يعيدنا مقال الدكتور العربي مياد، المنشور بصفحة (المجتمع والقانون) ليوم 18 فبراير 2009 إلى موضوع المتاجرة في القانون وأثرها على المستهلك القانوني، والفرق بين الطبعات الرسمية والطبعات التجارية، وكذا تمكين العموم منها دون المس بقيمتها شكلا ومضمونا، وبذلك يتزايد الإلحاح على أهمية وضرورة تدخل الجهات المسؤولة لتنظيم هذا المجال، سواء بالنسبة للنصوص التشريعية الجديدة، أو النصوص المعدلة لنصوص جاري بها العمل. ومما لا شك فيه أن الجريدة الرسمية تعتبر المرجع الرسمي بالنسبة للنصوص التشريعية الجديدة، إذ أن جميع أعداد الجريدة الرسمية منذ 1913 إلى يوم صارت في متناول الجميع مجانا من موقع الأمانة العامة للحكومة على الشبكة العنكبوتية تحت العنوان التالي: (www.sgg.gov.ma)؛ وهو مجهود يجب التنويه به، لسهولة استخراج النسخ الرسمية من أي مقتضى تشريعي كما هو منشور بالجريدة الرسمية. إلا أن الشكل الأصلي للجريدة الرسمية، أو الأوراق المطبوعة من الموقع، لا تسعف عمليا رجل القانون عموما لاستعمالها بشكل يومي، سواء في الجامعة، أو المحكمة، أو المكتب، أو المقاولة...بالتالي يكون مستعمل هذه النصوص مجبرا على اقتناء هذه القوانين مطبوعة على شكل كتب، أو كتيبات يسهل نقلها وتداولها. وهنا تبدأ المشاكل، ويفتح النقاش القانوني والفقهي وحتى القضائي حول القوانين، بين ما هي منشور في الجريدة الرسمية، وبين ما تتناقله بعض الطبعات غير الرسمية/ التجارية؛ والتي لا أحد ينكر أنها سدت في وقت سابق فراغا كبيرا في الساحة القانونية الوطنية على مستوى النشر، رغم أن بعضها امتهن طبع النصوص القانونية كتجارة مربحة. وبهذا الخصوص، يعلم المتتبع للشأن التشريعي ببلادنا أنه لا يوجد أي مقتضى قانوني يمنع على جهة معينة إعادة طبع ما تقوم الجريدة الرسمية بنشره، أو استصدار ترخيص معين للقيام بمثل هذا العمل بعد مراقبته من الجهات المختصة، وهذا ما أدى إلى كثرة المتدخلين وتعدد الطبعات في السوق لنفس القانون، دون أن يتحمل أي منهم مسؤولية ما يقوم بنشره...بل منهم من تجرأ - من أجل اكتساح السوق مبكرا - على نشر النص كما صادق عليه البرلمان (مدونة الأسرة مثلا)، قبل أن تنشره الجريدة الرسمية، ناهيك عما تعترض بعض الطبعات من أخطاء مادية وأحيانا جوهرية. إن حماية النص القانوني مما قد يتعرض له من تشويه بمناسبة نشره بطريقة غير مراقبة مسبقا ومن طرف جهات غير مرخص لها القيام بهذا العمل، تفرض تدخل الدولة لتدارك هذا الفراغ المسجل في الحلقة الأخيرة من المسلسل التشريعي، فهل يعقل بعد قيام الدولة بتتبع والإشراف على كل مراحل إعداد نص تشريعي بدءا من مناقشته في مجلس الحكومة وعرضه أمام المجلس الوزاري ومناقشته أمام البرلمان وصدور الأمر بتنفيذه ونشره بالجريدة الرسمية، وبعد كل هذه المراحل يترك المجال مفتوحا لكل شخص، مختصا كان أو غير مختص، مؤهلا أو غير مؤهل، لإعادة طبعه بالشكل الذي يريده، ويضعه رهن إشارة العموم بمختلف نقط البيع، فيتحول قانون معين إلى مجرد بضاعة في الأسواق يعرض للبيع في أشكال مختلفة وكأننا أمام قوانين متعددة وليس أمام قانون واحد. إن القانون يعتبر مظهرا من مظاهر السيادة، وطريقة نشره وتعميمه لا بد وأن تستحضر هذا المعطى، وهو ما يفرض تدخل الدولة لتنظيم هذا الموضوع لتصبح جميع الطبعات صادرة عن جهة أو جهات مسؤولة تضم خبراء وفنيين متخصصين، وتصبح مؤهلة دون غيرها للقيام بهذا الدور الهام في المسلسل التشريعي بما يحفظ للتشريع المغربي قيمته الرسمية، ويبعث الطمأنينة المفترضة لدى الجميع في اعتماد نص من النصوص المنشور خارج صفحات الجريدة الرسمية. ولا تقتصر هذه الملاحظة على النصوص التشريعية الجديدة التي تنشر لأول مرة في الجريدة الرسمية، وإنما تبرز بشكل أقوى عندما يتعلق الأمر بنشر قوانين جديدة تعدqل قوانين جاري بها العمل، حيث تكتفي الجريدة الرسمية بنشر مواد أو فقرات مذيلة بنقط حذف، تتمم أو تنسخ بعض مقتضيات هذا القانون أو ذاك، مع أن عملية إدماج هذه التعديلات - تتميما أو نسخا - في صلب القوانين الجاري بها العمل مسألة فنية دقيقة جدا لا يمكن أن يقوم بها غير الفني المتخصص،و هو ما يفرض على البرلمان كمؤسسة تشريعية رفض مناقشة تعديل القوانين بنقط الحذف. وأمام تعدد القوانين المعدلة لنفس القانون، كما هو الحال بالنسبة للقانون التنظيمي للمالية، أو مجموعة القانون الجنائي مثلا، وغيرهما كثير، فإن اعتماد مختلف النصوص المنشورة في الجريدة الرسمية حول قانون معين يتطلب صنعة وتجربة كافية من أجل تحديد مختلف التقاطعات بين النص الجاري به العمل المنشور منذ سنة 1963 بالنسبة لمجموعة القانون الجنائي مثلا، والقوانين المعدلة له وعددها 21 تعديلا آخرها كان تجريم الإخلال بإلزامية التصريح بالممتلكات (إضافة الفصل 262 مكرر). لذا يتعين الإحاح مجددا على أنه آن الأوان لتتكلف جهة مسؤولة ومتخصصة تتولى نشر النصوص القانونية بالاحترافية اللازمة، قصد تمكين جميع المغاربة قبل الأجانب من نصوص القانون المغربي وقف آخر التعديلات، يمكن الرجوع إليها واعتمادها، والجميع مطمئن إلى مرجعيتها. ذ. الشريف الوزاني