احتضنت كلية الآداب - ظهر المهراز في قاعة المحاضرات أشغال الندوة الوطنية التي نظمها مركز البحوث الإيبيرية والإيبيرو أمريكية ومركز بحوث محمد أبو طالب والجمعية المغربية للبحث في الرحلة، في موضوع: المغرب في نصوص الرحلات الغربية. وافتتحت الجلسة بكلمات كل من رئيس مركز البحوث الإيبيرية والإيبيرو أمريكية ومنسق الندوة عبد المنعم بونو ورئيس جمعية «المغربية» ورئيس شعبة اللغة الإسبانية، حيث أكدوا على أهمية دراسة صورة المغرب في الكتابات الرحلية الغربية نظرا إلى ما توفره من معرفة عن الذات وفق تمثلات الآخر. خلال الجلسة العلمية الأولى من الندوة التي ترأسها أحمد صابر، أشار خالد بكاوي، في مداخلته الموسومة بعنوان «الحريم الغربي في الخطاب البريطاني»، إلى خصوصيات الصورة المنتجة في القرون الوسطى من خلال وعي أوربي بإفريقيا، خصوصا ما يتصل بالرحلات ذات الصلة بالقراصنة والأسرى، موضحا كيف أن هذه الرحلات تختلف عن رحلات القرنين التاسع عشر والعشرين من حيث كونها رحلات قسرية، لأن الكاتب يكون مجبرا على ارتياد بلدان غريبة والعيش في عوالم محكومة بثقافة مختلفة، مشيرا إلى ظاهرة ملفتة، تتمثل في كون الصورة المنتجة تتناقض مع الخطاب الاستشراقي عندما تتخلى بعض الذوات عن ثقافتها الأصلية وتفضل، عن طواعية، الانخراط في الثقافة الإسلامية. أما المداخلة الثانية فقدمها شعيب حليفي وحملت عنوان « الصورة والوعي الدائري: في رؤية الآخر للمغرب»، حيث افتتح ورقته بالإشارة إلى ضرورة بناء تصور نظري مرن وإطار تحليلي لقراءة النصوص التي رسمت صورا للمغرب خلال مختلف العصور. وحصر الباحث هذه الكتابات في الرحلات والمذكرات والتقارير والرسائل والشكاوى والاستعطافات... لينتقل بعد ذلك إلى تحديد مفهوم الصورة في هذه الكتابات وفي السياقات التي أنتجت فيها (ثقافية ودينية وسياسية)، ليخلص إلى وجود أشكال متغايرة لصورة المغرب، حصرها في ثلاث لحظات: قبل مؤلف وصف إفريقيا للحسن الوزان وبعده إلى حدود نهاية القرن ال18، ثم القرنين 19 وال20 وارتباط هذه اللحظات بخلفيات تجارية ودينية وإيديولوجية. ثم تدخل بعد ذلك عبد المنعم بونو في موضوع «صورة وخيال: المغرب بعيون إيبيرية»، قدم من خلالها صورة المغرب كما يتبدى انطلاقا من نصوص رحلية إسبانية وبرتغالية وقصص وتقارير لمقيمين.. موضحا مواقف الرحالة التي لا يمكن الكشف عن خلفياتها دون أخذ بالاعتبار لخصوصياتها المتمثلة في كون الصورة تنبع من وعي بالذات وبالآخر بوصف هذا التقاطع مما يشكل بالضرورة علة لتغليب قيم وتمثلات الذات، الشيء الذي ينتج عنه تبخيس ثقافة الآخر، جراء المقارنات بين أنساق الرؤية للظواهر والأشياء ومسارات الفعل وسيادة الموقف الباني لصورة سلبية عن المغرب. ومن نتائج ذلك كون بعض الرحلات الإيبيرية إلى المغرب أفرزت توجها عدائيا يتضمن غياب التقاطعات الممكنة بين الثقافتين، وهو وضع ينفي إمكانية الحوار، لأنه يضمر الموت للآخر. ويتجلى ذلك في عدة مظاهر من بينها الانطلاق من الأحكام العامة الجاهزة وغياب تفعيل المنطق في التمثيل والتقييم واعتماد المقارنة بين أشكال تمظهر نفس حالات الأشياء المؤسساتية أو الذهنية في المنطقتين بهدف ترجيح شكل حضورها في ثقافة الذات. وقدم عبد الرحيم مؤدن مداخلة تحت عنوان «مستويات المكان في الرحلة الإسبانية إلى المغرب في القرن ال19»، مؤكدا في البداية تأثير هذه الرحلات المهم في هذه المرحلة وتداعياتها السياسية. لينتقل إلى تحديد مفهوم المكان، الذي بدا عنده أقرب إلى المكان الافتراضي بوصفه تحققا للفعل وتأويلا له في نفس الآن. وقد انطلق من رحلة خواكين كاتيل الذي قدم ترجمة له، قبل أن يحدد سياقات رحلته في ثلاثة، هي سياق استشراقي ينطوي على فكرة المركز والهامش، وسياق المتعة ممثلا بالتقاط الطرائف والعجائب والشوق إلى المكان، والسياق الاستعماري، حيث يمكن ربط هذه الرحلة بهزيمة إيسلي واحتلال تطوان. ثم انتقل إلى وصف تجليات المكان، فحدد المكان البكر وربطه بما يظل راسخا في الذهن، وهو فضاء مرغوب دائما في ثباته. ثم المكان المعرفي، ويرتبط بالأمكنة الفعلية مثل التضاريس والجوامع والحومات والفنادق والخانات.. وأخيرا المكان الدموي ويرتبط بالأمكنة التي شهدت الفتن وشق عصا الطاعة وكانت ميدان قتال. وقدم أحمد برمضان مداخلة حملت عنوان «المغرب من خلال كتاب (رحلة إلى إفريقيا) في أواخر 1934»، وهي رحلة لصحفي أرسلته جريدة A.B.C للبحث عن أسرة من إسبانيا، موضحا أن هذه الرحلة قد احتفت بتصوير بطولات أسرى الحرب الإسبان في المغرب، انطلاقا من استجواب مغاربة، مشيرا إلى أن الفضاء العام الذي ميز هذه المحكيات هو النزوع الواضح نحو أسطرة أفعال الإسبان والأمكنة الموصوفة التي زارها من طنجة إلى الرباط، فالجنوب الذي غاب التعريف به لكونه مجهولا من قبل الإسبان. كما أشار إلى أن وصف الرحالة قد تنوع بتنوع المدن التي زارها وبأثرها على تاريخ بلاده، وهكذا وصف مكناس بالوحشية تحت تأثير كونها في عهد المولى إسماعيل كانت فضاء لاعتقال أسرى إسبان، بينما أثنى على الدارالبيضاء ووصف عمرانها بالمتأثر بالعمران الأوربي. المغرب بعين ألمانية وغواتيمالية الجلسة الثانية المسائية التي ترأسها شعيب حليفي تدخل فيها خالد لزعر بمداخلة عنونها ب«من أجل تلق ألماني للمغرب: نموذج جيرهارد رولفس»، موضحا أن هذا الرحالة يعتبر من أكثر العارفين بالواقع المغربي في القرن ال19، ويعود ذلك إلى تكوينه الطبي الذي سمح له باقتحام مجامع العديد من الأوساط المغربية، ومن أهمها حريم السلطان المولى عبد الرحمن، مشيرا إلى أن رولفس قد دون أسفاره في المغرب في ثلاثة كتب أهمها «مقامي الأول بالمغرب والسفر جنوب الأطلس عبر واحات درعة وتافيلالت» سنة 1873. وكلها تعبر عن التوجهات الاستعمارية التي شغلت فكر الأوربيين تجاه المغرب خلال القرن ال19. كما لاحظ أن هذا الرحالة قد حاول إضفاء صبغة علمية صرفة على أوصافه، حيث تحرى الدقة في أغلب الأحيان، وعمل على مقارنة بلده بالمغرب. الشيء الذي يوضح، يقول الباحث، مدى تأثر الرحالة بموروثه الثقافي وجعله مرآة لرؤية الذات. عبد الرزاق مسلك قدم مداخلة تحت عنوان «مغرب 1911 أو رؤية رحالة عسكري ألماني»، وقد كانت عبارة عن تحليل لكتاب «المغرب: دراسات اقتصادية وسياسية» الصادر سنة 1911 لكروتير الذي هو ضابط ألماني متقاعد. وقد حاول الباحث تجلية صورة المغرب كما تتبدى في هذا الكتاب، خصوصا انطلاقا من خصوصيات وصفه للمدن المغربية ولسكنها ولتواجد الجيش الفرنسي، مشيرا في الأخير إلى أن ما يضفي أهمية خاصة على هذا الكتاب هو إنتاجه في الليلة نفسها التي أعلن فيها المغرب محمية فرنسية. أما مداخلة سعيد سبيعة الموسومة ب«فاس لويس كاردوثا» فهي عبارة عن قراءة في كتاب «فاس مدينة العرب المقدسة» المكتوب سنة 1927، وهو كتاب ينقسم إلى جزأين، يركز الجزء الأول على الجوانب الروحية والدينية لأهل فاس، أما الجزء الثاني فيتعرض لوضعية اليهود في المدينة، والتحولات السياسية العربية التي كانت تؤشر آنذاك على تحول عميق محتمل. ثم تدخل عبد القادر الصنهاجي بورقة حول «الاستشراق والكولونيالية عند أوجين أوبان»، مقدما قراءة مستفيضة وتحليلات معمقة لما خلفه أوبان الفرنسي أثناء تواجده بالغرب 1902-1904 والمعطيات التي جعلت من كل أحكامه تندرج ضمن سياق الكتابات الكولونيالية.