سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كيف تستخدم الصهيونية «معاداة السامية» سلاحا للابتزاز وتقوية نفوذها؟ الدولة العبرية عرفت كيف تحول مصطلح «معاداة السامية» إلى وسيلة لإرهاب كل من يعترض على سياستها
تؤكد المؤرخة اليهودية الشهيرة اليانور سترلين أن تهمة «معاداة السامية»، التي ظهرت في أوربا في أواسط القرن التاسع عشر، دفعت الشعوب اليهودية إلى التعصب والشعور بأنها جنس «مختلف عن الجنس البشري»، بمصالح متميزة ومنفصلة تتجاوز حقوق كل الشعوب على وجه الأرض. وانطلاقا من هذه القاعدة العنصرية، تحركت الآلة الصهيونية في أوربا وأمريكا الشمالية، ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، لتدعي أن النازية الألمانية أحرقت 6 ملايين من اليهود، وخلقت من هذا الحدث التاريخي مصطلح «معاداة السامية» كسلاح سياسي-إيديولوجي طالما اتخذته وسيلة ابتزاز وورقة ضغط لخلق دولة إسرائيل. ليس هناك أدنى شك في أن المحرقة اليهودية، أو «الهولوكوست» كما يسميه البعض الآخر، وفر تبريرا مقنعا لوجود دولة يهودية. وهذا الخليط بين الصهيونية ومعاداة السامية هو الخلفية الرئيسية لبناء مثل هذه الدولة على حساب السكان الفلسطينيين المحليين، وبذلك تكون الصهيونية قد زرعت بذور مأساة لا تزال معنا منذ عام 1947 إلى يومنا الحالي. وأسلوب معاداة السامية هو «توق الخلود» الذي لا تزال تعتمد عليه الصهيونية لتكميم الأفواه وإسكات النقاش المفتوح أو مناقشة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتعارض سياسات ومصالح إسرائيل. وقد تمكنت الصهيونية، بالفعل، من حشد قوة كل يهود العالم من خلال غرس فكرة أنهم جميعهم يدينون بالإخلاص لدولة إسرائيل. كيفية استغلال الهولوكوست إن استغلال حملة الهولوكوست يعد حجر الزاوية في الدعاية الصهيونية لابتزاز الأمم الأخرى، إذ تتسلم بها إسرائيل التعويضات من الحكومة الألمانية والحكومات الأوربية إلى الآن. وجنيُ الصهيونية للأرباح المالية الهائلة مكنها من السيطرة على الكثير من المعاملات التجارية والمصرفية، كما بين ذلك أستاذ العلوم السياسية اليهودي نورمن فنكلشتاين في كتابه «صناعة الهولوكوست»، حيث يقول إن مؤسسات صهيونية دخلت في مفاوضات مع ألمانيا ما بعد الحرب، وأرغمتها على دفع تعويضات قدرت «بحوالي 60 بليون دولار حتى الآن»، كما ابتزت سويسرا من خلال حملها على دفع 7 بلايين دولار «كتعويض مبدئي». هكذا، إذن، عثرت الصهيونية على طريدة سهلة في الهولوكوست لتتحدث بالنيابة عن «الشعب اليهودي» وجعلها تتمتع بنفوذ سياسي ومالي قوي في كل أوربا وأمريكا الشمالية. بعدها سنت الصهيونية العالمية قوانين في كثير من الدول تمنع معاداة السامية التي من مظاهرها إنكار الهولوكوست، أو الإشارة إلى أن إسرائيل دولة عنصرية ترفض الاعتراف بحقوق الفلسطينيين. وتحول مصطلح معاداة السامية في الغرب إلى وسيلة لإرهاب كل من يتكلم أو يعترض على الأفعال الإسرائيلية المشينة. لماذا لا يجوز انتقاد السياسات الصهيونية؟ لكن، هل يستحوذ اليهود حقا على رأس المال والإعلام في أمريكا؟ هل تتحكم الصهيونية في السياسة الأمريكية؟ هل كل من انتقد سياسة أمريكا المنحازة إلى إسرائيل أو سياسة إسرائيل النازية تجاه الفلسطينيين يجب أن يوضع في خانة المعادين للسامية (أي كراهية اليهود)؟ لماذا لا يجوز انتقاد السياسات الصهيونية الإسرائيلية في أمريكا وفي العالم بأسره؟ لماذا يتهم حتى الأشخاص البارزون في الحياة السياسية الأمريكية ب»معاداة السامية» إذا خالفوا هذا الحظر؟ للجواب عن هذه التساؤلات نستحضر حالة الاستنفار والتعبئة التي يعيشها اليوم الإعلام الغربي بضغط من مجموعات موالية لإسرائيل بعد تصريحات نائب رئيس الشؤون الخارجية الفنلندي، بيرتي صالولينن، باعتبارها معادية للسامية، وهي التصريحات التي أدلى بها في مقابلة تلفزيونية على قناة فنلندية بخصوص تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يقضي بمنح فلسطين وضع دولة مراقب غير عضو. وبعد أن أوضح أن فنلندا صوتت لصالح القرار من أجل التوصل إلى السلام في الشرق الأوسط، استطرد معلقا على موقف الولاياتالمتحدة المعارض للقرار: «تجد الولاياتالمتحدة صعوبة في اتخاذ موقف أكثر حيادية من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لأن بها عددا قليلا من اليهود الذين لديهم سيطرة كبيرة على رأس المال ووسائل الإعلام. الولاياتالمتحدة، ولأسباب سياسية داخلية، تخشى أن تشارك على نحو كاف وحيادي. تلك هي الحقيقة المحزنة للسياسة الأمريكية». أما الموقع الصهيوني الإلكتروني «توندرا»، المؤيد لسياسات إسرائيل والذي يتخذ من هلسنكي مقرا له، فقد نشر مقاطع من مقابلة صالولينن التلفزيونية واتهمه بكونه «معاديا للسامية». وذهب الموقع إلى أبعد من ذلك باتهام صالولينن بالوقوف وراء نشر نسخة حديثة من «بروتوكولات حكماء صهيون» المعادية للسامية لتزكية نظرية المؤامرة ونشر الكراهية اليهودية. كيفية إسكات المنتقدين يستخدم الصهاينة، بوعي كبير، هذا النوع من الابتزاز العاطفي لإسكات أية انتقادات للسياسات الإسرائيلية؛ فإسرائيل ظلت لمدة 45 سنة، ولازالت، تنتهك معايير راسخة من القانون الدولي، بمساندة من أمريكا من خلال استعمالها لحق الفيتو، وتحدت قرارات الأممالمتحدة العديدة حول احتلالها للأراضي المحتلة، وحول عمليات القتل خارج نطاق القضاء، وحول تكرار العدوان العسكري؛ هذا مع العلم بأن معظم دول العالم أدانت سياسات إسرائيل العنصرية غير المشروعة، وخاصة اضطهادها للفلسطينيين. وينعكس هذا الإجماع الدولي، على سبيل المثال، في العديد من قرارات الأممالمتحدة التي أدانت ضم إسرائيل للضفة الغربية عام 1967 وحثها، بتصويت أغلبية ساحقة في الأممالمتحدة، على الانسحاب. فقط الولاياتُالمتحدة ووسائلُ الإعلام التي تهيمن عليها الصهيونية هي التي تؤيد إسرائيل وتدافع عنها وعن سياساتها التوسعية بحماس، وهي التي رفضت هذا القرار. ومنذ قيام دولة إسرائيل، قدمت الولاياتالمتحدة إلى إسرائيل الدعم العسكري والدبلوماسي والمالي الحاسم، بما في ذلك مبلغ يتجاوز 3 مليارات دولار سنويا. لكن، لماذا تعد الولاياتالمتحدة المعقل القوي لدعم إسرائيل؟ عن هذا التساؤل يجيب الأسقف ديزموند توتو، من جنوب إفريقيا، حيث قال مخاطبا مجموعة من الأكاديميين الأمريكيين: «تعلمون جيدا أنه تم وضع الحكومة الإسرائيلية من طرف الولاياتالمتحدة في مصاف لا تقبل معه الانتقاد. ومن تجرأ على ذلك يطلق عليه فورا وصف «معادٍ للسامية». الناس يشعرون بالخوف في أمريكا ولا يتجرؤون على قول الحقيقة، لأن اللوبي اليهودي قوي، قوي جدا». وعلى الرغم من أن اليهود لا يشكلون سوى اثنين أو ثلاثة في المائة من سكان الولاياتالمتحدة، فإن هذه الأقلية تمارس السلطة والنفوذ الهائل، أكثر بكثير من أي مجموعة عرقية أو دينية أخرى. وهذا ما عالجه بالضبط الكاتب اليهودي وأستاذ العلوم السياسية بنيامين غينسبرج، حيث توصل إلى أن اليهود ومنذ 1960: «يتمتعون بنفوذ كبير في الحياة الأمريكية الاقتصادية والثقافية والفكرية والسياسية. ولعبوا دورا مركزيا في الشؤون المالية الأمريكية خلال الثمانينيات، وكانوا من بين المستفيدين الرئيسيين من عمليات إدماج الشركات المصرفية وإعادة هيكلتها. واليوم، وعلى الرغم من أن اليهود يشكلون بالكاد ثلاثة في المائة من سكان أمريكا، فإنهم يشكلون 50 في المائة من أغنياء أمريكا. ويتموقع تأثير النفوذ الاقتصادي والسلطة اليهودية بشكل غير مناسب بين أيدي كبار المسؤولين التنفيذيين اليهود لكبريات شبكات صناعة الأخبار بالتلفزيون واستوديوهات هوليود وكذلك الصحف، ولاسيما الصحيفة الأكثر تأثيرا «نيويورك تايمز».. وفي دراسة مشتركة، وثق اثنان من الكتاب اليهود المشهورين، سيمور ليبست وأورل راب، في كتابهما المنشور سنة 1995 والمعنون ب»اليهود والمشهد الأمريكي الجديد»، لمدى طبيعة وتأثير اليهود داخل المجتمع الأمريكي، واستشهدا على ذلك بالقول إنه «خلال العقود الثلاثة الماضية، شكل اليهود 50 في المائة من بين 200 من أفضل المثقفين الأمريكيين و20 في المائة من أساتذة الجامعات الرائدة، و40 في المائة من شركات المحاماة النافذة في نيويورك وواشنطن، و59 في المائة من المخرجين وكتاب السيناريو والمنتجين للأفلام ال50 التي حققت أعلى الأرباح في تاريخ السينما الأمريكية ما بين 1965 و1982، و58 في المائة من مخرجي ومنتجي المسلسلات التلفزيونية الأكثر شهرة». ونشرت مجلة «مدر جونز»، الأمريكية كذلك، على صدرها خبر قائمة ملف 400 شخص من المساهمين الذين شاركوا بقوة المال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000. وكانت النتيجة، عبر ما يقدمه الأثرياء اليهود من «تبرعات» مالية للحملات الانتخابية، سيطرة 7 من العشرة الأولين المتبرعين اليهود على اللائحة، و12 من بين المساهمين ال20 الأولين في أعلى قائمة المتبرعين كانوا يهودا كذلك، ووصلت نسبة المشاركين اليهود إلى 125 يهوديا من أصل 250 متبرعا، تبوَّؤوا رأس اللائحة بفضل تبرعاتهم المالية السخية. وفاز بالدرجة الأولى أكبر مانح للتبرعات المالية للانتخابات الرئاسية الأمريكية لتلك السنة الملياردير الإسرائيلي وإمبراطور الإعلام حاييم سابان. وفي يناير 2007، كشفت «النيويورك تايمز» النقاب عن حجم التبرع الذي قدمه حاييم سابان على المرشحين السياسيين والذي حددته في 13 مليون دولار. ولاحظت «النيويورك تايمز» أن حاييم سابان من أكثر «المتحمسين والمتشددين للدولة اليهودية»، ونقلت عنه قوله: «أنا رجل واحد والقضية عندي هي إسرائيل». حسن بنشليخة