صدر حديثا بتطوان العدد الثاني من المجلة المُحكَّمة: سيميائيات، المجلة المتوسطية للأشكال الحضارية، وقد قام المقارن المغربي د. عبد النبي ذاكر، بتنسيق الملف العربي للعدد الخاص ب: «الرحلة المغربية ما بين الضفتين»، في حين قام الباحث الرصين د. نزار التجديتي، وهو المدير المسؤول عن المجلة، بإعداد وتنسيق الملف الفرنسي للعدد حول: «من الأندلس إلى الريف: إرث مشترك، ذاكرات انتقائية ومحاضرة الطيور». وجدير بالذكر أن القسم العربي لهذا العدد، تم تصديره بحوار عميق لبّْيير مارك بيازي مع المستشرق الفرنسي الشهير أندريه ميكل، تحت عنوان: «كيف يصير المرء مستشرقا؟»، قام بترجمته مصطفى الهرار العمراني عضو هيئة تحرير المجلة. وتكمن أهمية هذا الحوار في إعادة لفت الانتباه إلى أهمية تقاطع العلم والأدب في المصنفات الجغرافية العربية قديما. وكانت فاتحة المقالات في الملف العربي لنزار التجديتي في موضوع: «الرحلة إلى شرق المتوسط لأبي القاسم الزياني: قصة ابتلاء أم ملحمة التأهيل للكتابة»، حاول فيها بسط تداخل الرحلة بالسيرة الذاتية لدى كاتب مخزني. بينما خصص عبد النبي ذاكر مقالهُ ل «رحلة الصفار التطواني إلى باريز 1845/1846م»، في مقاربة صورلوجية (Imagologique) مقارنة بين صورة الغرب في رحلته، وصورة المغرب عند معاصريه من الرحالين الغربيين. أما الباحث المتخصص في الدراسات العِبرية د. عبد الرحيم حيمد، فقد خَصّ العلاّمة حاييم الزعفراني، بترجمة مقال قيِّم له حول: (الأديب الرحالة، رجل الأعمال)، تعرض فيه لما عرفه العالَم اليهودي طيلة العصور الوسطى وإلى حدود الأزمنة الحديثة، من نشاط ملحوظ للأديب رجل الأعمال، والأديب الصانع أو الحرفي، فالأديب الرحالة. وفي باب مراجعات في كتب، تم تقديم إصدارات هامة، ككتاب أنور لوقا: «علي بهجت أول أثري مصري: قصة حياة»، وكتاب برناردو رودريكس: «حوليات أصيلا 1508-1535: » مملكة فاس، من خلال شهادة برتغالي، وكتاب شرف الدين ماجدولين: «محمد أبو عسل: ذاكرة مدينة شفشاون: وقائع ومرويات»، وكتاب امحمد بن عبود: «تطوان وسياسة التنمية الاقتصادية وتدبير التراث»، وكتاب نزار التجديتي حول صورة المغرب في رحلات الفرنسيين:«السحر المغربي: الفترة ما قبل الاستعمارية 1683- 1912م: المركزية الأوروبية والاستشراق»، وكتاب العلاّمة عبد الهادي التازي: «رحلتي الأولى إلى فرنسا»، وكتاب محمد العربي المساري: «محمد الخامس من سلطان إلى ملك»، والكتابين الجماعيين: «الكتابات التاريخية في المغارب: الهوية، الذاكرة والإسطوغرافيا»، و«قضايا بيئية بجبال الريف المغربية»، وكتاب عن جذور الفكر الأشعري بالمغرب لجمال علال البختي: «عثمان السّلالجي ومذهبيته الأشعرية، دراسة لجانب من الفكر الكلامي بالمغرب من خلال «البرهانية» وشروحها». وبدوره تضمن الملف، الذي قام نزار التجديتي بإعداده وتنسيقه، مقالات قيمة باللغة الفرنسي، فاتحتها دراسة الباحث جاك فينيه زانز (J. Vignet-Zunz) عن (الريف الغربي والأندلس المتوسطية: بحث مقارن حول مجتمعين جبليين)، تَلَتْه مقالة شيقة للتجديتي تحمل عنوان: (الهروب إلى المغرب في منتصف القرن التاسع عشر: من أسطورة الأندلس إلى أساطير العهد القديم)، وتحت عنوان شاعري: (ما عساك تقولين لنا، يا طيور السماء)، قدمت الباحثة أَنْ ? لويز لوقا جولة شاعرية رُفقة ذوات الجناح..لنتعلم نحن البشر من منطق الطيرِ ذِكر الله. وبجولة في التصوف وبطون الكتبة المقدسة بما فيها القرآن الكريم، انتهت إلى أهمية الانقياد للعناية الربانية انسجاما مع ناموس الكون. في حين توقّف الباحث عبد الواحد حمودان عند: (ثقافة الحوار والعدالة الدولية: تحدي السلام في القرن الواحد والعشرين)؛ أما حوار العدد في الجزء الفرنسي، فقد خُصِّص للمؤرخ المتخصص في تاريخ الاستعمار الفرنسي بينيامين سْطورا الذي حاوره كل من سيرج ألْمان وعبد الواحد حمّودان. ومن عمق التجربة المعيشة، تخرج صرخته المدوِّية:»أَنّى يكون التوافق والخروج من الانكفاءات الجماعية بإقامة جدار أوروبّي في حوض المتوسط؟». وفي باب قراءات في كتب، تم تقديم كتاب: (الدولة العربية) لِخيما مونيوس، وكتاب: (حروب بلا نهاية) لبينيامين سْطورا، وأخيرا العدد 32 من مجلة دراسات إسبانية الصادرة بروما تحت محور: (الاستشراق: العرب واليهود في الأدب الإسباني). وختاما يمكن القول إن الهاجس الذي حكم هذا العدد من مجلة سيميائيات هو طرح أسئلة حارقة من قبيل: كيف يتجسد حوض المتوسط اليوم؟ وكيف يتم تفكيره؟ وبالتالي، كيف يمكن تجاوز المتخيلات الحصرية العنيدة للأمس واليوم؟