تنظم الأمانة العامة للحكومة، يومي غد وبعد غد، بمقر أكاديمية المملكة بالرباط٬ ندوة علمية تحت شعار "الجريدة الرسمية.. مائة سنة في خدمة القانون"٬ تخليدا للذكرى المائوية لصدور الجريدة الرسمية (1912 – 2012). وفي هذا الحوار يتحدث الدكتور لحبيب الدقاق، أستاذ شعبة الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، عن أهمية الجريدة الرسمية وكونها تشكل إحدى الدعامات التي ساهمت بشكل كبير في التأريخ لأهم الأحداث التي شهدها المغرب على امتداد 100 سنة على الأقل بالنسبة للذاكرة التشريعية. - كيف أرَّخت الجريدة الرسمية لأهم الأحداث التي شهدها المغرب على امتداد 100 سنة؟ تعتبر الجريدة الرسمية من بين الدعامات التي أحدثتها وأقامتها سلطات الحماية مباشرة بعد دخولها المغرب، وذلك بتاريخ فاتح نونبر 1912، تحمل عنوان «الجريدة الرسمية للإيالة الشريفة Bulletin officiel de l'Empire chérifien، على غرار العديد من الدعامات، التي صدرت في نفس السنة، خاصة المدونات القانونية، التي بلغت في مجموعها آنذاك عشر مدونات، وصدرت جميعها في شكل ظهائر، مثل ظهير الالتزامات والعقود، والتنظيم القضائي، والمسطرة الجنائية، والتحفيظ العقاري، والقانون التجاري، وتحصيل الديون العمومية، والمساعدة القضائية، والوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب. وقد كانت تصدر أول الأمر باللغة الفرنسية، ثم باللغة العربية أيضاً، وبالمنطقة التي كانت خاضعة للحماية الفرنسية. وبجانبهما، ومنذ سنة 1912 ثم 1913، كانت تصدر الجريدة الرسمية للمناطق الخاضعة للحماية الإسبانية، لتصبح منذ سنة 1957» الجريدة الرسمية للمملكة المغربية». وإذا كان هنالك من استنتاج، فيتعلق على الخصوص بأنها إحدى الدعامات التي ساهمت بشكل كبير في التأريخ لأهم الأحداث التي شهدها المغرب على امتداد 100 سنة على الأقل بالنسبة للذاكرة التشريعية، وصرح يشهد على مسار التطور التشريعي بالمغرب. ولهذه الغاية، فإن الأمانة العامة للحكومة ستحيي الذكرى المئوية للجريدة الرسمية. وبالمقابل، ولنفس الغاية، فإن شعبة القانون الخاص بكلية الحقوق الرباط –أكدال، ستحيي كذلك الذكرى المئوية لظهير الالتزامات والعقود، الذي رافقت الجريدة الرسمية تطوره. - هل تواكب الجريدة الرسمية في المغرب التطورات التشريعية والمجالية (الجهوية)؟ لا يمكن للمرء أن ينكر مساهمتها، رغم ما يعاب عليها في بعض الجوانب، إذ مع مرور الزمن، وبعد أن كانت تصدر في نشرة واحدة ، وتهتم بنشر النصوص القانونية فقط، أصبحت الجريدة الرسمية تصدر في ست نشرات، تختلف دورية صدورها حسب طبيعتها والمجالات المخصصة لها، من بينها خمس دوريات تصدر بالعربية، وواحدة بالفرنسية (مخصصة للترجمة الرسمية للنصوص التشريعية والتنظيمية والاتفاقيات الدولية)، فإلى جانب النشرة العامة، هنالك نشرة مخصصة لمداولات مجلس النواب، ونشرة لمداولات مجلس المستشارين، وهي كلها تواكب التطورات التشريعية في المغرب. وهذا يعني أنها تحاول جهد الإمكان تغطية أكثر ما يمكن من المجالات التي تقتضي الطبيعة الرسمية، وإضفاء الحجية عليها. ثم هناك نشرة الإعلانات القانونية والقضائية والإدارية، ونشرة الإعلانات المتعلقة بالتحفيظ العقاري، وهي دعامات تساهم، ولو بشكل نسبي، في مواكبة التطورات المجالية والجهوية، وإن كانت هذه العمليات مطبوعة بالبطء والتأخر، مما يجعلها محط انتقادات من طرف المعنيين بمختلف مشاربهم. - أمام التحولات الإعلامية التي يشهدها المغرب هل ما زال للجريدة الرسمية أي دور كما كان لها في السابق؟ على مستوى المهام الموكولة إليها، خاصة بالنسبة لانفرادها بما تنشره، فهي مرفق عمومي رسمي، وهي وحدها التي تُعنى بتوحيد رسمية مضامينها، وإلزاميتها للمتعاملين، فمن المؤكد أنها مازالت تقوم بنفس الدور الذي كان لها إلى حد الآن، وهذا ما يجري به العمل في مختلف الدول. أما بالنسبة لقدرتها على توصيل المعلومة للمتعاملين والمرتفقين، ومساهمتها في توفير أساليب وآليات الحق في الحصول على المعلومة التي ينص عليها الفصل27 من الدستور، وتقي المواطن من الخضوع لمقولة «لا يعذر أحدٌ بجهله القانون» بسبب عدم علمه به، فهو طموح مازال بعيد المنال، لأسباب عديدة، نذكر منها الأمية. - لكن هناك أيضاً أساليب لتوصيل المعلومة، إذ كيف يمكن للمواطنين الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية؟ وهل ذلك في متناول الجميع، حتى المتعلمين منهم؟ لا ننكر أن هناك مجهودات بُذلت في مجال رقمنة الجريدة الرسمية، وإحداث محركات البحث، ومع ذلك، فإن عملية تحيين النصوص مازالت منعدمة . إذ في غياب دعامة تنشر مراجع التعديلات التي قد تدخل على النصوص، يتعذر على الباحث عن نص معين أن يجده محيناً، بل عليه أن يبحث عن كل التعديلات التي تدخل عليه في العشرات من فهارس الجرائد الرسمية الصادرة في سنوات مختلفة. هذه العملية كانت ومازالت تقوم بها شركة خاصة (Artemis)، لكن الاستفادة من خدماتها تتطلب الاشتراك عن طريق أداء سنوية، قد لا يستطيع الجميع الإقبال عليها في زمن وفرة المعلومة، عبر الشبكة العنكبوتية، وبالمجان، إذ يكفي أن تنقر على كلمة «الجريدة الرسمية بفرنسا» لينساب عليك سيل من المعلومات المحينة، وفي كل المواضيع.
- عبر تاريخها، هل كانت الجريدة الرسمية وسيلة إعلام بيروقراطية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار القول الرائج بأن الأمانة العامة للحكومة التي تصدر هذه الجريدة هي «مقبرة القوانين»؟ الحديث عن الأمانة العامة وعلاقتها بإقبار القوانين مسألة تتعلق بمسطرة التشريع وإعداد النصوص القانونية عموماً، وهي مسألة من بين السياسات العمومية، وتعني الحكومة بكاملها، والتي تتحمل مسؤوليتها. لكن أحياناً تتحملها الأمانة العامة للحكومة لوحدها، انطلاقاً من الاختصاصات المخولة لها في هذا الصدد؛ حتى أنه يحكى أن المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني خاطب الأمين العام للحكومة السابق، المرحوم عبد الصادق الربيع، قائلاً : مالك أنت هكذا في حالة قبط على النصوص. اعمل على تسريع مسطرة التشريع وإحالة النصوص على البرلمان، آنذاك يمكن تعديلها وتصحيح أخطائها. أما في ما يخص علاقة الإقبار بالجريدة الرسمية، فهو يتعلق بعدم نشر بعض النصوص رغم صدورها عن البرلمان أو عن الحكومة، وهناك أمثلة عديدة في هذا المجال لا يسع الوقت لذكرها. - لماذا تعتبر النصوص والتشريعات الصادرة في الجريدة الرسمية نهائية وغير قابلة للاستدراك، بالرغم مما قد يشوبها من أخطاء غير مقصودة كما حدث مع الدستور الأخير؟ من خصائص النشر بالجريدة الرسمية الحجية وعدم التغير الإداري، فإن كان هناك تعديل فإنه يكون عن طريق قاعدة توازي الاختصاص، فالجهة التي وضعت النص هي التي لها الحق في تعديله، وما على الجريدة الرسمية سوى نشره. كما أن استدراك الأخطاء المادية والمطبعية يكون باستمرار، وفي كل مرة نلاحظ صدور استدراك لأخطاء حصلت في عدد سابق من الجريدة الرسمية. أما ما حصل بالنسبة لمشروع دستور2011، فقد تم اكتشاف وجود تناقض قد يحصل في ما لو تم الإبقاء على صيغة الفصلين 55 و 132 من المشروع، وقد تم تدارك الخطأ المادي قبل إجراء الاستفتاء على الدستور وصدر بالجريدة الرسمية، التي سبق لها أن نشرت مشروع الدستور، وبالتالي صدور صيغة جديدة لمشروع الدستور، التي تم توزيعها، وهي التي تم التصويت عليها؛ ومع ذلك أثار هذا الحادث العديد من النقاشات من طرف الفاعلين السياسيين والحقوقيين والباحثين والمهتمين، لم نكن في حاجة إليه لو تم اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة.