مكافحة القنص الجائر.. تحرير 52 محضرا في الفترة ما بين 20 شتنبر و20 أكتوبر الجاري    بعد «كسرها العظم» وسيمة الميل تطل من نافذة مغربية    مكتب السكك الحديدية يعتزم استثمار نحو 9,8 ملايير درهم ما بين سنتي 2025 و2027    19 يوما من إبادة الشمال.. إسرائيل تواصل القتل والحصار والتطهير    الفنانة زهرة حسن في عمل فني جديد بعنوان «تيميزار»    زيارة ماكرون للمغرب افتتاح لعصر جديد في العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية بين البلدين.. بقلم // عبده حقي    توقيف ثلاثيني بأكادير بتهمة النصب والاحتيال عبر النت    مؤتمر دولي لتكريم الدكتور حنون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    حبس "ثلاثي زمالكاوي" في الإمارات    أنشيلوتي: "فينيسيوس سيفوز بالكرة الذهبية"    موكوينا يستدعي 22 لاعبا لمواجهة النادي المكناسي    أخنوش في اجتماع الأغلبية: رهاننا على التشغيل استراتيجي للتقليص من بطالة الشباب والكفاءات            توقيف شخصين بإنزكان وأولاد تايمة على خلفية تورطهما في بيع التمور الفاسدة وحجز أكثر من 31 طن    ابتدائية الرباط تؤجل جلسات محاكمة "طلبة الطب" إلى شهر نونبر المقبل        استطلاع: المغاربة يعتبرون الصلاة متفوقة على التلقيح في الوقاية من "كوفيد"    حقوق الإنسان: الأمين العام للأمم المتحدة يبرز تميز تعاون المغرب وتفاعله مع الآليات الأممية    هذا ما قاله غوتيريش عن مدى احترام المغرب والبوليساريو وقف إطلاق النار    مثول طلبة الطب أمام المحكمة اليوم وتأخير ملفهم الى 20 نونبر    بطء الأشغال في مستشفى الناظور الجديد يثير تساؤلات حول موقع الإقليم في السياسة الصحية الوطنية    اتحاد طنجة يواجه الزمامرة لاستعادة الصدارة والوداد في ضيافة "الكوديم" لمواصلة الصحوة    "جباليا الإباء خان يونس الصمود".. جمهور نادي الرجاء يتضامن مع غزة    الجيش الملكي يستنكر تحكيم مباراة الرجاء ويدعو لتحقيق فوري    شيرين عبد الوهاب: أول فنانة عربية تكتب اسمها في موسوعة غينيس    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم..        "لوبوان": هل أساءت المحكمة الأوروبية استخدام القانون بإبطال اتفاق الصيد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب؟    "أوكسفام": المغرب يحرز تحسنا في "مؤشر الالتزام بتقليل عدم المساواة" بفضل زيادة الإنفاق العمومي في أعقاب زلزال الحوز    الأول بإفريقيا والشرق الأوسط.. تدشين مركز ابتكار ل"نوكيا" بالمغرب    "ّلجنة حماية الصحفيين": فرحة بوعشرين والريسوني والراضي لم تدم طويلا ويواجهون عبء الإدانات بعد إطلاق سراحهم    لجنة الخارجية بمجلس الشيوخ الإسباني تدعو إلى الضغط على المغرب لإعادة فتح الجمارك في مليلية    إسرائيل تشن غارات على مدينة صور بجنوب لبنان ووزيرة خارجية ألمانيا تصل بيروت    إيران: إعدام أربعة أشخاص بسبب بيع مشروبات كحولية مغشوشة    أبطال أوروبا.. حكيمي ينقذ "PSG" من الهزيمة وفينيسيوس يقود الريال لريمونتادا تاريخية    الدورة الثامنة لتحدي القراءة العربي تتوج ممثلي ‬فلسطين والسعودية وسوريا    جنود إسرائيليون يطلبون إنهاء الحرب    منظمة الصحة العالمية تعلن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة    كيوسك الأربعاء | المغرب يرصد أزيد من 200 مليار سنتيم لتطوير الجانب الرياضي    آلاف الفنانين والكتاب يبدون في عريضة قلقهم من الذكاء الاصطناعي    حكّام الجزائر، يتامى "الاستفتاء"... يغمغمون    المغرب الثقافي .. حب واحتراق    اَلْحُبُّ الْمَمْنُوعُ!    تحديات عالمية ورهانات مستقبلية    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    تغييب الأمازيغية عن تسمية شوارع العروي تجلب انتقادات للمجلس الجماعي    كمال كمال ينقل قصصا إنسانية بين الحدود المغربية والجزائرية في "وحده الحب"    النصر للشعب الفلسطيني وكل المدعمين له ..    المستوطنون يقتحمون الأقصى في رابع أيام "ما يسمى عيد العرش"    إعادة تأهيل مرضى القلب: استعادة السيطرة على الصحة بعد حادث قلبي    الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات.. الذكاء المنطقي الرياضي/ تتويج المغرب بالذهبية/ تكوين عباقرة (ج2) (فيديو)    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب.. الحديقة الخلفية لفرنسا
نشر في المساء يوم 21 - 12 - 2008

عندما أصدر القاضي القاضي الفرنسي، باتريك راماييل، السنة الماضية بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للمغرب، مذكرات اعتقال في حق 5 مسؤولين أمنيين مغاربة للاستماع إليهم في جريمة اغتيال المعارض المغربي المهدي بنبركة بينهم الجنيرالان حسني بنسليمان وعبد الحق القادي، فإن هذه المذكرات ضلت كل قنواتها الديبلوماسية وتعثرت في منتصف الطريق إلى الرباط دون أن تقدم توضيحات بشأن هذه القضية سواء من طرف السلطات المغربية أو الفرنسية.
البعض يفسر هذا التهميش الفرنسي لملف بنبركة ليس فقط بدواعي تغليب «المصالح العليا المشتركة بين البلدين»، وإنما أيضا بهواجس أخرى لها علاقة بصورة الجمهورية الخامسة لدى المنظمات الحقوقية خاصة أن صناع القرار في قصر الإليزي مازالوا يحتفظون بتصريحات الراحل الحسن الثاني عندما قال غداة حادث الاغتيال بأن قضية بنبركة شأن يهم الفرنسيين لوحدهم.
وتنظر فرنسا إلى المغرب كمجال طبيعي لنفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي، بل إن فرنسا تعتبر المغرب حديقتها الخلفية وهي مستعدة لخوض أي صراع من أجل إبقائه ضمن فلكها حتى لو كان المنافسان من حجم الصين والولايات المتحدة اللتين تبحثان بإلحاح عن موطئ قدم لهما داخل دولة تستمد أهميتها الجيو-إستراتيجية من موقعها كبوابة لإفريقيا ومن روابطها القوية مع منطقة الشرق الأوسط.
ولهذا فقد انزعج صناع القرار في قصر الإليزي عندما أقدم المغرب على إبرام اتفاقية للتبادل الحر مع أمريكا واتفاقات تجارية مع دول أخرى وتراجع عن شرائه للطائرات المقاتلة الفرنسية رافال لصالح منافستها الأمريكية إف 16. وهكذا اضطرت فرنسا إلى بذل مجهودات على أكثر من مستوى لتبقى العلاقات بين البلدين محافظة على متانتها. وكانت آخر هذه المجهودات عندما أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزر في أول زيارة له بعد انتخابه شتنبر المنصرم «أن فرنسا ستدعم المغرب في إنشائه محطته النووية المدنية».
ومن سمات العلاقات المغربية الفرنسية أنها تتداخل فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية بأخرى عائلية، ذلك أن الرئيس جاك شيراك يفضل أن يقضي عطلته في المغرب بمدينة تارودانت، وساركوزي بدوره يتردد باستمرار رفقة عقيلته كارلا برواني، على مدينة مراكش، فيما شخصيات مغربية تفضل هي الأخرى التقاعد والعيش في فرنسا مثل عبد الرحمن اليوسفي وعبد اللطيف الفيلالي ...
ومن هنا، فإن الحفاظ على المغرب ومن خلاله على منطقة الغرب الإفريقي، دفع بفرنسا انطلاقا من أواسط الثمانينيات إلى لعب وظيفة محامي «المغرب» لدى الاتحاد الأوربي، الذي أصبح جراء ذلك يعيش حالة استقطاب بين ألمانيا التي تطمح إلى إلحاق دول شرق ووسط أوربا بالمجموعة الاتحادية، فيما تعمل فرنسا على انتزاع بعض المصالح لمستعمراتها القديمة في الضفة الجنوبية للمتوسط، وفي مقدمتها المغرب.
والحديث عن نفوذ فرنسي كبير في المغرب اقتصاديا وثقافيا، حيث الاستثمارات الفرنسية تمثل 60 في المائة من معدل الاستثمارات الخارجية في المغرب، لا يعني بالتأكيد خلو العلاقات الفرنسية المغربية من أزمات بين الفينة والأخرى.
من هذه الأزمات في تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية يمكن أن نستحضر غضبة الرئيس دوغول الذي لم يقبل بتاتا أن يحدث اختطاف الشهيد بن بركة في باريس. فكان أن طلب من الحسن الثاني أن يتخذ قرارا واضحا بشأن وزير داخليته أوفقير لضلوعه في حادث اغتيال بنبركة. ولم يتفاعل الحسن الثاني مع رغبة دوغول، فكان أن حدث فتور في العلاقات بين البلدين بعد أن تم استدعاء السفيرين، الأمير مولاي علي من باريس، وروبير جيلي من الرباط. نفس الفتور حصل بين الرئيس ميتران والملك الحسن الثاني بسبب سجن الراحل عبد الرحيم بوعبيد لموقفه الرافض للاستفتاء في الصحراء.
هواجس باريس تجاه الرباط أمام الزحف الأمريكي على المنطقة
لا أحد لخص الحضور الفرنسي القوي بالمغرب أحسن من وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري بقوله: «لقد اشترى الفرنسيون كل شيء...ولا من بضاعة أو مؤسسة فلتت من قبضتهم». والحقيقة أن فرنسا لم ترحل عن المغرب بعد إعلان استقلاله، بل وجدت فيه أرضا حبلى بالفرص الاستثمارية التي لا تحتاج أموالا ضخمة بقدر ما تعتمد على الجنسية والخبرة الفرنسيتين للاستثمار والربح السريع ضمن نسيج من الروابط تتشابك فيه العلاقات الإنسانية الغامضة مع المصالح التجارية والمالية.
«لستم بحاجة لأصدقاء في أيام اليسر، يتخلون عنكم في أيام العسر. إن إرسال أفضل شركاتنا، وإرسال أفضل أطرنا، واستثمار أموالنا، يعني أولا المراهنة على مستقبل المغرب. ونحن بحاجة لمغرب مستقر، مغرب ديمقراطي متعدد. هذا هو الأهم بالنسبة لنا. يسألني الكثيرون: «هل أنت واثق ؟ هل نستطيع ؟» نعم، تستطيعون لأنه لا يوجد خيار آخر. لأن فشل المغرب غداً يعني فشل فرنسا ويعني فشل أوروبا». بهذا الكلام الجميل خاطب الرئيس ساركوزي رجال الأعمال المغاربة الذين يترددون في استقبال نظرائهم الفرنسيين بالأحضان. وتلك هي الصورة التي يرسمها الرئيس الفرنسي عن بلاده في مواجهة الزحف الاقتصادي القادم من الولايات المتحدة التي تحفزت منذ بدء حملتها «المجنونة» على الإرهاب، لتكون فاعلا سياسيا واقتصاديا ناشطا في المغرب الذي يعد ركنا من أركان الامتداد الفرنسي لإفريقيا.
وهاجس باريس في أن تتخلى عنها الرباط باتجاه واشنطن ليس له ما يبرره في الواقع الجيو سياسي الراهن. ففرنسا حتى وإن تغير موقفها في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران (1981- 1995) الذي تبنى موقفا يميل إلى الحياد في نزاع الصحراء، تبنت دوما موقفا مساندا للمغرب بتأكيدها من قبل على ضرورة التوصل إلى حل سياسي تفاوضي يرضي الأطراف ويحافظ على مصالح المغرب واستقرار المنطقة، ودعمها اليوم لمشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب. ومن هذا المنطلق، لا مجال للتخوف من موقف مغربي ميال أكثر لواشنطن لأن الوئام المغربي الفرنسي هو اليوم ضرورة استراتيجية تمليها شروط الأمن والاستقرار بمنطقة يتهددها شبح الإرهاب ويؤرقها نزاع الصحراء الذي دام أزيد من ثلاثين سنة.
ومن سمات العلاقات المغربية الفرنسية أن امتزج فيها دائما العائلي بالسياسي وبالاقتصادي، حيث المعروف عن الرئيس جاك شيراك أنه كان يفضل قضاء عطلته بالمغرب في مدينة تارودانت، وساركوزي اليوم يهوى مرافقة عقيلته كارلا بروني إلى مراكش، وفي المقابل نجد شخصيات مغربية وازنة بعضها يحمل الجنسية الفرنسية والمغربية معا، ويفضل التقاعد في الديار الفرنسية، من أمثال عبد الرحمن اليوسفي وإدريس البصري وعبد اللطيف الفيلالي واللائحة طويلة...
واقتصاديا، تعتبر فرنسا أول شريك تجاري للمغرب، وأول مستثمر أجنبي، وأول مقترض وأول مانح. وتحتل كبريات البنوك الفرنسية فروعها في العديد من شوارع الدار البيضاء والرباط ومراكش، وشركة «فيفاندي» الفرنسية هي التي فازت بأكبر صفقة في تاريخ الاتصالات بالمغرب، من خلال فوزها بنسبة من أسهم اتصالات المغرب. كما أن شركة «أكور» الفرنسية تعتبر أمبراطورية سياحية داخل المملكة، و»بويغ» هي الأولى في مجال البناء، بعد أن فازت بصفقة بناء مسجد الحسن الثاني، وصفقة بناء ميناء طنجة المتوسطي، ومن المتوقع أن تفوز بصفقة ميترو الدار البيضاء. كما إن شركة «دانون» ظلت بلا منافس في السوق المغربية لعدة عقود.
وتحتل فرنسا المركز الأول من حيث حجم المعاملات والمساعدات الاقتصادية والمالية المقدمة للمغرب، إذ وصلت قيمة المساعدات سنة 2007 حوالي 170 مليون يورو، وهو ما يمثل أزيد من 30% من حجم المساعدات العامة التي يحصل عليها المغرب. وتطورت المبادلات التجارية بين البلدين بنسبة 2.6% عام 2007، بميزان تجاري لصالح باريس منذ سنة 1998. غير أن صادرات فرنسا للمغرب لم تتطور إلا بنسبة 6.6% سنة 2007، في حين نمت الصادرات المغربية نحو فرنسا بنسبة تفوق 11%.
وبالإضافة إلى استيراد فرنسا لمواد النسيج، تشكل المنتجات الزراعية حوالي 80% من المواد التي تستوردها باريس من الرباط.
ويعد المغرب الوجهة المفضلة للفرنسيين في مجال السياحة، إذ يحتلون المرتبة الأولى بمجموع 1.48 مليون سائح خلال سنة 2006، أي ربع عدد السياح بالمغرب وبارتفاع بلغ نسبته 11% خلال نفس السنة.
وأثناء زيارة نيكولا ساركوزي إلى المغرب سنة 2007، وقعت فرنسا والمغرب إتفاقيات مدنية وعسكرية ضخمة فاقت قيمتها المالية ملياري يورو. وتتعلق أهمها ببناء قطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء وبناء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية قرب وجدة واستخراج اليورانيوم من حامض الفوسفاط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.