- كيف تنظرون إلى وجود مرشح وحيد، مرة أخرى، يسعى إلى كرسي رئاسة الباطرونا المغربية؟ < هذا يعني أننا أمام منظمة للباطرونا المغربية لم تحقق الاستقلالية و النضج المفترضين، و التي تستمر بالتصرف ضمن منطق يمكن أن نسميه شبه فيودالي، بمعنى أنها تتحاشى الاحتكاك بالسلطة، مما يجعل الانتخابات تتخذ شكلا من أشكال إعلان الولاء، مع الحفاظ على الشكليات عبر التطورات الميلودرامية التي شهدناها مؤخرا، و التي يراد منها خلق نوع من الإثارة لدى الجمهور. يجب إدراك أن الانتخابات الحالية تفتقد إلى رهانات حقيقية، إنه نوع من الإخراج المسرحي، هذا هو رأيي. - ما هي الرهانات التي كان يفترض أن تنطوي عليها هذه الانتخابات لو كانت المنافسة حقيقية؟ < المنافسة الحقيقية تفترض أن يكون الرهان الأساسي هو رفع هذه المؤسسة إلى مستوى الفاعل الرئيسي في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية في البلد، و هذا يفترض البرهنة على القدرة على التصرف بحرية واستقلالية، و بأن ثمة نقاشا حقيقيا على أساس برامج بدل الصراع الذي يكون محوره الأشخاص، كأن يخوض رجال الأعمال في طبيعة العلاقة التي يريدون نسجها مع الدولة و بأية طريقة. ونتذكر أن حسن الشامي، الرئيس السابق للاتحاد العام لمقاولات المغرب طرق هذا الموضوع، لكن في نهاية ولايته. مما زج به في مشاكل، و نحن نرى أنه خلال ولاية الرئيس الحالي مولاي حفيظ العلمي، تمت العودة إلى منظمة لا تثير أمواج كثيرة، تكتفي بمطالب صغيرة والتعبير عن مطالب في مواجهة الأزمة والظرفية الصعبة، مع الحرص على إبراز أن الباطرونا غير مسيسة. وأنا عندما أسمع شخصا يقول إنه لا يمارس السياسة، أتذكر مقولة أرسطو الذي قال «الإنسان حيوان سياسي». - لماذا تزعج الباطرونا عندما تتحدث عن الحكامة العمومية؟ < عندما تشرع الباطرونا في الحديث عن الحكامة، فهذا يعني أنها تنزع نحو الاستقلالية، وحديثها عن الحكامة يعني أن الدولة تزعج ويجب أن تنخرط في إصلاحات، وهذا مثار انزعاج بالنسبة للدولة. الباطرونا تتذكر جيدا حملة التطهير الشهيرة التي حملت خلالها الدولة على رجال الأعمال، بحيث اقتضى الأمر المساعي التي بذلها أندري أزولاي و إدريس جطو لدى الملك آنذاك من أجل إيقاف الحملة التي كان يقودها إدريس البصري. فعندما تنتقد الحكامة تكون بذلك قاصدا الدولة، فأنت تتناول النظام القضائي والإداري و مدى شفافية قواعد اللعب. - لماذا لا تتمكن الباطرونا من التخلص من هذه الوضعية؟ < جزء كبير من الباطرونا مدين بوجوده للدولة، لا يجب أن ننسى أن ذلك الجزء نشأ مع المغربة التي أرادت عبرها الدولة خلق رأسمالية وطنية، فكان أن منحت مجموعة من الامتيازات لبعض الأشخاص و الفئات. و هذا الإرث يثقل كثيرا على هؤلاء. إذن الباطرونا لم تتكون بعيدا عن الدولة وهناك مخلفات الماضي التي نجدها في ثقافة حتى المنظمات السياسية. إذا عدت إلى الستينيات من القرن الماضي، تكتشف أنه كانت هناك مواقف واضحة، و تلاحظ أن ثمة إما النقاش أو الصراع. و اليوم نرى أن ثقافة التوافق و الإجماع هي السائدة، وهذا غريب. كل هيئة يجب أن تتوفر على نظام للتقويم الذاتي الذي يعني الاستقلالية و السلط المضادة، يجب أن تسود هذه الثقافة، أنا لا ّأتحدث عن الرقابة، بل عن تقويم فعالية عمل الدولة. - ماهي الملفات التي يفترض أن يتصدى لها الرئيس الذي سيؤول إليه أمر الاتحاد العام لمقاولات المغرب؟ < يجب أن يناقش، باعتباره شريكا اجتماعيا للدولة، تسريع إصلاحات الحكامة، خاصة أن الحديث شائع عن أن مناخ الأعمال في المغرب سيء، وهذا ملف أساسي يجب تناوله مع الدولة، بطبيعة الحال، هناك بعض التحسن. نتحدث دائما عن الإصلاح، لكن لا أرى ثمة إصلاحا. صادفت رجال أعمال أجانب يقولون إذا كنت شركة متعددة الجنسيات تحاط بالعناية، أما إذا كنت شركة صغيرة، لا يأبه بك أحد في ظل طول المساطر و عدم وجود عدد كاف من المحاكم التجارية. المقاولات تعاني من الحكامة و فعالية الاقتصاد الوطني تتضرر من هذا الأمر، وبالنتيجة يعتبر هذا ملفا أساسيا يفترض أن تبدي فيه الباطرونا رأيها، خاصة في ظل الأزمة الحالية، التي تستدعي، مثل الحرب، التضامن الجماعي عوض الصراع. أي البحث عن نوع من التوافق الذكي الذي يؤمن الاستقلالية و يسهل الوصول للحلول. - النقاش الذي أحاط بالترشيحات حول الانتخابات الحالية. ألم يمس بصورة الباطرونا المغربية في ظل الأزمة؟ < الباطرونا لا تتحدث كثيرا عن الأزمة، وعندما تثيرها، فلكي تتطرق للدعم، فلو انصب النقاش على الأزمة و اقترح المتدخلون فيه حلولا ورؤى للتعاطي معها، و سبل التعامل مع الدولة في هاته الفترة، لكان الأمر جيدا، لكن هذا الجانب غاب. وما ساد هو النقاشات الصغيرة التي لا تدخل إلى صلب الموضوع، ربما الأشخاص جيدون، لكن النقاش فقير. بينما الأساسي هو أن المغرب طالته شظايا الأزمة التي بدأت بالكاد تتغلغل، حيث لن نلمس آثارها الحقيقية إلا في السنة القادمة، ضمن هذه الظروف يفترض أن ينخرط الجميع في نقاش حقيقي على أساس مشروع يتيح الخروج من الوضعية الحالية عبر تغليب المصلحة العامة.