نجح رئيس الباطرونا مولاي حفيظ العلمي في قص أجنحة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ووفى بوعده عندما قال يوم انتخابه إن «الاتحاد لا يمارس السياسة». هل سمعتم رجل أعمال درس في المدارس الفرنسية وعاش في كندا ورجع إلى بلاده يقول إن نقابة رجال الأعمال لا تمارس السياسة؟ إن هذا التصريح كان يرمي إلى شيئين: أولا تصفية تركة حسن الشامي الذي طرد من اتحاد المقاولات عقابا له على استجواب صحافي مع مجلة «لافريتي»، قال فيه إن «محيط القصر يعرقل عمل الوزير الأول ورجل الأعمال ادريس جطو». مولاي حفيظ العلمي جاء ليعيد الماء إلى مجراه. رجال ونساء الأعمال محرم عليهم الاقتراب من السياسة أو نقد أصحاب القرار أو التدخل في لعبة السلطة في أعلى الهرم... مسموح لهم أن يناوشوا الحكومة، أن يطالبوا بخفض الضرائب أو يضغطوا من أجل مدونة جمركية على المقاس، أن يرفضوا الزيادة في الأجور، أن يدافع بعضهم –بلا خجل- عن اللاعقاب على الجرائم الاقتصادية وعن عدم سداد واجباتهم إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأن يتوسلوا إلى الدولة لمساعدة مقاولاتهم والعيش تحت الأجنحة الدافئة للمخزن الاقتصادي. أما أن يكون لهم رأي وموقف سياسي وتوجه لدعم الديمقراطية في البلاد... فهذا أمر يقع خارج جدول عمل الكثير منهم. أما الأقلية وسطهم التي تدافع عن استقلالية رجال الأعمال وعن ضرورة دمقرطة الفضاء الاقتصادي، كمساهمة في دمقرطة الفضاء السياسي، فإنها تعزل وتطلق عليها أوصاف من قبيل «قاسح راسو» «مغامر» «سياسي»... من أجل التبرؤ من هؤلاء وتخويف الآخرين من الاقتراب منهم. الهدف الثاني من وراء ادعاء العلمي أن الاتحاد لا يُمارس السياسة هو بالضبط إبعاد نوع من السياسة وليس كل السياسة عن عمل رجال ونساء الأعمال، لأن اختيار وضع عالم «البزنس» في تناغم دائم مع السلطة أكبر سياسة يمكن لأي حزب أو نقابة أو جمعية أن يمارسها. إن تجريد المال من بعده السياسي والاجتماعي والفكري أكبر خدمة للدولة في المرحلة الراهنة، وأكبر إضعاف لمسار التحول الديمقراطي، ذلك أن الليبرالية السياسية تتغذى من الليبرالية الاقتصادية التي تحارب الريع غير المنتج، والاحتكار الذي يضرب المنافسة والتدخل الذي يقضي على الاستقلالية، والمال الذي يصنع الخرائط الانتخابية ويوفر «صناديق سوداء» لإعادة إنتاج النخب الاقتصادية والسياسية الموالية للمخزن... سأضرب مثالا صغيرا وبسيطا وقع معنا في شركة «المساء ميديا»، العضو في الفدرالية المغربية للإعلام إحدى فدراليات الاتحاد العام لمقاولات المغرب. هذا الاتحاد إذا لم يكن معنيا بحرية الصحافة وضرورة الحفاظ على تجاربها المستقلة في البلاد كأحد التعبيرات عن نموذج المجتمع الحر والمنفتح والتعددي الذي يسعى إليه الفكر الليبرالي والنموذج الرأسمالي للاقتصاد، فلا أقل من أن يدافع عن حياة المقاولة الاقتصادية التي يرمي حكم 600 مليون سنتيم إلى إعدامها. أليس كذلك..؟ ألم يدافع الاتحاد عن «ضحايا حملة التطهير» التي قادها ادريس البصري سنة 96، وإن كان دفاعه عن هؤلاء اتخذ صيغة الملتمسات الاستعطافية وليس صيغة الحركة الاحتجاجية... لم يصدر ولا بلاغ واحد عن اتحاد مولاي حفيظ العلمي يقول إن «إغلاق مؤسسة توظف 300 شخص مباشر و1000 شخص غير مباشر أمر غير مقبول وإن إصلاح أخطاء الصحافة لا يمر بالضرورة عبر إعدامها وإن مقاولات الإعلام والصحافة أصبحت تخلق مناصب الشغل وتؤدي الضرائب وتستثمر في البشر أولا وفي تكنولوجيا الإعلام ثانيا... ولهذا وجبت حمايتها من الوجهة الاقتصادية إن لم يكن من الزاوية السياسية والفكرية، أليس كذلك... في كل مرة نذكر بنموذج البورجوازية الأوربية وكيف أنها دافعت عن ثقافة المواطنة والتحرر وفصل السلط وحرية السوق. يقال لنا إنه لا مقارنة مع وجود الفارق... هذا الفارق اليوم أصبح يكبر يوما عن آخر فما العمل؟ عفوا أيها السادة «البورجوازيون» ما العمل كتاب مشهور للرفيق لينين وهو يزعج أحلامكم الوردية... سامحوا لينا...