إذا كان المشرع المغربي قد أعطى صلاحيات مهمة وعديدة لمندوبي الأجراء، فإنه أضفى عليهم حماية قانونية لتمكينهم من أدائها على أحسن وجه ودون تضييق. وهذه الحماية لها شقان: شق يتعلق بحمايتهم من كل تعسف ناتج عن قرارات المشغل الرامية إلى إنزال العقوبة بهم؛ وشق يعطيهم الحق في الزيادة في التعويض المقرر لهم خلافا لباقي أجراء المؤسسة. وقد أضفى المشرع المغربي من خلال مقتضيات مدونة الشغل الحماية على جميع الأجراء، وميز في الأخطاء التي يرتكبونها بين أخطاء غير جسيمة وأخرى جسيمة، وأعطى الفرصة لمرتكبي الأخطاء الأولى والمنصوص عليها في المادة 37 من مدونة الشغل وهي: الإنذار، التوبيخ، التوبيخ الثاني أو التوقيف لمدة لا تتعدى 8 أيام، التوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء مع مراعاة سكنى الأجير، لتصحيح أخطائهم عبر التدرج في معاقبتهم؛ غير أنه وباستنفادها، يحق للمشغل اللجوء إلى الفصل كخيار نهائي (المادة 38)، ولا يمكنه اللجوء إلى فصلِ الأجيرِ إلا بعد استنفاد كل العقوبات سالفة الذكر إذا استمر في اقترافها داخل سنة واعتبر المشرع الفصل في هذه الحالة مبررا، وقيد المؤاجر قبل اللجوء إلى فصل الأجير أو معاقبته بإحدى العقوبتين الأخيرتين المنصوص عليهما في الفصل 37: أن يلجأ إلى تحرير محضر الاستماع بحضور الأجير المعني وبمعية أحد ممثلي العمال من اختيار هذا الأخير، وذلك لإعطائه فرصة الدفاع عن نفسه، أو اللجوء إلى مفتش الشغل في حال رفض أحدهما إجراء أو إتمام هذه المسطرة داخل المؤسسة (المادة 62). وإذا كان مندوب العمال يؤازر الأجراء، فقد أضفى عليه المشرع حماية خاصة لأداء المهام الموكولة إليه في أحسن الظروف من خلال مقتضيات المادة 457 التي جعلت كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل اتخاذه في حقه، أصليا كان أو نائبا، موضوع مقرر، يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، إذا كان هذا الإجراء يرمي إلى نقله من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل إلى آخر، أو إلى توقيفه عن شغله أو فصله عنه. وهذه العقوبات، موضوع حماية ممثلي العمال، هي التي أوجب المشرع تحرير محضر الاستماع بشأنها بالنسبة إلى باقي الأجراء. غير أن المادة 457 حررت المشغل من هذه المسطرة كلما تعلق الأمر بالعقوبات المعنوية، كالإنذار والتوبيخ، وتركت له باب اتخاذ العقوبات التي كان من المفروض أن تكون هي أيضا موضوع حماية من قبل جهاز تفتيش الشغل، وهي التوبيخ الثاني الذي نصت عليه المادة 37 كخيار بديل للتوقيف عن الشغل مدة لا تتعدى 8 أيام، والتوبيخ الثالث الذي أعطى فيه المشرع للمشغل الخيار في اتخاذه بدل النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء؛ حيث بدل أن يلجأ المشغل إلى مسطرة طلب موافقة مفتش الشغل من خلال مقرره الإداري، يتحايل على القانون بسلوك عقوبتين غير منصوص عليهما في المادة 457، وهما التوبيخ الثاني والتوبيخ الثالث اللذان لا يحتاجان إلى سلوك مسطرة الموافقة، كما أن المراد بالفصل أعلاه (في نظرنا) آخر إجراء حتمي بعد استنفاد العقوبات السالفة، وهو إجراء يقابل ما تضمنته المادة 38. ووفقا للمادة 458، تسري نفس المسطرة في حق قدماء مندوبي الأجراء، خلال ستة أشهر من تاريخ انتهاء انتدابهم، إذا كانوا محل إجراء يرمي إلى نقلهم من مصلحة إلى أخرى أو من شغل إلى آخر، أو إلى توقيفهم عن شغلهم أو فصلهم عنه؛ ونفس المسطرة تسري أيضا في حق المترشحين لانتخابات مندوبي الأجراء، وضع اللوائح الانتخابية، وتظل سارية طيلة ثلاثة أشهر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات. ولا بد من الإشارة إلى أن المادتين 457 و458 توحيان بالحماية إذا تعلق الأمر بالأخطاء غير الجسيمة بعد التدرج في إنزال العقوبة على مندوب العمال، ومن ضمنها الفصل، خصوصا وأن الفقرة الثانية من المادة 459 توجب على مفتش الشغل في الحالات الواردة في المادتين أعلاه أن يتخذ قراره بالموافقة أو الرفض خلال الثمانية أيام الموالية لإشعاره، ويجب أن يكون قراره معللا في حين أعطت الفقرة الأولى من نفس المادة للمشغل إمكانية اتخاذ قرار التوقيف المؤقت في حق مندوب الأجراء في حال اقترافه خطأ جسيما، وعليه أن يُشعر فورا مفتش الشغل بالإجراء التأديبي المزمع اتخاذه وكأنها تؤكد أن تلك المواد لا تتحدث عن الأخطاء الجسيمة، هاته الأخيرة تطرح إشكالية البحث الذي يمكن لمفتشي الشغل إجراؤه لاتخاذ قرار الموافقة أو الرفض في حق مندوب الأجراء والذي قد يتطلب في بعض الأحيان خبرة علمية أو تقنية، كما قد يتطلب الاستماع إلى شهادة الشهود. والحالتان معا يصعب عليه اتخاذ قرار حاسم بشأنهما، لأن الأول يتطلب تدخل أصحاب الاختصاص، والثاني يتطلب مسطرة قضائية محضة؛ فهذا الاختصاص لا يمكن أن يقوم به جهاز لا يملك أبسط الوسائل المادية أو القانونية، ناهيك عن كون أغلب الأخطاء -المنصوص عليها في المادة 39- تكيف جنحا أو جنايات بالمفهوم القانوني، وهي اختصاص محض للشرطة القضائية وللمحاكم، حيث جاء في تلك المادة أنه «تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة، يمكن أن تؤدي إلى الفصل، الأخطاءُ التالية المرتكبة من طرف الأجير: ارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحرية، إفشاء سر مهني نتج عنه ضرر للمقاولة، ارتكاب الأفعال التالية داخل المؤسسة أو أثناء الشغل، السرقة، خيانة الأمانة، السكر العلني، تعاطي مادة مخدرة، الاعتداء بالضرب، السب الفادح،... فكيف يمكن لأي حقوقي أن يقبل لجهاز أضعفه القانون وقزم كل سلطاته أن يتخذ قراره في ظرف 8 أيام إذا تعلق الأمر بمثل هذه الأخطاء؟ علما بأن آجال البحث والتحري والمسطرة القضائية في جميع مراحل الدعوى قد تتطلب أشهرا لإصدار حكم نهائي، وهذا ما يفسر إعطاء المشرع إمكانية توقيف مندوب العمال دون تحديد مدة التوقف، وهي الفترة التي تسبق الحكم (قاعدة الجنائي يعقل المدني). كما أن الاتفاقية الدولية رقم 135 الخاصة بتوفير الحماية والتسهيلات لممثلي العمال في المؤسسة نصت، في مادتها الأولى، على توفيرهم الحماية الفعالة دون تحديد الجهة المسؤولة. ولا شك أن الأكثر تعرضا لمضايقات وضغوط المشغل هو الممثل النقابي بالمؤسسة لأن صفته تحمل في طياتها الملفات المطلبية وما يتبعها من مواقف ونضالات لتحقيقها، لذا فإن ما يسري على مندوبي الأجراء من حماية يسري على الممثلين النقابيين (المادة 472). وكل مرة يعرض فيها طلب بهذا الشأن إلا وتجد حالة استنفار داخل مندوبيات التشغيل، فالمندوب ورئيس الدائرة اللذان قد يكونان محتكرين لبعض الاختصاصات الخاصة بالمفتشين يتخليان عنها تحت قاعدة (اللي تخليك خليها) ويتم اعتماد مفتش لإصدار قرار في الموضوع. لكنْ، أي جهة سيميل إليها مفتشو الشغل؟ إلى حماة الأجراء أم إلى حماة الاستثمار أم إلى مدونة الشغل كحل وسط؟ أعتقد جازما أنه لو خيروهم بين هذه الحالات، لكان الجواب: لا هذا ولا ذاك ولا وسط بين الاثنين؛ فأغلب هذه القرارات يتم الطعن فيها لدى القضاء الإداري، ودون شك فالحماية يجب أن تكون قضائية محضة لما فيه مصلحة جميع الأطراف. باحث في قانون الشغل والعلاقات المهنية