لم يتمكن محمد، الموظف بوزارة التعليم، من شراء أضحية العيد، أول أمس، بعد أن طاف لساعات سوق الصالحين بسلا المعروف عند الأوساط الشعبية ب»سوق الكلب»، ليغادر السوق وهو مقتنع بأن عيد الأضحى لهذه السنة سيشكل ضربة قاضية لميزانيته المتواضعة. محمد الذي لا يتجاوز دخله 3500 درهم والأب لأربعة أبناء، وصف الأسعار ب»النار»، بعد أن فشل في العثور على خروف في حدود معقولة تسمح له بالحفاظ على توازنه المالي، وإكمال الشهر دون اللجوء إلى الاقتراض، وعلق بسخرية على حالته قائلا: «لم أجد خروفا يقبل ب1200 درهم، والأثمنة التي سمعت جعلتني أحس للحظة بأن الأضحية الحقيقية في هذا العيد ليست هي الخروف بل المواطن». وعاش سوق الصالحين بسلا خلال اليومين الماضيين أجواء استثنائية بعد أن تعطلت حركة السير في بعض المحاور الطرقية، نتيجة الإقبال الكبير للمواطنين على السوق إما لشراء أضحية العيد، أو لجس نبض الأثمنة التي وصلت مستويات قياسية تجاوزت 55 درهما للكيلوغرام الواحد. كما سادت حالة من الفوضى بعد تعدد حالات السرقة التي تعرض لها مواطنون أدوا ثمن الخروف قبل أن يفاجئوا باختطافه من قبل من يعرضون خدماتهم كحمالين، والذين يضعون الخروف فوق أعناقهم قبل أن يتيهوا وسط الزحام، هذا بالإضافة إلى النشاط المكثف للصوص الذي يجدون في جيوب المواطنين صيدا ثمينا إما باستعمال أصابعهم الرشيقة، أو باللجوء إلى تمزيق الجيوب بشفرات حادة، وهو الأمر الذي أرجعه عدد من رواد السوق إلى الغياب التام للأمن وانشغال رجال القوات المساعدة بجمع الإتاوات. من جهة أخرى، اعتبر عدد من المواطنين أن سعر2000 درهم لخروف متوسط يعد مبلغا باهظا بالنظر إلى محدودية قدرتهم الشرائية، في حين يرى الكسابة أن الأسعار التي يعرضونها تبقى في المتناول بالنظر إلى المستويات القياسية التي بلغتها أثمنة العلف. واعتبر الحاج حسن، وهو كساب من منطقة واد زم، أن تربية الماشية وبيعها في العيد أصبحت مسألة مكلفة للغاية، وأن الخروف الواحد يمكن أن يستهلك أكثر من 13 درهما في اليوم كثمن للعلف، وقال: «إذا كان المواطن يشتكي مرة واحدة فنحن نفعل ذلك طوال السنة». وأكد عدد من الكسابة أن المستفيد الوحيد من بيع أضاحي العيد يبقى «الشناق» الذي يحقق في يومين أو ثلاثة ما يعجز مربو الماشية عن تحقيقه خلال سنة، كما أكدوا أن العديد من المواطنين يتعرضون للنصب بعد شرائهم لخرفان منتفخة بفعل الملح الذي يتم تقديمه للخروف ليبدو سمينا، وطالبوا بفرض إجراءات زجرية من أجل تنظيم الأسواق وضبط عملية البيع والشراء، وحمايتهم من اللصوص. ورغم الحديث عن فرض عدة تدابير وقائية لمحاصرة طاعون المجترات الصغيرة الذي أدى إلى نفوق حوالي 3000 رأس من الغنم، من خلال إلزامية تسليم شهادات التلقيح من طرف الكسابة عند دخول السوق، فإن عدة شاحنات تمكنت من ولوج الأسواق دون مراقبة، مكتفية بأداء «الصنك»، كما أن المواطنين لم يعيروا أي اهتمام لهذا المرض، وكان هاجسهم الوحيد هو البحث عن خروف بثمن مناسب في ضل الارتفاع المتواتر للأسعار، وعلق أحد المواطنين على الموضوع بتهكم، وقال: «الوحيد الذي يمكن أن يصاب حقا بالطاعون هو المشتري، الذي يجد نفسه في مواجهة مبالغ توازي راتبه الشهري في مقابل خروف من الحجم الاقتصادي». وجاءت سلالة تمحضيت، المنتمية إلى منطقة الأطلس المتوسط، على رأس الطلب بالنظر مع أسعارها التي تبقى في المتناول، مقارنة مع سلالة «الصردي»المنتمية إلى منطقة بني مسكين، والتي تجاوز ثمنها في بعض الأحيان 4000 درهم.