قديما، كان صغار التجار المغاربة في القيساريات يقولون «زوق تبيع»؛ واليوم مع ما يقع بين رئيس الحكومة بنكيران وحزب «البام» في قبة البرلمان، قد تتحول السياسة عندنا إلى «سب تبيع»! والظاهر أيضا أن لدينا نخبة سياسية اكتشفت أن رفع الكساد و»نشان الدبان» عن البرلمان والشأن السياسي أصبحا يمران عبر لغة «الزناقي وراس الدرب»، حتى إنه ليُخيَّل للمرء أن المعارضة والأغلبية عندنا أضحتا تنافسان القنوات التلفزيونية على رفع نسب المشاهدة، وليس رفع الغمة عن هذا الشعب. لقد كان على بنكيران وحزبه خلال الحملة الانتخابية التي حملتهما إلى كراسي الحكومة أن يقولا للمغاربة إن برنامجهما سيكون هو محاربة العفاريت والجن، وليس رفع «السميك» إلى 3 آلاف درهم ونسبة النمو إلى 7 في المائة، وإنهما سيقتلان الفساد ويغتالان الاستبداد كما بشَّرانا بذلك قبل سنة... كان على بنكيران أن يقول للمغاربة في تجمعاته الخطابية الحاشدة إن البلاد «مسكونة» وإن العدالة والتنمية هو حزب المرحلة لأنه يتقن أكثر من غيره الرقية الشرعية لتخليص المغرب والمغاربة من «السحور» ومس «الجّْنون». والظاهر يوما بعد يوم، ونحن نتابع جلسات البرلمان، أن الحكومة الحالية أصبحت مثل شخصية «هاري بوتر» السينمائية الشهيرة، وعلى بنكيران قبل أن يضع رجليه مستقبلا داخل قبة البرلمان أن يحمل معه «شطابة» تشبه تلك التي تحملها الساحرات ويحلقن بها عاليا في السماء، فيما سيكون على بنشماس لتكتمل «الباهية»، كما يقول المغاربة، أن يضع قبعة حمراء طويلة فوق رأسه ويقبض عصا سحرية هو الآخر تكفيه شر «الشطابة»، مع أن الذي يحتاج إلى مكنسة هو واقع هذا البلد الذي يموت أنباؤه في المداشر من شدة البرد فيما الباقون يسكنون بيوتا آيلة للسقوط، ومعهم 8 ملايين فقير من حملة بطاقات «راميد» ينتظرون العلاج في أبواب المستشفيات... المستشفيات نفسها التي زارها قبل يومين وفد دبلوماسي فرنسي فوجد أن قاعات الجراحة بها لا تصلح لإجراء عملية جراحية حتى اكلب فأحرى أن تصلح لتقديم العلاجات الأولية إلى الوزير الأول الفرنسي لو وقع له مكروه طارئ خلال حضوره حدث إعطاء انطلاقة الترامواي. إن آخر شيء كان ينتظره المغاربة، بعد 56 سنة من الاستقلال وبعد الدستور الجديد الذي جاء ممتطيا صهوة الربيع العربي، هو أن تكون لديهم طبقة سياسية تؤمن ب»الطلاسيم» وتنشغل بالبحث عن «الحروزة» في جيوب نواب المعارضة، في وقت جفت فيه منابع السيولة النقدية في البنوك المغربية، وقريبا سيعلن بنكيران -لو كتب له أن يكمل الولاية الحكومية الحالية- عودة العمل بنظام «البون» لتمكين بسطاء الشعب من شراء الزيت والدقيق؛ فالمغاربة، وفق مؤشرات بنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمندوبية السامية للتخطيط، تنتظرهم سنوات عجاف؛ لكن بنكيران وحكومته يفضلان، لمواجهة مشاكل البلد، التشبه بتلك المرأة التي لما طلبوا منها أن ترقص «قالت ليهم الأرض عوجة». انقضت سنة من عمر الحكومة الحالية دون أن يظهر بعدُ بصيص الضوء الذي يبحث عنه المغاربة للانعتاق من عنق الزجاجة؛ والشيء الوحيد الذي يظهر للمواطنين هو تطاير الزجاج من نوافذ البرلمان، حتى حق القول «دخانهم عمانا وطعامهم ما جانا». السياسة عندنا ألبسها بنكيران ثوب العفاريت وضربت عليها فرق المعارضة «الغرزة»، ووحده الشعب يتابع ويقول متحسرا «حبوبة في وجهي حكيتها سال دمها... خليتها زاد همها».