ماذا يساوي اليوم، في العالم الذي نعيش فيه، صوت شاعر أمام صوت الأسلحة؟ لقد رأينا فعلا بأن هاته الأخيرة انتهت باحتوائه. الأكثر فظاعة، تأثيرها السحري. الأسوأ، جعلته يحلم. لقد نجحت الرقابة العسكرية والسياسية، مع ما صاحبهما من تلاعب في إخفاء الرعب، الخراب، وكذا عدد الضحايا الحقيقي المدفون تحت سجادة القنابل الفاخرة. سنظل، نحتفظ بمشهد الأطفال المشوهين والنساء الممزقة بطونهن. ما وقفنا عليه، عبر لعبها الهائلة المرتبطة بالفيديو Vidéo، أبرز بالأحرى معجزات الجراحة الإلكترونية، ونجاحات مبرمجي الموت الخاص والانتقائي. انمحى الضمير، القانون، وهما الملتمسان عند الوهلة الأولى، لصالح حكمة سريعة: بما أنه توجد حرب، فمن الحتمي الظفر بها. ثم سنرى، بعدها بخصوص ما تبقى. بعد أي شيء؟ عولجت القضية باعتبارها عديمة الفائدة، حيث الاشتباه في كل قلق لأنه يعضد معسكر الخصم. أن يتحطم بلد مثل العراق (مهد أقدم حضارات العالم) ويغرق شعبه في الجحيم مع مسؤوليه الأشرار، ويتم تضييق الخناق أكثر على الفلسطينيين، ثم تنغمس الشعوب العربية في مزيد من الإذلال، ويعلو بقوة صراخ مئات الآلاف من أنصار السلام في نيويورك، برلين، باريس... كل ذلك يبدو زهيدا قياسا للرهان الأولي: ضرورة استئصال الخير للشر وسحقه. وفق منطق عشاق العدالة ومتملقيهم، ثم السياسيين الانتهازيين، وكذا المختصين في كل شيء، بل وحتى بعض الفلاسفة، فإن الهزيمة هي التي تسبب الرعب وليست الحرب. لا يتساءلون، أبدا عن ثمن انتصارهم، فبالأحرى نتائج انكسار الآخر. هكذا إذن. حاليا، الأسلحة تقتل. الهيمنة الأمريكية La Pax americana تتطور. أي وضع جديد ستحدثه في الشرق الأوسط، وفي علاقات شمال/جنوب، ثم بين الشعوب والأمم على المستوى الدولي ؟ استنادا على السجل المرعب للولايات المتحدةالأمريكية بخصوص تدخلاتها في مختلف مناطق العالم إبان العقود الأخيرة (كوبا، فيتنام، شيلي، ليبيا، نيكاراغوا، غروناد، باناما، إلخ...). يمكننا التشكيك قانونيا، في إمكانية أن يحمل هذا النظام الجديد أملا للتغير مقارنة مع القديم. سيعمل على مواصلة التسلط وقانون الأقوى، من خلال شروط جديدة. ثم يضمن بالأسلحة التبادل اللامتكافئ، مع السخرية من طموح الشعوب للسيادة الوطنية والديمقراطية. أعتقد بأننا مازلنا أبعد عن إمكانية تقدير الحجم الكارثي، لهذه الحرب والمصائب المنتظرة منها. لكي أتخذ منحا خاصا، ألاحظ علاوة على نتائجها السياسية، السوسيو اقتصادية الإنسانية والإيكولوجية سواء على مستوى الشرق الأوسط أو الدولي، فإنها تنطوي قبل ذلك على كارثة ثقافية. لقد حفرت هوة عميقة بين العالم العربي والغربي، أكثر مأساوية من تلك التي قامت بينهما طيلة العقود الأولى من هذا القرن، نتيجة التجربة الكولونيالية وآثارها. هوة، كانت على وشك أن تردم. لقد تشكلت جسور أخرى بين العرب والغرب، ولاسيما حول البحر الأبيض المتوسط. انبثقت انفتاحات أخرى، وأستأنف الحوار مرة ثانية. على الرغم، من الأنظمة المتسلطة والديكتاتورية، إلى جانب صعود التطرف الديني، فقد استيقظت المجتمعات المدنية وسعت إلى أن تأخذ شكلا في كثير من البلدان العربية. تقدمت أفكار حقوق الإنسان، التعددية، دولة القانون، تهيكل نضال النساء من أجل الكرامة والمساواة، كما موضع المفكرون والمبدعون الثقافة العربية في إطار مغامرة الحداثة. أما الغرب، الذي أدركناه في تعدديته وانفتاحاته دون أن يختزل ذاته قط إلى صورة متراصة Bloc monolithique تشير إلى الجور والهيمنة فقد أصبح مع هذه الحرب موضع تساؤل جذري يهم ما قد تحول تقريبا إلى مكسب. تكتل واستعاد وجهه العسكري، حيث ضبط متلبسا بالجريمة وخرق مبادئه الخاصة. لذلك، لا يوظف القانون والأخلاق اللذان يعتز بهما إلا حينما يتعلق الأمر بدفاع عن مصالحه الخاصة. الديمقراطية التي جعل من نفسه بطلا لها، يبدو بأنها فقط للتوظيف الداخلي، يتنكر لها في علاقاته مع الشعوب الأخرى. مع هاته الحرب أيضا، أبانت هذه الديمقراطية المقتصرة على الداخل عيوبها، ألم يتم تقييد، بعض أسسها مثل التعددية، الفكر النقدي، حرية التعبير، بشكل واسع جدا نتيجة ضرورات التوافق؟ قد تكتفي الديمقراطية بالكذب والتضليل والرقابة. إذا كان لديمقراطية أعرق الديمقراطيات الغربية أن تصير هشة ومعرضة للخطر، فكيف لا نفهم الاشتباه بها عند الشعوب التي تسعى فقط إلى تعلمها؟ حينما يضعف النموذج أو النموذج المفترض، كيف يتأتى له الحفاظ على كل معقوليته؟ هكذا نرى إذن، الديمقراطية اليوم منكوبة. كما أن المثقفين العرب، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية الرقي بالأفكار الديمقراطية، يقدمون انطباعا عن سيزيفية حقيقية. عليهم، إعادة بناء كل شيء بما في ذلك مصداقيتهم أمام شعوبهم. وحتما، ليس لهم من اختيار آخر، غير أخذهم الصخرة ثانية ثم يدحرجون معها كل من يحرض على الحرب والكراهية. لا نصنع الأوهام هنا. السلام والسلام في العالم، مرتبط حميميا بديمقراطية لا يقف النضال من أجلها عند حدود الشعوب التي تعاني من نقص كبير بخصوصها (بشكل عام، البلدان العربية والعالم الثالث) لكن الأمر، يتعدى ذلك إلى شعوب الشمال، قصد توطيد الديمقراطية وتوسيعها لكي تصير أخيرا حقيقة في علاقاتهم مع الجنوب. كما ترون، نبحر في نفس السفينة. إنها معركة تضامن لا يمكنها التطور إلا باعتراف كل واحد منا بكرامة الآخر، ومن طرف الجميع.