مؤنس مفتاح مثل المغرب وجهة الرحالة الأوربيين عامة والألمان خاصة، فطالما وُصِف المغرب بالبلد "المجهول" الذي لا يُعرَف عنه الكثير، سواء تعلق الأمر بالبلد أو المجتمع، وهذا راجع في الأصل إلى انغلاق البلد وأهله على أنفسهم وعدم السماح للآخر باختراق هذا المجتمع واكتشافه. بدأ ظهور الاهتمام الألماني في المغرب في النصف الثاني من القرن ال19، حيث شرعت الدول الناطقة باللغة الألمانية في إرسال البعثات، سواء في إطار دبلوماسي أو تجاري. وقد كانت هذه الرحلات تدخل، أيضا، في إطار الطموح والتنافس الاستعماري الأوربي تجاه إفريقيا، الذي نما وازداد في تلك المرحلة. لقد أظهر الرحالة الألمان اهتماما كبيرا جدا بالمغرب، حيث شارك في هذه الرحلات دبلوماسيون ومغامرون وباحثون جغرافيون. وقد كانت صورة المغرب موجودة، دائما، في المنشورات المكتوبة وفي تقارير الرحلة التي ألّفها الرحالة الألمان. جدير بالذكر هنا أن هذه الرحلات إلى المغرب شكلت جزءا من المغامرة الإفريقية التي أراد الرحالة الألمان من خلالها استكشاف العالم الغرائبي، فقد كانت تحذوهم الرغبة في التغيير ومواجهة كل ما هو غير مُتوقَّع. نما فضول ألمانيا تجاه المغرب وزاد عدد البعثات إليه، وظهر عدد كبير من العلماء والجغرافيين والجيولوجيين وعلماء الآثار الذين زاروا المغرب، أمثال ثيوبالد فيشر وكارل فريتش وأوتو كيرستن و جورج كامبف ماير وبول مور و روبرت ياناش، ويواكيم فون بفايل ولودفيغ بيتش وفيكتور هورويتز. كانت الرحلة إلى المغرب تمر، دائما، من إسبانيا، وقد كان هذا هو السّبب في تطرق بعض فصول تقارير الرحلات الأوربية لإسبانيا وجبل طارق. استعدّ الرحالة الألمان في القرن ال19 بشكل جيد لهذه الرحلات والبعثات لاستكشاف الوجهات الغامضة، حيث غلب على هذه الرحلات طابع المغامرة. وقد مثلت قراءة التقارير السابقة حول البلد المراد زيارته وكذلك جمع المعلومات المتعلقة به أهمَّ وسائل الإعداد والتحضير. ومثلت المعلومات التي قدمها الرحالة الأوربيون الأوائل في وقت مبكر، مثل "ليون الإفريقي"، لفترة طويلة واحدة من المصادر الرئيسية الأكثر أهمية، وقد اعتمدها كل من الرحالة جيرهارد رولفس وأوسكار لينز ومالتزان. لم يكن ممكنا اكتشافُ البلاد من قبل الرحّالة الأوربيين إلا استنادا على إرشادات ومساعدة المؤسسات المغربية والأفراد، حيث أمكن تحقيق هذا الهدف عبر طريقتين: مباشِرة أو غير مباشِرة. اعتمدت الطريقة المباشرة على مشاركة السكان المحليين كخدم وسائقين وحاملي حقائب وبحضور المترجمين "الفوريي". وكان ممكنا الوصول إلى هذه الطريقة فقط بوجود شرط قدرة الرحالة على تقديم المال والهدايا، وبالتالي فإن الرحالة يدفعون ثمن خدمة مرافقيهم الذين يهتمّون عادة بالطعام والأمتعة والحيوانات، أما بالنسبة إلى المساعدات غير المباشِرة فنعني بها الوثائق المكتوبة وخطابات التوصية التي تضمَنُ للرحالة الأجانب سفرا مريحا وآمنا، إذ لعبت توصيّات المؤسسات المغربية دورا محوريّاً في إراحة الرحالة والسماح باستضافتهم من لدُن مختلف القبائل والقرى، كما كان الحال مع الرحالة الألماني جيرهارد رولفس، الذي أقام في المغرب ما بين سنة 1861 و1864، إذ كانت في جعبته توصية من السلطان المغربي شخصيا.. وفي ما يلي محاولة لتقديم أشهر الرحالة الناطقين بالألمانية الذين زاروا المغرب: -يعتبر الأمير فيلهلم تسو لوفينشتاين أول الرحالة الألمان خلال القرن ال19، فبعد زيارة أصدقائه في البرتغال أراد أن يُنظم رحلة إلى كل من المغرب وإلى الأندلس، فتحقق له هذا المبتغى بالفعل سنة 1845. وقد كلف خلال هذه الرحلة بدعم القناصل الأوربيين المقيمين في المغرب، كما ألّف كتابا عنونه ب"رحلة من لشبونة إلى الأندلس وإلى شمال المغرب في ربيع سنة 1845"، وقد كان في كثير من الأحيان يقيم في شمال البلاد، وبالتحديد في مدينتي طنجة وتطوان. وقد كانت هناك أسباب وراء ذلك: أولا وجود أمان أكثر في تلك المناطق من المدن الداخلية للمغرب، ومن ناحية أخرى، لتواجد معظم القنصليات الأوروبية في مدينة طنجة -ثم نجد "هاينريش بارت، الذي اعتبر رحالةً ألمانيّاً مهمّاً ومرموقا لكونه بحث في جغرافيا وجيولوجيا إفريقيا. وقد زار المغرب في سنوات 1845 و1846 و1847. استطاع هاينرش بارت في هذه الرحلة رؤية بعض المدن الساحلية الساحرة، مثل طنجة وتطوان وأصيلة و العرائش ومعمورة وسلا والرباط.. ويبقى من المهم الإشارة هنا إلى أن نجاح رحلته هذه راجع بالأساس إلى حصوله على مساعدة القنصل البريطاني في المغرب آنذاك دريموند هاي، الذي أرسلَ معه في رحلته تلك جنديا ومرافقا. وقد ذكر ذلك في تقريره عن الرحلة الصادر بعنوان "رحلات عبر بلدان البحر الأبيض المتوسط في السنوات 1845 و1846 و1847". -أصبح المغرب في منتصف القرن ال19 مقصدا الكتاب والرسامين والمستكشفين والمغامرين الناطقين باللغة الألمانية، ونذكر أشهرَهم: الرسام السويسري الناطق بالألمانية فرانك بوكسر، الذي زار المغرب سنة 1858 وكتب انطباعاته الأولى في رحلة سماها صور مغربية حسب تصور الرسام فرانك بوكسر. وقد كان الهدفُ من زيارته للمغرب هو التعرف على المدينة الأسطورية وجنة الخلد على الأرض والمدينة المقدسة فاس. وقد ضمّن فرانك بوكسر تقريرَه ذاك تعليقات وأوصافا وتجارب وأحداثا عاشها واستقاها من الواقع. وكان مرفوقا في رحلته بخادم ومرشد اسمه سيدي عبد القادر. كما أنه وصل إلى مدن طنجة والقصر الكبير ووزان. باحث