بثت قناة الجزيرة قبل أيام مشهدا مؤثرا لطفلة فلسطينية اسمها دلال أبوعيشة حرمها العدو الصهيوني من أعز ما تملك في حياتها .. والديها وإخوانها الثلاثة ، ولم يبق لها من محيطها الأسري الصغير ومن بيت أهلها الذي زارته بعد توقف العدوان سوى قطتها التي وجدتها حية بين الأنقاض تبحث بين ركامه عن شيء ما فقدته هي بدورها متسائلة في صمت ماذا جرى لأهل الدار وأين راحوا لم أعد أسمع لهم حركة ولا صوتا؟! "" فأي ذنب اقترفته هذه الفتاة ذات الثلاثة عشر ربيعا التي نجت من الموت فقط لأنها كانت بمنزل جدتها يوم الفاجعة ، وما هو الخطر الذي كانت تشكله هي وعدد لا يحصى من الأطفال الأبرياء الذي اكتووا بنار هذه الحرب ، حتى تجد نفسها بين عشية وضحاها وحيدة في هذا العالم يتيمة محرومة من دفء أسرتها و حنان والديها ومن أخويها وأختها الصغيرة التي كانت تلعب معها ذات يوم قبل العدوان وتشاركها ألعابها وأفراحها .. دلال التي حكت حكايتها المأساوية لمكروفون الجزيرة وهي تحمل ما تبقي من صور العائلة في بيت جدتها وتقول هذا أخي محمد وهذا سيد وهذه غيداء ، قبل أن تجهش بالبكاء وتضيف بألم وحرقة لقد أصبحت الآن يتيمة ماذا فعلت لليهود حتى يقتلوا أهلي ؟ مقابل هذه الدموع الصادقة المعبرة عن مأساة هذه الطفلة الفلسطينية المكلومة ، طالعتنا قبل أيام صحيفة معاريف الاسرائيلية بحوار مطول مع مجرم الحرب والفاسد أولمرت ، دافع من خلاله عن سياساته الفاشلة متحدثا عن هذه الحرب التي خاضتها وحدات جيش اسرائيل على الارهاب الفلسطيني ، منتشيا بانتصاره على الأطفال والنساء ومبررا ذلك القصف العشوائي والدمار والخراب الذي ألحقه بالشعب الفلسطيني قائلا : عندما تنتصر فإنك تلحق تلقائيا الضرر بقدر أكبر مما يقع عليك من ضرر لم نكن نريد أن نخسر هذه الحملة ماذا كنت تريد ، أتريد مقتل المئات من جنودنا ؟ قال هذا الكلام الذي يعبر عن وحشيته وغطرسته قبل أن يعود لتدارك الموقف والتعبير عن أسفه لما جرى والحديث عن الجانب الانساني في حياته ووجدانه ويقول : " لكنني بكيت عندما شاهدت ذلك من منكم لم يبك لذلك " وكان يقصد مشاهدته عبر لقطات تلفزيونية حية لصراخ أب فلسطيني بعد مقتل أطفاله الأربعة خلال الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة . فماذا عسانا نقول لهذا التمساح المفترس الذي حاول خداع العالم بدموعه ، ماذا نقول لهذا السفاح الذي يقتل الميت ويمشي في جنازته ؟ سوى أن نطلب من الله جل جلاله أن يسومه سوء العذاب في الدنيا قبل الآخرة ويلحقه برفيق دربك صاحب الجثة الضخمة والسجل الحافل بالمجازر شارون الدموي الذي دخل في غيبوبة منذ مدة وفي موت سريري حتى عافه الأطباء وضاقت به جنبات المشفى الذي يرقد فيه . نسأل الباريء عز وجل أن يلحقه به عاجلا وينزل عليهما جميعا وعلى قومهم الطاغين لعنته إلى يوم الدين . نفس هذا الخداع والتضليل حاول شمعون بيريز ممارسته علينا وهو يجيب ببرودة أعصاب السفاحين على أسئلة مذيع النشرة الاخبارية بقناة الجزيرة التي حل ضيفا ثقيلا عليها ذات مساء أسود من يوميات العدوان على غزة حين قال بأن اسرائيل لا تريد من وراء هذه الحرب قتل المدنيين في غزة ، بل تريد لأطفال غزة ونسائها ومسنيها أن يستنشقوا هواء نقيا وتريد لهم أن يعيشوا تحت سماء صافية وأن قادة اسرائيل يحرصون على حياة المدنيين بغزة ويحترمونها ، وأن اسرائيل تشن حربا فقط على المقاومين الارهابيين على حد تعبيره ! ولم يكن المسكين يعلم أن كوموندو الجزيرة في نشرة ذلك المساء قد نصب له كمينا من خلال استدراجه إلى حوار منقول على الهواء ومساءلته عن سبب قتل الأطفال والنساء والشيوخ بكل تلك الفظاعة والبشاعة ليطلق العنان لأوهامه وبراعته في الكذب وقلب الحقائق مغتنما الفرصة السانحة لتضليل الرأي العام العربي والدولي وقبلهما الرأي العام الداخلي الاسرائيلي . لم يظن هذا الحمار الوحشي المستدرج أن القناة التي استضافته ، وبفضل ذكاء طاقمها الصحفي وبراعة والقائمين عليها والفنيين العاملين بها ، ستلجأ بعد أقل من ساعة من ذلك إلى الخروج بشريط تركيبي يجمع بين كلامه الكاذب وما يجري على الأرض . بين الهواء النقي الذي تكلم عنه ورائحة الموت والخراب والقنابل الفوسفورية التي تقطع الأنفاس . بين السماء الصافية التي تحدث عنها وبين أعمدة الدخان المتصاعد ومهرجان الألعاب النارية والقنابل المضيئة التي حولت ليل غزة إلى نهار والتي أطلقت احتفالا وابتهاجا بقدوم العام الميلادي الجديد . بين كلامه عن حرص اليهود على حياة المدنيين المسلمين وبين صور الدماء والأشلاء المتناثرة هنا وهناك وأطياف كل تلك الأرواح التي أزهقت وصعدت إلى السماء بين الدقيقة والأخرى . وكم كان وجه هذا القذر بشعا والعالم يستمع لكلامه ويتفرج على جرائم الدولة التي يجلس على هرم السلطة بها بحق الأبرياء الفلسطينيين ، وكم تشوه وتشوهت معه صورة الدولة العبرية العنصرية في وسائل الاعلام المحلية والدولية . فشكرا لقناة الجزيرة التي أوقعت هذا الوغد في كمينها المحبوك ، وحولت كلامه الذي أراده أن يكون ضحكا على الذقون وتشفيا في الضحايا والأبرياء إلى كلام فارغ يبعث على الامتعاض والغثيان . شكرا لها باسم كل الملايين الذين تابعوا هذه العملية البطولية ، وشكرا لكل تلك الصورالمؤلمة التي كانت تبثها بين الفينة والأخرى كفواصل صارخة وشواهد حية على فظاعة العدوان . شكرا لها لأنها حاصرت الإعلام المتصهين وفي مقدمته قناة العربية المملوكة لآل سعود التي تحاملت بشكل مفضوح على المقاومة وتآمرت عليها ، وحاولت عبثا تأليب الرأي العام العربي على المجاهدين . شكرا لفضحها الخونة والمتخاذلين وتجار السلام حتى نالت حب وإعجاب الجميع واعتبرها أحد المعلقين بأنها أعظم إنجاز حضاري حققه العرب والمسلمون بعد سقوط الخلافة الاسلامية . شكرا لها على الدورالهام الذي لعبته لنصرة الشعب الفلسطيني ودعم المقاومة لتحقيق نصر تاريخي على رابع أقوى جيش في العالم ، هذا النصر الذي تحقق بفضل الله أولا ونعتبر قناة الجزيرة شريكا أساسيا مع المقاومة في صنعه وإنجازه . شكرا لفسحها المجال من خلال مراسليها لأولئك الأطفال المعجزات الذين أبهروا العالم برباطة جأشهم وقدراتهم الفائقة على الوصف والتعبير والتأثير ، وهي شهادات إثبات تعتبر لوحدها أدلة دامغة لإدانة مجرمي الحرب الصهاينة في عدوانهم الأخير على قطاع غزة . شكرا لكل أولئك الرجال والنساء من فريقها الصحفي المتميز الذي اشتغل بمهنية وكفاءة عالية وسلط الأضواء على الأحداث وتطوراتها . شكرا لمحمد كريشان الذي تابعناه ذات يوم وهو يقمع أحد الصهاينة ويقول له عفوا سيدي لن أسمح لك بتجاوز حدودك وإهانة الاسلام والمقدسات الدينية وأوقف الاتصال به فورا . شكرا لفيروز زياني وهي تقلق قادة فتح والسلطة برام الله بأسئلتها المحرجة وتضعهم أمام الأمر الواقع لتخرص ألسنتهم بذكائها وسرعة البديهة لديها وردها الصارم . شكرا لجمال ريان الذي أذرف الدموع .. شكرا لكل تلك الشموع التي احترقت على مدار الساعة لكي تنير لنا الدرب و توصل إلينا الحقيقة كما هي .. شكرا لحسن جمول وليلى الشايب وإيمان عياد وجمانة نمور واللائحة طويلة ، فقناة الجزيرة خزان لا ينضب مليء بالكفاءات والطاقات التي غادرت إلى الدوحة بحثا عن آفاق مريحة للعمل والإبداع بعيدا عن الجمود وقيود الرقابة والتعتيم المفروضة على وسائل إعلام بلدانها البئيسة . أقول هذا الكلام وتحضرني بشكل بديهي حالة المذيع المغربي المتألق عبد الصمد ناصر الذي أبلى البلاء الحسن بدوره في هذه المعركة ، ورفع رؤوسنا عاليا كمغاربة بالكفاءة التي أبان عنها في إدارة الحوار مع مختلف الفرقاء بمن فيهم الصهاينة ، وبمشاعره الإنسانية وحسه الوطني والقومي الراقي الذي استحق عليه كل الشكر والتقدير والتنويه .. شكرا لشبكة مراسلي الجزيرة المنتشرين بمختلف أنحاء الأراضي المحتلة الذين أدوا واجبهم الإعلامي بصمود وشجاعة وبروح إنسانية عالية من مستشفى الشفاء ومن مواقع القصف الصهيوني ونقلوا لنا بالصوت والصورة معاناة إخواننا في غزة بأدق تفاصيلها ، معرضين أنفسهم وحياتهم لخطر القذائف التي لم تكن تفرق بين صحفي و مقاتل من صفوف المقاومة المسلحة . شكر خاص للمراسل الشاب تامرالمسحال الذي استقطبته قناة الجزيرة حديثا من ال بي بي سي . تحية إكبار له وهو يقضي ساعات طوال في المشفى في انتظار وصول إصابات جديدة لينقل لنا شهاداتها ، ويروي لنا من كل ركن من أركان المشفى حكاية ومن فوق كل سرير من أسرته فاجعة ومأساة . شكرا لوائل الدحدوح الذي عبر عن تعاطفه الشديد وبالغ تأثره بما يحدث لأهل غزة واشتغل بصمود وتفاني إلى الحد الذي لم يجد معه طعما للنوم والراحة ولا حتى فسحة من الوقت كي يحلق ذقنه ، فكان يبدو أما الكاميرا متعبا مرهقا من شدة الوقوف ومن هول ما يرى ويسمع من قصف ودمار . شكرا لهبة عكيلة وسمير أبوشمالة وماجد عبد الهادي وإلياس كرام وشيرين أبو عاقلة وجيفارا البديري ولائحة المراسلين تطول كذلك .. ولا شكرا ولا تقديرا منا في الأخير ، لأولئك الصحفيين الذين كانت تقاريرهم تصل إلينا باردة ولا نلمس فيها شيئا يدل على انتمائهم للوطن العربي وعلى وقوفهم في صف المظلومين بسلاح الصورة والكلمة ، وأخص بالذكر هنا ذلك الإعلامي المشبوه الذي يسمونه كبير مراسلي الجزيرة بالأراضي الفلسطينية ومدير مكتبها هناك . هذا الوليد العمري الذي كانت كل تقاريره وتدخلاته على الهواء سلبية بكيفية لا تساير تقارير نظرائه من الجانب الاسرائيلي الذين رأينا كيف يتفاعلون مع الأحداث ولا يخفون تعاطفهم مع مواطنيهم وقضية شعبهم اللقيط ، وكان منها ما يقلل بشكل مفضوح من شأن الصواريخ (العبثية على حد تعبير المجاهد الكبير والأخ المناضل محمود أبو مازن) التي كانت تقصف مستوطنات العدو وقواعده العسكرية وتطلقها فصائل المقاومة لزعزعة الأمن والاستقرار في نفوس الجنود الاسرائيليين وقطعان المستوطنين اليهود. شاهد قصة دلال الفلسطينية