الصابر، من قبل النخبة السياسية، سواء تلك التي تقف في خندق الحكومة أو المعارضة.