الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح قال إن حكم اليمن مثل الرقص فوق رؤوس ثعابين سامة، وقبله قال الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني: «ركوب الليث ولا حكم اليمن»، اليوم يكتشف الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي أن حكم اليمن يعتبر نزهة بالمقارنة مع حكم مصر، ليس لأن عدد سكان مصر أربعة أضعاف عدد نظرائهم اليمنيين، وإنما بسبب الاعتبارات الدولية المحلية والإقليمية والدولية المتداخلة والمعقدة، التي تتصادم على الأراضي المصرية. الثعابين لدغت الرئيس اليمني، وكانت لدغة قاتلة أطاحت به ولو إلى حين، ولكن خلو مصر منها لمصلحة القوة المدنية الناعمة ربما يكون أكثر خطورة، وعلينا أن نتذكر أن الرئيس اليمني صمد لما يقرب من العام ونصف العام قبل أن يسقط، لكن القوة المصرية الناعمة أطاحت بالرئيس مبارك في أقل من عشرين يوما، مع تسليمنا بأن المقارنة بين التجربتين ليست في محلها تماما. مصر الآن تعيش حالة من الغليان، يريد لها البعض أن تتحول إلى صدامات دموية، وربما إلى حرب أهلية، تشفي غليل المتربّصين بالثورة المصرية، داخل مصر وخارجها، الذين يدعمون تحريضهم ضدها برصد مئات الملايين، إن لم يكن عشرات المليارات، للإطاحة بها وإجهاض إنجازها الديمقراطي، لمعرفتهم الأكيدة بأن نجاحها وترسّخها يعني وصولها إلى مضاربهم والإطاحة بأنظمتهم. هناك فرق شاسع بين الكراهية للإخوان المسلمين وحكمهم الذي جاء عبر صناديق الاقتراع والخيار الشعبي الحرّ، وبين الكراهية لمصر والرغبة في تدميرها من الداخل، وبذر بذور الفتنة لتمزيق الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي لهذا البلد المحوري الرائد في المنطقة. لا نختلف مع الذين يخطّئون الرئيس محمد مرسي في إصداره للإعلان الدستوري الذي وضع كل الصلاحيات في يده، ودون أن يتبصر العواقب، فمثلما أيدنا الرئيس مرسي في معارضته لإعلان مماثل أصدره المجلس العسكري واستخدمه لحل البرلمان والاستيلاء على السلطة التشريعية عنوة، لا نتردد لحظة في قول كلمة لا للإعلان الدستوري الجديد، حتى لو جاء ضربة استباقية لإجهاض مؤامرة كان يعدّ لها المجلس الأعلى للقضاء لحلّ اللجنة الدستورية لوضع الدستور. ما نختلف فيه مع المعارضين للرئيس مرسي وإعلانه الدستوري هو عدم التبصر من قبل البعض لأبعاد مؤامرة خارجية على الثورة المصرية، أبرز أهدافها وأد الثورة وإعادة مصر إلى بيت الطاعة الأمريكي-الإسرائيلي مرة أخرى. فعندما يحذر السناتور الأمريكي الجمهوري جون ماكين، التلميذ النجيب للمحافظين الجدد، وإدارة الرئيس جورج بوش الابن، التي غزت العراق ودمرته وأيدت العدوان الإسرائيلي على لبنان، وبعده على غزة، عندما يحذر من قيام دولة إسلامية في مصر أو عودة العسكر أو انتشار الفوضى، ويطالب باستخدام المساعدات المالية الأمريكية كورقة ضغط على الرئيس مرسي للتخلي عن الإعلان الدستوري، فإن علينا جميعا أن نقف متأملين لهذا التهديد وأبعاده وجلّ معانيه. قد يجادل البعض محقا بأن الإدارة الحالية تدعم الرئيس مرسي، وتسهّل قرضا من صندوق النقد الدولي بأربعة مليارات وثمانمائة مليون دولار لمصر، والأكثر من ذلك أن شمعون بيريس، رئيس الدولة الإسرائيلية، يصفه بطونه رجل دولة ويشيد بحكمته بسبب دوره في تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، والتفاوض على اتفاق تهدئة، ولكن هذا من قبيل الانحناء أمام العاصفة، ولو مؤقتا، ألم يرضخ الرئيس الروسي بوتين لكل الشروط والضغوط الأمريكية ريثما يعيد ترتيب البيت الروسي من الداخل، ألم تنكمش الصين دوليا وتتحمل الإهانات الأمريكية لأكثر من عشرين عاما لم تستخدم فيها «الفيتو» مرة واحدة، حتى تكتمل خطتها الاقتصادية وتقفز من المرتبة العاشرة إلى الرابعة، ثم الثانية، وبعد أربع سنوات إلى الأولى عالميا، ثم تقول لأمريكا «لا» كبيرة وتستخدم «الفيتو» ثلاث مرات في مجلس الأمن الدولي، في أقل من عام ضد التدخل العسكري للناتو في سورية؟ لم أكن إخوانيا في أي يوم من الأيام، ولن أكون، ولكنني أضع مصلحة مصر، التي هي مصلحة الأمة، فوق كل اعتبار، وهي مصلحة باتت مهددة بشكل مباشر، ولهذا أطالب بكلمة سواء تقضي على هذه الفتنة في بدايتها، وقبل أن تتطور إلى حرب أهلية، ومواجهات دامية بالتالي بين الطرفين اللذين يحشدان أنصارهما في هذا الميدان أو ذاك. مصر تحتاج إلى الاستقرار وإلى التعايش بين مختلف ألوان طيفها السياسي والديني والاجتماعي، بما يؤدي إلى مرحلة انتقالية أكثر سلاسة للوصول إلى الهدف الأكبر وهو النمو الاقتصادي واستعادة أسباب القوة تماما مثلما فعلت الصين وروسيا وتركيا أردوغان. اليوم، من المفترض أن يلتقي الرئيس مرسي برئيس المجلس الأعلى للقضاء ومجموعة من معاونيه في القصر الجمهوري، وهذا اللقاء الذي يجسد استعداد الطرفين للحوار هو فرصة ذهبية للخروج من الأزمة، أو تجميدها على الأقل، ووقف حالة التحشيد والاستقطاب التي تسود مصر حاليا، وحرب المظاهرات. نتمنى من الرئيس مرسي تجميد إعلانه الدستوري والدخول في حوار مع القوى الوطنية بشأن إصلاح جذري للقضاء. بقي أن نقول إننا لا نفهم كل هذه الانقسامات بشأن وضع الدستور، والوصول إلى اتفاقٍ وسطٍ حول نقاطه الخلافية، بما يحفظ استقرار البلاد وأمنها وتوحيد صفوفها، فإذا كانت حركة الإخوان تعتقد أنها تستطيع حكم البلاد لوحدها، ووفق شروطها ورؤيتها، فهي مخطئة، لأن هناك مجتمعا مدنيا قويا في مصر لا يمكن تجاهله أو القفز فوقه بمجرد جرة قلم. مصر تحتاج إلى التوافق والتعايش والاحتكام إلى صناديق الاقتراع والاستماع إلى الشعب المصري، الذي هو صاحب كل السلطات، ومن المؤسف أن هناك من يحاول تجاهل هذه الحقائق في ذروة الصراع على كرسي السلطة. حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم استطاع أن يسيطر على السلطتين التنفيذية والتشريعية بعد أن نقل تركيا إلى مصاف الدول العشرين الأقوى اقتصاديا، وبعد أن تعايش مع العلمانية ولو مرغما، وقبل بصورة أتاتورك على العملة الوطنية وبتماثيله في كل مكان، واحتكم إلى صناديق الاقتراع. الرئيس مرسي يجب أن يستفيد من هذه التجربة، وقد حضرنا سويا مؤتمر حزب العدالة والتنمية قبل شهر في أنقرة، واستمعنا إلى خطاب أردوغان التاريخي فيه، واطلعنا على برنامجه للسنوات العشر القادمة، وكنت أتمنى لو أن الرئيس مرسي استمع إلى نصائحه قبل أن يصدر إعلانه الدستوري الحالي، مفجّر الأزمة الحالية.