هي قضية كان يمكن أن تمر في هدوء كغيرها من القضايا التي تعج بها المحاكم، لكن ما جعلها تثير الرأي العام هو صفة المتهم، فهو برلماني ورئيس جماعة عين عودة، اتهم باغتصاب موظفة بوزارة الأوقاف فنتج عن ذلك حمل، وما زاد الملف إثارة هو مساره الذي تحول من حكم ابتدائي بسنة نافذة إلى براءة مفاجئة ومعلقة في انتظار قرار محكمة النقض.. فاختلطت الأوراق في هذا الملف، الذي اعتمد في أساسه على خبرات جينية وعشرات المكالمات الهاتفية ووقائع توزعت بين عدة مدن. رغم حكم البراءة الذي صدر في حق البرلماني، حسن عارف، من تهمة الاغتصاب التي سبق أن أدين من أجلها بسنة حبسا نافذا، فإن هذا الملف يبقى مفتوحا على جميع الاحتمالات أمام المسار المثير الذي اتخذه، ففي الوقت الذي أقام فيه البرلماني احتفالا صاخبا بحصوله على البراءة، قررت المشتكية، التي هددت في وقت سابق بإضرام النار في جسدها وتكرار سيناريو محكمة الجديدة، أن تسلك مسار الاحتجاج الذي قاد إلى اعتقالها وتقديمها أمام قاضي التحقيق بتهمة إهانة القضاء، وهي التهمة التي عرض عليها تقديم اعتذار مقابل سحبها، لكنها رفضت وتشبثت بموقفها. آخر تطورات هذه القضية هو ما كشفت عنه المشتكية من رسائل هاتفية قصيرة أكدت أنها صادرة عن المتهم أياما قليلة قبل النطق بالبراءة، وهي الرسائل التي حاول فيها البرلماني إقناعها بالتخلي عن طريق القضاء، والتنازل عن الدعوى التي انطلقت في بدايتها، بشكاية مباشرة لدى مصالح الدرك الملكي لعين عودة، تحت رقم 381، تم توجيهها إلى النيابة العامة في المحكمة الابتدائية في تمارة، بتاريخ 23/ 03 /2010، وتؤكد فيها تعرضها لمحاولة قتل، عن طريق حادثة سير مفتعلة، بعد أن قررت اللجوء إلى القضاء لإنصافها. قرارات متناقضة بعد ذلك تقدمت الضحية بشكاية أخرى للوكيل العام بالرباط بتاريخ 28.6.2010. وهي الشكاية التي ظلت تراوح مكانها، وأحيلت شفويا بعد ذلك على وكيل الملك بابتدائية تمارة، الذي قرر حفظها بتاريخ 19/10/2010، ورغم أن الدفاع تقدم بطلبين لإخراج المسطرة من الحفظ، إلا أن قاضي التحقيق أصر على قراره، بحجة عدم وجود مبررات تساعد على إخرج المسطرة من الحفظ، وانعدام أدلة الإثبات، لتخوض الضحية اعتصاما في مقر بلدية عين عودة، حيث يشتغل المتهم كرئيس لهذه البلدية، مع خوض إضراب مفتوح عن الطعام ورفع عدة لافتات كتب على واحدة منها: «ثابت عين عودة لا بد أن يفضح»، مطالبة بإنصافها ومعاقبة المتلاعبين بالقانون، الذين يستغلون نفوذهم من أجل تحريف مسار القضية، وأكدت أن الجنين الذي في بطنها هو أكبر دليل على صحة اتهاماتها، وبعد محاولة إخراجها من المقر، قاومت بقوة وألحقت خسائر ببعض التجهيزات، ليتقرر تقديم شكاية ضدها بتهمة إلحاق خسائر مادية بممتلكات عامة. المفاجأة الأولى في هذا الملف حصلت خلال تقديمها أمام وكيل الملك بتهمة إلحاق خسائر بمقر البلدية، حيث تقدم المتهم بتنازل، وزكى وكيل الملك هذا التنازل بحفظ الشكاية المتعلقة بها، وهو ما اعتبرته المشتكية حينها وسيلة للضغط عليها في اتجاه طي الملف، لتلجأ من جديد للاحتجاج أمام مقر البلدية تزامنا مع الزيارة الملكية للمنطقة، ما جعل عددا من المسؤولين في سلك الدرك والقضاء يتصلون بها من أجل رفع الاعتصام، وفق ما أكده المحامي بوشعيب الصوفي، حيث قدمت لها تطمينات ووعود بإخراج ملفها من الحفظ، كما تلقت اتصالات هاتفية متتالية من مسؤول قضائي بتمارة على أساس مفاوضتها من أجل تعليق الاعتصام مقابل رفع الحجر عن شكايتها، وهو ما تحقق فعلا بعد ذلك، حيث أخرجت الشكاية من الأرشيف بقرار من نفس المسؤول القضائي الذي قرر حفظ القضية في البداية، ليتم تحريك المتابعة اعتمادا على نفس الوثائق التي تم على أساسها الحفظ ما أثار عدة تساؤلات وعلامات استفهام حول القرارين المتناقضين الصادرين عن نفس القاضي. وبعد أن أعطى الاعتصام بمقر البلدية نتيجته أحيل الملف من جديد على الوكيل العام للملك بالرباط، الذي عين مكان مسؤول تم تنقيله، حيث قرر هذا الأخير إحالة الملف على قاضي التحقيق ليبدأ مشوار الاستنطاق والتحقيق بعد سلسلة من الاعتصامات والاحتجاجات التي أصبحت حديث الساكنة وعدد من السياسيين. حادثة الاغتصاب بعد ذلك تم الاستماع إلى المشتكية من طرف عناصر تابعة للمركز القضائي للدرك الملكي بتمارة، حيث أكدت أنها في شهر غشت2009 توجهت إلى مقر بلدية عين عودة لقضاء بعض الأغراض، ليلحق بها البرلماني ورئيس الجماعة، الذي طلب منها رقم هاتفها النقال من أجل الاتصال بها بحجة محاولة تسهيل عملية منحها بقعة أرضية سبق أن قدمت طلبا بشأنها، وأشارت إلى أنها وبعد اتصالات هاتفية وإلحاح منه التقت به، ورافقته على متن سيارته إلى أحد المطاعم بشاطئ الهرهورة، وهناك ألح عليها من جديد لترافقه إلى منزل قريب من الشاطئ، إلا أنها رفضت، وأكدت المشتكية أن المتهم حاول كسر جدار الرفض بعد أن وعدها بالزواج وبدا بصورة المسؤول الذي يعي ما يقول. الوقائع ستتوالى بعد ذلك بعد أن أشارت الضحية للمحققين إلى أن المتهم قام بنقلها في شهر نونبر من نفس السنة إلى ضيعة لتربية الدواجن في ملكيته، وأكدت أنه وبمباشرة بعد دخولهما غرفة موجودة بالضيعة، تملكت المتهم حالة هيجان جنسي ليحكم قبضته عليها، وينزع ثيابها قبل أن يواقعها بالقوة. وأضافت أن المدعى عليه وبعد أن لاحظ قطرات الدم سلمها لباسه الداخلي لتمسح آثار ما وقع. بعد ذلك صرحت الضحية أن المتهم سافر إلى اسبانيا، غير أن ذلك لم يمنعه من الاتصال بها للتأكد من عدم حدوث أعراض جانبية متمثلة في انقطاع الدورة الشهرية، لكن وبعد عودته إلى المغرب قطع الاتصال بها بشكل كلي، ما جعلها تبادر للاتصال به من أجل إيجاد حل، حيث لجأت إلى مقر البلدية وبعد أن فاتحته في الموضوع عرض عليها شيكا على بياض، إلا أنها رفضت وهددته بتسجيل شكاية في الموضوع ما جعله يطلب منها إمهاله بعض الوقت لكون أملاكه مسجلة في اسم زوجته. وأكدت المدعية أنها عرضت نفسها على الطبيب ليتبين لها أنها حامل حيث اتصلت بالمعني بالأمر هاتفيا، وكان وقتها يتواجد بمدينة مراكش وأخبرته بما حصل، ليطلب منها بعد عودته إجراء عملية لإجهاض الجنين على أساس انجاز عقد الزواج بعد ذلك، لكنها رفضت الأمر بشدة، ليدخل عدد من الأشخاص على خط الوساطة من أجل طي هذا الملف، ومنهم أقارب للمدعية إضافة إلى أعضاء في بلدية عين عودة، وفق ما جاء في تصريحات المشتكية، حيث عرض عليها شيك على بياض، مقابل إجراء عملية الإجهاض من طرف أحد الوسطاء لكنها تمسكت بالرفض، وأمام ذلك تدخل وسيط آخر أخبرها بأن المسؤولية تقع عليها وعلى النائب البرلماني، وأنه من الضروري إيجاد مخرج، لتتسع لائحة العروض المقدمة إليها بعد أن شملت بقعا أرضية إضافة إلى مبلغ مالي «سمين»، لكن المثير هو إنكار الأطراف التي أدلت المشتكية بأسمائهم كوسطاء أمام قاضي التحقيق، حيث نفوا أن يكونوا قد تدخلوا في هذه القضية مؤكدين بالمقابل أنهم على علم بحمل المشتكية من النائب البرلماني ورئيس الجماعة، بحكم أن هذا الأمر أصبح حديث السكان في المنطقة، وهو الإنكار الذي اعتمده أيضا حارس الضيعة التي وقعت فيها عملية الاغتصاب، ففي الوقت الذي صرحت فيه المشتكية بأن الحارس طرق الباب بعد سماعه صراخها، أكد هذا الأخير أنه يشتغل فعلا حارسا للضيعة، لكنه لم يسبق أن رأى مشغله البرلماني رفقة أي فتاة بداخلها. إنكار دائم بعد مثول البرلماني حسن عارف أمام قاضي التحقيق تمسك بالإنكار وأكد أنه يعرف المشتكية منذ الحملة الانتخابية لسنة 2007 ، حيث كانت ضمن الأشخاص الذين يساعدون منافسه في الحملة، في تلميح إلى أن القضية لها خلفية سياسية، وهو ما أكده بصريح العبارة بعد أن صرح أمام قاضي التحقيق بأنه لم يربط أي علاقة غرامية مع المدعية، ونفى أن يكون قد تسبب في حملها أو افتضاض بكارتها، وقال إنه بحكم منصبه كرئيس للمجلس البلدي لعين عودة، لا يستغرب مثل هذه المؤامرات التي تحاك ضده من طرف العناصر المكونة للمعارضة الذين, حسب قوله, حاولوا تلفيق كل أشكال التهم له. وأفاد البرلماني حسن عارف أمام قاضي التحقيق بأنه يملك فعلا ضيعة لتربية الدجاج بشراكة مع إخوته، وأن الضيعة لها حارس دائم، قبل أن يشير إلى أن اللباس الداخلي الذي اعتمد لإجراء الخبرة لا يخصه، وأنه يستغرب وجود بصمته الجينية عليه دون أن يدلي بأي تفسير آخر. وقال البرلماني خلال استنطاقه في مرحلة التحقيق إنه لم يسبق له أن قام باغتصاب المشتكية، ولم يخبرها بأن أملاكه في اسم زوجته، وبعد مواجهته بالمكالمات الهاتفية بينه وبين المشتكية وعددها284 مكالمة، قال البرلماني حسن عارف إن منصبه كرئيس لبلدية عين عودة يجعل إمكانية الاتصال به متاحة لأي شخص، وأن بعض الأشخاص يكتفون بالرن على هاتفه ليقوم بالاتصال بهم، دون أن ينفي زيارته لمنطقة مولاي بوسلهام, التي أكدت الضحية أنها كانت مسرحا لعملية اغتصاب ثانية، بعد أن استدرجها إلى هناك على أساس إبرام عقد الزواج، لكن هذه الرواية نفاها البرلماني، وقال إن ذهابه إلى مولاي بوسلهام كانت بهدف شراء قطعة أرضية من أحد أفراد عائلته، وبخصوص الخبرة الطبية شكك البرلماني في نتائجها وأكد أمام قاضي التحقيق أن الطفل ليس من صلبه. سنة حبسا في حق البرلماني بعد أن أنهى قاضي التحقيق البحث في مضمون الشكاية بالاستماع إلى المتهم والضحية وعدد من الشهود، قرر في النهاية متابعة المتهم بجناية الاغتصاب الناتج عنه افتضاض، وأحال الملف على غرفة الجنايات الابتدائية من أجل الشروع في محاكمة البرلماني حسن عارف, الذي تمسك بإنكاره طيلة فترة التحقيق معه، لكن ذلك لم يحل دون وضعه في قفص الاتهام بجناية الاغتصاب الناتج عنه افتضاض. وكما حصل قبل البت في الشكاية من حوادث مثيرة, عرفت الجلسات الأولى للمحاكمة سلسلة من الاحتجاجات التي قادتها الضحية ودفاعها خاصة بعد أن امتنع المتهم في أكثر من مناسبة عن حضور الجلسات، قبل أن يرغم على ذلك بعد أن أذيع اسمه في النشرة القضائية بالإذاعة الوطنية، ومنح له أجل للمثول أمام القضاء تحت طائلة المسطرة الغيابية وما يترتب عنها من اعتقال، وحجز على ممتلكاته، وحرمانه من حقوقه المدنية وإحضاره بالقوة، وبعد عدة جلسات تمسك فيها المتهم بالإنكار في حين أدلى دفاع الضحية بالخبرات الجينية والقرص المدمج الذي يتضمن المكالمات الهاتفية صدر حكم بسنة حبسا نافذة في حق البرلماني. وعللت غرفة الجنايات الابتدائية قرارها بكون عنصر الرضا مفترض في كل علاقة جنسية تجمع رجل وامرأة بينها رابطة شرعية، و بمفهوم المخالفة، يفترض انتفاء هذا الرضا في كل علاقة جنسية غير شرعية، وأشار إلى عدم وجود ما يدحض أقوال الضحية في الملف، بعد أن أصرت على أن ذلك تم بدون رضاها باعتبار أن عنصر الرضا يبقى مسألة نفسية وشخصية. كما تضمن تعليل الحكم أن الممارسة بالشكل الوارد على لسان الضحية أضحى ثابتا في ملف النازلة من خلال الخبرة المنجزة من طرف المختبر الوطني للدرك الملكي، والتي خلصت إلى كون البقع العالقة باللباس الداخلي موضوع الخبرة هي حيوانات منوية تعود للمتهم إضافة إلى وجود بصمات جينية تعود للمشتكية. وأضاف أنه ورغم مواجهة المتهم بالحقيقة العلمية الدامغة إلا أنه بقي متمسكا بإنكاره الذي أصبح حجة ضده، ودليلا على صحة أقوال المشتكية، كما اعتبر الحكم أن ادعاء الرضا بشكل احتياطي من طرف دفاع المتهم مردود لتمسكه بالإنكار، وهي الأسباب التي استندت عليها غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط لتصدر حكما بسنة حبسا نافذا على البرلماني حسن عارف، مع تمتيعه بظروف التخفيف لظروفه الاجتماعية ولعدم وجود سوابق قضائية. هذا الحكم لم يرق للنيابة العامة ولدفاع الضحية الذي اعتبر أن العقوبة الصادرة لا تتناسب مع طبيعة الأفعال الجرمية التي ارتكبها البرلماني ليستأنف الحكم وتنطلق بذلك سلسلة جديدة من الجلسات الصاخبة. البراءة وخبرة الحمض النووي في المرحلة الاستئنافية دخلت النيابة العامة على خط الاحتجاج خلال الجلسات التي عقدت بعد أن امتنع المتهم عن الحضور في مناسبات متعددة، ما أثار ممثل الحق العام الذي طالب بإحضاره بالقوة العمومية، وقال إن المتهم الذي سبق أن تمت إدانته في المرحلة الابتدائية بسنة حبسا نافذا بعد متابعته بالاغتصاب الذي نتج عنه حمل،» يجب أن يمثل أمام المحكمة مهما كانت صفته»، وقال إن الربيع العربي جعل رؤساء دول يجبرون على المثول أمام القضاء، قبل أن يستشهد بمحاكمة حسني مبارك الرئيس المصري المخلوع الذي قال إنه «أحضر إلى المحكمة فوق نقالة» واعتبر أن الغياب بداعي شهادة مرضية تنصحه بالراحة لمدة 15 يوما فيه عدم احترام للمحكمة ولمبدأ سواسية المواطنين أمام القانون. وكانت المشتكية بدورها قد احتجت بشدة بعد أن اكتشفت أن المسؤول القضائي الذي قام بحفظ الملف في البداية، يوجد ضمن الهيئة التي ستبت في القضية في نسختها الاستئنافية، لتشرع في الصراخ داخل القاعة، ما دفع رئيس الهيئة إلى رفع الجلسة قبل أن تعقد من جديد، لكن هذه المرة في غياب المسؤول القضائي الذي كان يتولى منصب وكيل الملك بتمارة، ليعين فيما بعد كمستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط. جلسة النطق بالحكم كانت مثيرة للغاية بعد أن أشهرت النيابة نتائج الخبرات الجينية, التي تم إجراؤها بالمعهد الوطني للدرك الملكي، والتي تؤكد بأن البرلماني هو الأب البيولوجي للطفل بنسبة 99.99 في المائة، وقالت إن هذه الخبرة دليل قاطع على صحة أقوال الضحية، في الوقت الذي تمسك فيه المتهم بعدم وجود أي علاقة بينهما، وقال ممثل الحق العام إن الطريقة التي تعامل بها المتهم مع القضاء، بعد تمسكه بالإنكار المطلق ومحاولة تسييس الملف تجعل المحكمة في غنى عن الالتفات إليه، مطالبا بتطبيق أقصى العقوبات في حقه، وهو ما أكده دفاع الضحية ممثلا في كل من بوشعيب الصوفي وطارق السباعي، وبدا لافتا أن البرلماني أصر على الإنكار من جديد خلال الكلمة الأخيرة، ولمح إلى أن منصبه لا يسمح له بمعاشرة أمثال الضحية وهو ما أثار غضبها لتتجه إليه ويتدخل رجال الأمن قبل أن تختلي الهيئة لمداولة قصيرة نطقت بعدها بحكم البراءة.