تحدت طهران الانتقادات الأميركية والأوروبية والإسرائيلية، وعقدت المؤتمر العلمي لدراسة الهولوكوست بمشاركة علماء ومؤرخين أوروبيين وأميركيين واوستراليين وحاخامات يهود من النمسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة الأميركية، لمعرض وجهات النظر المختلفة حول هذه الظاهرة التاريخية التي وقعت في أوروبا وبأيد أوروبية وضحاياها كانوا من الشعوب الأوروبية بمن فيهم الشعب الألماني. وجسد عقد هذا المؤتمر اتجاهاً قوياً في الفكر العربي والإسلامي والعالمي ينادي بالتخلص من الاستمرار باستغلال معزوفة الهولوكوست واللاسامية للضغط والابتزاز، والتي قادت إلى تأسيس «إسرائيل» في فلسطين العربية وتزويدها بأموال وكميات هائلة من الأسلحة على شكل تعويضات المانية ونمساوية وسويسرية، وأدى استغلال الهولوكوست النازي حتى اليوم إلى تسويغ الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ووضع «إسرائيل» فوق القانون الدولي، وفوق العهود والمواثيق والقرارات الدولية، وفوق الأممالمتحدة وشعوب المنطقة. ومن المعروف تاريخيا أن الإبادة النازية والتي تعد من أكبر الجرائم ضد الإنسانية، والتي أطلقت عليها الصهيونية «المحرقة» أي الهولوكوست (انطلاقا من احد الطقوس الدينية التي كان اليهود يقدمون بموجبها الضحايا بحرقهم وهم أحياء) شكلت العامل الأساسي لتزويد الصهيونية بالمهاجرين اليهود الألمان والأوروبيين وإقامة مجتمع استيطاني يهودي من تعويضات المانيا النازية بموجب اتفاقية هاكارا، وجلبت العطف والتأييد للأهداف الصهيونية،وقادت إلى تأسيس «إسرائيل». بالغت الدول الحليفة وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي والولاياتالمتحدة إبان وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة بجرائم المانيا النازية كي تنبذ شعوب العالم النازية وتحول دون ظهورها مجددا وللتغطية على الجرائم الوحشية التي ارتكبتها القوات الأميركية والقوات اليهودية في الجيش البريطاني وبقية الجيوش الحليفة ضد المدنيين الألمان واليابانيين، وبشكل خاص بعد الإبادة الجماعية التي ارتكبها سلاح الجو الأميركي بتدمير مدينة دريسدن الالمانية ومقتل (200) ألف من المدنيين الألمان خلال 48 ساعة عام 1945، وإلقاء الولاياتالمتحدة لقنبلتين نوويتين على مدينتي ناكازاكي وهيروشيما في آب 1945 بعد حسم الحرب العالمية الثانية.. وأدى استغلال الهولوكوست والمبالغة في وسائله وأعداده، والعطف الذي ولده على اليهودية العالمية إلى فتح بريطانيا أبواب فلسطين على مصراعيها للهجرة اليهودية، وأدى تصاعد الهجرة اليهودية إلى تكوين تجمع استيطاني يهودي، وقاد استغلال الهولوكوست إلى تأسيس «إسرائيل» وتقويتها وتزويدها باستمرار وحتى اليوم بالمهاجرين وبالأموال والأسلحة ووضعها فوق الحق والعدل ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية. استغلال الهولوكوست لتسويغ الحروب العدوانية أدى الاستمرار بابتزاز المانيا وأوروبا والضمير العالمي، بمعزوفة الهولوكوست إلى إشعال «إسرائيل» عدة حروب عدوانية وارتكاب مئات المجازر الجماعية بحق العرب، وأعادت«إسرائيل» والصهيونية العالمية، استغلال معزوفة الهولوكوست مجددا عشية استعداداتها لإشعال حرب حزيران العدوانية عام 1967، وعممت في جميع أنحاء العالم إن الإسرائيليين المساكين المحبين للسلام معرضون للإبادة على ايدي العرب النازيين و«إسرائيل» معرضة للتدمير، وذلك لتسويغ الحرب العدوانية التي أشعلتها. ويؤكد الأكاديمي الأميركي اليهودي نورمان فنكلشتاين، وكذلك نعوم تشومسكي أن «إسرائيل» أعادت تصنيع الهولوكوست مرة ثانية في حرب حزيران عام 1967 لتسويغ الحرب العدوانية ودعم الاحتلال الإسرائيلي، وجعل «إسرائيل» الملاذ الوحيد الآمن للمهاجرين اليهود. وبالفعل أدى استغلال معزوفة الهولوكوست إلى تحصين «إسرائيل» من الانتقادات الدولية وقمع أي انتقاد يوجه لها على احتلال القدس بشطريها وضمها وبقاء بعض المستعمرات اليهودية في الأراضي المحتلة. وصفت «إسرائيل» مؤتمر طهران بالمثير للاشمئزاز، واتهمت الرئيس الإيراني كعادتها بالتضليل: «إن المؤتمر مثير للاشمئزاز ويظهر عمق الكراهية».. ودعت العالم إلى النأي بنفسه عن إيران وجميع المشاركين في المؤتمر. ووصلت وقاحة اولمرت واستهتاره بموقف جميع شعوب العالم من أسلحة الدمار الشامل حدا أعلن فيه وأمام مستشارة المانيا إنجيلا ميركل بأن «إسرائيل» تمتلك أسلحة نووية، والمح أنها يمكن أن تستعملها». ومن الجدير بالذكر أن المانيا زودت «إسرائيل» بعدة غواصات نووية. وزعمت وزيرة الخارجية ليفني «إن ذكرى المحرقة ضرورية للمجتمع الدولي بأكمله وليس فقط ل «إسرائيل».. واتهم أبو مفاعل ديمونا الذري شمعون بيرس نائب رئيس وزراء العدو الإسرائيلي الرئيس احمدي نجاد بالتحضير إلى هولوكوست جديد،وهكذا يتلاعب زعماء «إسرائيل» بعقول الحكومات الأميركية والأوروبية. رغم ردود الفعل الدولية المتباينة حول دواعي عقد مؤتمر طهران لمناقشة موضوعة الهولوكوست إلا أن الرد الإيراني كان واضحا وصريحا ومعبرا لاسيما حيال الرد العلمي الرامي إلى تقديم إجابات عن الأسئلة حول الهولوكوست النازي إذ قال وزير الخارجية الإيراني حرفيا: «إن الهدف من المؤتمر ليس إنكار أو إثبات الهولوكوست،وإنما إتاحة الفرصة لباحثين أوروبيين لعرض وجهة نظرهم بشأن هذه الظاهرة التاريخية» وربط متكي بين الصهيونية والنازية وقال:« إن أي شكل من أشكال العنصرية بما فيها النازية مخالف للطبيعة البشرية وان الإسلام ضد النازية والصهيونية» وأكد أن معاداة السامية ظاهرة أوروبية. تحدث أمام المؤتمر ثلاثة من الحاخامات اليهود المعادين للصهيونية حيث أكد الحاخام يسرائيل دوفيد فايس من اتحاد اليهود ضد الصهيونية في نيويورك قائلا: «نحن اليهود الحقيقيين لن نحاول تبرئة النازيين من قتل اليهود في أوروبا، ولكننا نؤكد أن الصهيونية العالمية تحاول استغلال دماء اليهود في تحقيق أهداف خبيثة، منددا بجرائم «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني وتحدث الحاخام النمساوي المعادي للصهيونية موشي فريدمان في الاتجاه نفسه الذي يتحدث فيه الحاخام القادم من نيويورك وقال إن «إسرائيل» غير شرعية ودعا إلى إزالتها من الوجود، وطالب بتشكيل محكمة دولية للكشف عن الوقائع الحقيقية للهولوكوست، ووصف نفسه بأنه من المعادين للصهيونية ومن المؤيدين للشعب الفلسطيني، وكان يزين صدره بعلم فلسطين وبعبارة باللغة العربية بأنه يهودي وليس صهيونياً. وتحدث أمام المؤتمر الحاخام البريطاني اهرون كوهين الذي عبر عن وجهة نظر اليهود الارثوذكس الذين يؤمنون أن قيام «إسرائيل» مخالف لتعاليم الدين اليهودي، وقال انه لا يجوز استخدام الهولوكوست لتبرير تصرفات غير عادلة تجاه الفلسطينيين. وتحدث أيضاً روبير فوريسون (من فرنسا) وقدم بحثا نفى فيه وجود غرف غاز لقتل البشر، وكذلك الاوسترالي فريدريك توبن والأميركي ديفيد ديوك. وناقش المؤتمر أربعة محاور: الأول: أسباب وعوامل محاربة اليهود في أوروبا، والثاني: الهولوكوست من حيث الوثائق التاريخية، والثالث: الهولوكوست في القوانين والإعلام، والرابع: الهولوكوست والصهيونية. وقال د.ادريس شوماد، السكرتير العام لرابطة الدعاة الأندونيسيين أن الشعب الاندونيسي لا يفرق بين اليهودية والصهيونية، وطالب اليهود أن يستنكروا جرائم «إسرائيل» الإرهابية تجاه الشعب الفلسطيني. وفي ختام المؤتمر استقبل الرئيس الإيراني احمدي نجاد جميع أعضاء المؤتمر الذين قدموا من ثلاثين دولة، وعانق بحرارة الحاخامات اليهود المعادين للصهيونية، واظهر بجلاء أن إيران تفرق بين اليهودية والصهيونية وتعادي الصهيونية فقط وليس اليهود كيهود، وألقى بالمؤتمرين خطابا ركز فيه على تأييده للشعب الفلسطيني واعتبر أن المحرقة النازية سواء حدثت أم لم تحدث ومدى صحة حججها فإنها أصبحت مبررا لقمع الحريات والاعتداء على بقية الدول، حيث أن وجود الكيان الصهيوني في المنطقة هو بحد ذاته اعتداء على البشرية وحقوق الشعب الفلسطيني، وأكد الرئيس الإيراني ان الكيان الصهيوني أصبح يهدد أمن المنطقة، وحكومات هذه المنطقة دخلت في سباق التسلح بلا هوادة نتيجة للتهديدات التي يطلقها الكيان الصهيوني ضد شعوب المنطقة، وتناول مصير الكيان الصهيوني. يمكن القول انه جرى في مؤتمر طهران التفريق الحاد بين اليهودية والصهيونية والتأكيد على معاداة الصهيونية، وتشبيه الصهيونية بالنازية وإدانة التعاون الوثيق بينهما والأهم من كل ذلك لم يكن هدف مؤتمر طهران العلمي لدراسة الهولوكوست نفي فظائع النازية أو التقليل من شأنها وإنما كان هدفه إنصاف الشعب الفلسطيني ضحية الهولوكوست المزدوج: الهولوكوست النازي و الهولوكوست الإسرائيلي، لذلك كان جوهر كلمة الرئيس الإيراني في الجلسة الختامية للمؤتمر «دعم وتأييد الشعب الفلسطيني ضحية الهولوكوست المزدوج». وقعت الإبادة النازية التي نستنكرها ونعتبرها جريمة ضد البشرية جمعاء في أوروبا وارتكبها أوروبيون ضد أوروبيين معادين للنازية من المان وأوروبيين ويهود غير صهاينة (يؤمنون بالاندماج) وغجر وقتل فيها 54 مليوناً من الشعوب الأوروبية، ولكن لا يجوز استغلالها لتسويغ الهولوكوست الإسرائيلي على الشعبين الفلسطيني واللبناني. وهنا لا بد من التأكيد أن «إسرائيل» والصهيونية العالمية لم يتعلما إطلاقاً من إحياء ذكرى الهولوكوست ولم يأخذا الدروس والعبر منها لمنع تكرارها بل لتسويغ ارتكابهما ما هو أسوأ منها تجاه شعبنا الفلسطيني. ونجحت اليهودية العالمية بمساعدة الولاياتالمتحدة الأميركية بجعل الهولوكوست النازي من المحرمات التي يجب عدم المس بها على الإطلاق، ووضعوه فوق الإسلام والمسيحية، إذ تسمح القوانين في أوروبا وأميركا بالإساءة إلى الإسلام وإلى النبي الأكرم وإلى المسلمين ولا تسمح بالدراسة العلمية للهولوكوست أو التشكيك بعدد ضحاياه. وتمخض عن مؤتمر طهران تشكيل المؤسسة الدولية الدائمة لدراسة الهولوكوست من فرنسا، والولاياتالمتحدة،وكندا والنمسا وإيران وسورية والبحرين، واختيرت طهران مقر المكتب المركزي للمؤسسة على أن يتم نقله إلى برلين في حال توفر الظروف اللازمة لذلك، وانتخب محمد علي رامين الأمين العام للملتقى الدولي حول الهولوكوست. ومن هنا يمكن القول أن المؤتمر كان خطوة ذكية وجريئة ولا سابقة لها على الإطلاق لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الهولوكوست الإسرائيلي وسحب البساط من تحت أقدام «إسرائيل» والصهيونية العالمية، لذلك على الدول العربية أن تسير في هذا الاتجاه وتقوم بتعرية المرتكزات الكاذبة التي قامت عليها «إسرائيل» وبفضح الصهيونية وأساليبها الوحشية. فالصهيونية تستخدم معزوفة الهولوكوست ومعزوفة اللاسامية وبقية الأساطير والخرافات والأكاذيب لفرض سيطرتها على العالم فأصبح الهولوكوست أهم أداة إعلامية ومسوغ سياسي في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم لدعم «إسرائيل» العظمى وأصبح من أهم الأسباب للتأثير في التاريخ والجغرافيا والسياسة ومصير شعوب المنطقة، وأصبح الأداة في يد الصهيونية العالمية والامبريالية الأميركية لممارسة الضغط والابتزاز والإرهاب الدولي. فلماذا إذاً هذه الحساسية وهذا الغضب لمناقشة الهولوكوست مناقشة علمية؟ الهولوكوست هي الأسطورة التي أدت إلى إقامة «إسرائيل» وتقويتها ووضعها فوق القانون الدولي والأممالمتحدة، وفوق حقوق ومنازل وارضي وأملاك الشعب الفلسطيني ومئات الآلاف من جثث المواطنين العرب الذين سقطوا في حروب «إسرائيل» العدوانية ومنها الحرب الأخيرة على لبنان. إن الصهيونية لم تكن مهتمة بإنقاذ جميع اليهود من معسكرات الاعتقال، وإنما كانت مهتمة فقط بإنقاذ الصهاينة الشباب والشابات بمساعدة الغستابو وادولف ايخمان وتهجيرهم بالتعاون مع المانيا النازية سرا إلى فلسطين تفاديا للإجراءات والقوانين التي سنتها حكومة الانتداب البريطاني، وعندما انعقد مؤتمر ايفيان عام 1938 في سويسرا بناء على دعوة الرئيس الأميركي روزفلت لتسهيل هجرة اليهود وحضره (30) دولة طالبت غولدا مائير ممثلة الوكالة اليهودية في المؤتمر عدم فتح أبواب دول العالم أمام هجرة اليهود إليها فإما أن يهاجروا إلى فلسطين أو أن يبقوا في معسكرات الاعتقال. وعندما عرضت المانيا النازية في مباحثاتها السرية مع الحركة الصهيونية في استنابول عام 1944 استعدادها لإعطائها جميع اليهود في معسكرات الاعتقال لقاء عشرة آلاف سيارة كبيرة وعدة أطنان من الشاي والقهوة رفضت الحركة الصهيونية العرض الألماني تلبية لطلب أميركي خشية دعم المجهود الحربي الألماني. خلاصة القول: النازية ايديولوجية وحركة عنصرية وكذلك الصهيونية، تعاونت الحركتان العنصريتان لتحقيق أهدافهما العنصرية بتنظيف المانيا والمناطق التي احتلتها الجيوش الالمانية من اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين وإقامة «إسرائيل» فيها، واستغلت الصهيونية العالمية الهولوكوست النازي لجعل «إسرائيل» الملاذ الآمن الوحيد لليهود في العالم، وترحيل الشعب الفلسطيني من دياره وأراضيه. فالإبادة الجماعية والعنصرية والإرهاب يمارس اليوم بحق الفلسطينيين والعرب والمسلمين، بعد أن خططت لها «إسرائيل» والصهيونية العالمية، لذلك فالمطلوب من السياسيين والإعلاميين العرب إدانة واستنكار عنصرية الغرب تجاه العرب والإسلام، والتوقف عن دعم الحرب العالمية التي تشنها إدارة الرئيس بوش ضد الإسلام والتوقف عن الرقص على أنغام الإعلام الأميركي وتنفيذ المطالب الأميركية. حركة القوميين العرب