يطرح الفصل من العمل الذي يطال الأجراء من طرف مشغليهم العديد من التساؤلات والاستفهامات من بينها: هل يحق للمشغل أن يفصل الأجراء وقتما أراد؟ وفي أي لحظة ؟ألا يضمن القانون حماية للأجراء؟ وهل هي حماية دائمة أم تشمل فقط بعض الأصناف منهم؟ألا يمكن الحديث عن أجراء محميين حماية مزدوجة من قبل مدونة الشغل؟ إنها تساؤلات الى جانب أخرى تطرح أمام كل عملية إجراء فصل يمس أي أجير من طرف مشغله وسنحاول قدر الإمكان التطرق لهذا الموضوع وتقديم الإيضاحات اللازمة حتى يتمكن المتتبع والمهتم والقارئ وكذا الباحثون والدارسون من سبر أغوار وخبايا هذا الموضوع المثير للجدل . بداية يجب التوضيح بأن الفصل هو مجال مخصص للمشغل باعتباره المسؤول الأول عن تسيير المقاولة التي هي في ملكيته عكس ما يقع في الوظيفة العمومية التي هي علاقة نظامية بعبارة أخرى فإن العلاقة ما بين الأجير ومشغله علاقة تعاقدية عكس العلاقة داخل الوظيفة العمومية ولكن بالمقابل لا يجب فهم الموضوع بأن المشرع قد أعطى هذا الحق للمشغل بصفة مطلقة ولكنه قيده بشروط وهي في تقديرينا نوعان من الشروط لصنفين من الأجراء، فهناك من جهة الحماية التي منحها المشرع لكافة الأجراء وهناك حماية أخرى أو حماية مزدوجة منحها المشرع لصنف خاص من الأجراء وهم مندوب الأجراء والممثل النقابي، المرأة الحامل، طبيب الشغل . الحماية التي توفرها مدونة الشغل للأجراء إن المشرع الاجتماعي المغربي من خلال مدونة الشغل لم يخصص في اعتقادنا مادة أو مواد معينة للحديث عن الفصل وحماية الأجراء لكن يمكن استنباط ذلك اعتمادا على تمحص مواد المدونة و لعل أول مادة تشكل في نظرنا تمهيدا لهذا الموضوع الشائك هي المادة 9 من مدونة الشغل والتي تمنع كل مس بحرية وممارسة الحق النقابي داخل المقاولة وكذلك كل مس بحرية العمل وكذا منع كل تمييز مبني على السلالة، اللون أو الجنس أوالإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي إن على مستوى التشغيل أو على مستوى التدابير التأديبية والفصل من الشغل . كما أن المادة 35 من مدونة الشغل تمنع فصل الأجير دون مبرر مقبول إلا إذا كان المبرر مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه بعد هذه المادة مباشرة يأبى المشرع إلا أن يقيد هذا الحق الموكول للمشغل وأحصى ستة أسباب غير مبررة للفصل وذلك في المادة 36 من مدونة الشغل لتعقبها قيود أخرى مرتبطة بمبدأ احترام التدرج في العقوبة قبل الفصل، وذلك في المادة 38. لقد حاول المشرع الاجتماعي المغربي قدر الإمكان البحث عن التوازن في هذا الموضوع وذلك حين قام بسرد في المادة 39 الأخطاء الجسيمة المرتكبة من قبل الأجير والتي يمكن أن تؤدي الى الفصل. وفي المادة 40 أيضا تطرق المشرع للأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل في حق الأجير وهو ما يعتبر انتصارا لحماية الطرف الضعيف في عقد الشغل ومن نقط ضوء مدونة الشغل في هذا المجال. لقد أعادت مدونة الشغل التأكيد على أن الفصل قد يكون دون مراعاة أجل الإخطار ودون تعويض عن الفصل ولا تعويض عن الضرر عند ارتكاب الأجير خطأ جسيما في المادة 61 من مدونة الشغل أعقبها في المادة 62 بالتنصيص على وجوب اتباع مسطرة الاستماع قبل إجراء عملية الفصل حين أعطى المشرع إمكانية الدفاع عن النفس للأجير قبل اتخاذ قرار الفصل كما أنه إذا رفض أحد الطرفين التوقيع على محضر الاستماع يتم الجوء إلى مفتش الشغل. ولم تكتف مدونة الشغل بمنح حق الاستماع للأجير بل زادت في حمايته حينما تحدثت عن مقرر الفصل الذي يسلم للأجير المفصول متضمنا للأسباب المبررة لاتخاذه وتاريخ الاستماع للأجير مرفقا بمحضر مسطرة الاستماع الذي تنجزه إدارة المقاولة وأجل رفع دعوى الفصل أمام المحكمة المختصة المحدد في تسعين يوما تحت طائلة سقوط الحق . كما أنه يقع على عاتق المشغل عبئ إثبات وجود مبرر مقبول للفصل كما يقع عليه عبئ الإثبات عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله . لقد قنن المشرع الاجتماعي أيضا الفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية حيث يتطلب الأمر إذنا من عامل العمالة أو الإقليم في أجل أقصاه شهرين من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل وإبلاغ ذلك لمندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم قبل شهر واحد على الأقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل مع تزويدهم بكافة المعلومات الضرورية ذات الصلة بالموضوع وتحل لجنة المقاولة محل مندوبي الأجراء في المقاولات التي يزيد عدد أجرائها عن 50 أجيرا . ويتضمن الطلب أيضا: * تقرير حول الأسباب الاقتصادية التي تستدعي تطبيق مسطرة الفصل. * بيان حول الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة. * تقرير يضعه خبير في المحاسبة أو مراقب في الحسابات. ويتعين على المندوب الإقليمي المكلف بالشغل أن يجري كل الأبحاث التي يعتبرها ضرورية وأن يوجه الملف داخل أجل لا يتعدى شهرا واحدا من تاريخ توصله بالطلب إلى اللجنة الإقليمية المكلفة بالدراسة والبث في ملفات فصل الأجراء وفي الإغلاق الكلي أو الجزئي للمقاولات او الاستغلالات المحدثة وفقا للمرسوم رقم 514-04-2 بتاريخ 29 دجنبر 2004 والصادر بالجريدة الرسمية عدد 5279 بتاريخ 3 يناير 2005 والذي يحدد عدد أعضائها . ويستفيد الأجراء المفصولون من التعويض عن أجل الإخطار وعن الفصل بينما لا يستفيد الأجراء المفصولون بدون إذن من العامل من التعويض عن الضرر. إن هاته الحماية التي يوفرها المشرع للأجراء لم تقف حاجزا أمام اتخاذ قرار الفصل من طرف المشغل لهذا ارتأى المشرع في نظرنا أن يمنح حماية إضافية لأجراء آخرين إما بسبب الدور الهام الذي يقومون داخل المقاولة عبر إرساء ثقافة الحوار وتقديم المطالب الخاصة بالأجراء،وإما بسبب وضعيتهم الهشة كالمرأة الحامل. الحماية القانونية لصنف خاص من الأجراء بالإضافة الى الحماية التي أسهبنا في استقرائها وتحليلها في المبحث الأول فإن المشرع المغربي عبر مدونة الشغل قد وفر حماية أخرى لصنف آخر من الأجراء قد نسميه صنفا خاصا باعتبار دوره الذي يلعبه داخل المقاولة كمندوب الأجراء الممثل النقابي وطبيب الشغل أو باعتبار وضعيته الهشة كالمرأة الحامل . ولقد قيد ذات المشرع حرية اتخاذ القرارات التأديبية أو الفصل في حق هؤلاء الأجراء مما يدفع إلى القول بأن هذا الصنف من الأجراء يحضى بحماية مزدوجة فما هي يا ترى هاته الحماية وكيف منحتها مدونة الشغل؟ لقد خصصت مدونة الشغل ثلاث مواد داخلها لتقيد فيها أي إجراء تأديبي يطال مندوب الأجراء أصليا كان أو نائبا وتشرطه بضرورة أن يكون موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل ،إذا كان هذا الإجراء يرمي الى نقل المندوب أو نائبه من مصلحة إلى أخرى أو من شغل الى آخر أو الى توقيفه عن شغله أو فصله عنه . لقد قوت المدونة في اعتقادنا من دور الهيئات التمثيلية للأجراء داخل المقاولة حينما قيدت اتخاذ نفس التدابير في حق قدماء مندوبي الأجراء خلال ستة أشهر من تاريخ انتهاء انتدابهم وكذا في حق المرشحين لانتخابات مندوبي الأجراء بمجرد وضع اللوائح الانتخابية وتظل سارية طيلة ثلاثة أشهر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات . أما بخصوص الممثل النقابي فانه يستفيد من نفس التسهيلات والحماية التي يستفيد منها مندوبو الأجراء بمقتضى هذا القانون. لقد أفرزت المدونة المادة 313 لتحمي من خلالها طبيب الشغل من أي إجراء تأديبي قد يطاله وذلك حينما اشترطت أن يكون هذا الإجراء موضوع قرار يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل بعد أخد رأي الطبيب مفتش الشغل . فيما يخص المرأة الحامل ونظرا لوضعيتها الخاصة فقد اشترط المشرع الاجتماعي على المشغل ألا ينهي عقد الأجيرة الحامل سواء أثناء الحمل أو بعد الوضع بأربعة عشر أسبوعا، كما لا يمكن للمشغل إنهاء عقد شغل الأجيرة أثناء فترة توقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية عن الحمل أو النفاس مثبتة بشهادة طبية، غير انه يمكن للمشغل إنهاء العقد إذا اثبت ارتكاب المعنية بالأمر خطا جسيما أو للأسباب الأخرى القانونية للفصل شرط ألا تبلغ الأجيرة قرار الإنهاء أثناء فترة توقف عقد الشغل المنصوص عليها في المادتين 154و 156 ولا يكون لهذا الإنهاء أي اثر خلال تلك الفترة . إذا بلغت الأجيرة قرار فصلها قبل أن تثبت حملها بشهادة طبية ، أمكن لها في اجل خمسة عشر يوما من إبلاغها قرار الفصل إثبات الحمل بواسطة شهادة طبية توجهها إلى المشغل برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل ويصبح الفصل نتيجة لذلك باطلا مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 159. خاتمة من خلال كل ما سبق ذكره يمكن أن نستشف ما يلي: + لم تخصص المدونة أية حماية بالنسبة للأجراء المعاقين أو دوي الاحتياجات الخاصة خصوصا فيما يتعلق بمجالات العقوبات التأديبية. + لقد خصص المشرع حماية لمندوب الأجراء وللممثل النقابي وكدا لطبيب الشغل لكنه لم يخصص ذات الحماية لأعضاء المكتب النقابي داخل المقاولة أو لأي أجير يكون عضوا في المكتب المحلي للنقابة، إذ غالبا ما نلاحظ أن الفصل يطال هاته الفئة بالذات من الأجراء إما بعد تأسيس مكتب نقابي أو إذا كان مندوبو الأجراء لهم انتماء نقابي ، مما يطرح ملحا حية التصديق على اتفاقية الشغل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية. + إن احترام ما جاء في نصوص المدونة وزجر كل مس يتعلق بحماية الطرف الضعيف في عقد الشغل والتصديق على الاتفاقية 87 وإلغاء أو على الأقل تعديل المادة 288 من القانون الجنائي من شانه أن يقوي المؤسسات التمثيلية للأجراء وان يجعل النقابات تلعب دورها التاطيري داخل الوحدات الإنتاجية مما سينعكس ايجابا على مردودية المقاولات ويرسي دعائم مناخ اجتماعي يتسم بالهدوء وبالسلم الاجتماعي. (*) مفتش الشغل من الدرجة الثانية