صدر حكم جديد ضد «المساء» يقضي بتغريمها 600 ألف درهم لفائدة المحامي محمد زيان على مقال صدر بالجريدة اعتبره المشتكي قذفا في حقه ومسا بسمعته. والحق أن المقال الإخباري موضوع الدعوى لم يتجاوز حدود إخبار الرأي العام بمقال افتتاحي سجله المحامي سيدي خويا ضد زيان ونقلت «المساء» بالحرف مضمونه، مصحوبا برأي محامي زيان الذي يدافع عن موكله ويبرئه من المنسوب إليه. هذا ولم يتضمن المقال الإخباري أي تعليق للجريدة ولا أي زيادة من عندها، لكن زيان الذي أعرب عن نيته في إقفال «المساء» واعتبر خطها إجراميا رأى في نقل مضمون المقال الافتتاحي، المعروض على أنظار المحكمة، مسا بشخصه ولم يشفع للجريدة أنها نقلت وجهتي نظر الطرفين معا وفي نفس المقال ولا كون وظيفتها الرئيسية هي إخبار الرأي العام بما يجري بأمانة وموضوعية. والغريب أن القضاء سار على درب «تجريم» جوهر العمل الصحافي، ولم يقتنع بكل الحجج التي ساقها دفاع جريدة «المساء»، ومنها أن زيان شخصية عمومية وأن الشكوى المرفوعة ضده موجودة وليست مختلقة، «قدمنا صورة منها إلى القاضي»، وأن قانون الصحافة لا يجرم نقل فحوى الدعاوى المرفوعة على الأشخاص، لأن الصحافة لا تصدر أحكاما وأن القضاء هو صاحب الكلمة الفصل، وأن الصحافة وظيفتها أن تضع أمام القارئ كل عناصر الأخبار، ومادامت «المساء» قد عرضت وجهتي نظر الطرفين المشتكي والمتشكى به، فإنها لم تخرج عن القانون ولا عن قواعد المهنة، وأن المقال الإخباري بطبيعته لا يتضمن رأيا ولا تعليقا، ومن ثم فإن تهمة القذف باطلة، ولو كان ل«الجريدة» سوء نية لما اتصلت بدفاع زيان وطلبت رأيه في النازلة... إن الجسم المهني كله أمام تحدي نزع فتيل المواجهة بين القضاء والصحافة، قضاء يدفعه عدم المعرفة الكافية بآليات اشتغال الصحافي إلى التجريم المسبق، ويدفعه عدم تشبعه بقيم الحرية ودور الصحافة في بناء المجتمعات والاضطلاع بدور الرقابة المعنوية على أصحاب القرار إلى التبرم من اتساع هامش الحرية، ويسوقه مناخ يصور ل«القضاة» أنهم في مرمى مدفعية الصحافة إلى التكتل ضد العدو المشترك، هذا دون الحديث عن أسلوب التعليمات والأوامر السلطوية التي تسخر القضاء لقتل مؤسسات العمل الصحافي كما وقع في نازلة 600 مليون... إن الصحافة ليست فوق القانون، كما أن القضاة والمحامين والأطباء والسياسيين ليسوا فوق القانون وفوق النقد الصحافي... إن ممارسة المهنة أصبحت في خطر، وإن قيودا جديدة توضع أمام تطور مهنة المتاعب، وإن قلاع الجمود والرجعية والانغلاق تفرض شروط لعبها على الجميع ولهذا لابد من التكتل لتعديل قانون الصحافة، في اتجاه إعادة تعريف جرائم الصحافة، ووضع «باريم» محدد للتعويض يتناسب مع الضرر، ويراعي الحفاظ على مؤسسات العمل الصحافي التي توصف اقتصادياتها بالهشة. ولا بد من الدفاع عن استقلالية القضاء وإحداث محاكم خاصة تمتلك ما يكفي من المعرفة والجرأة في التعامل مع مثل هذه القضايا. وظيفة القضاء أن يحمي الصحافة من نفسها ومن أعدائها، لا أن يتخندق في صفوف المحاربين القدامى والجدد ضد فك أغلال السلطوية والفساد عن المجتمع، وإطلاق طاقاته الحية وتعرية جروحه تحت الشمس لتندمل لا أن يغطيها لتتعفن... أملي أن يقرأ الجيل القادم كتاب أحكام القضاء ضد الصحافة ويستغرب كيف أن زمنا مر على المغرب كانت هذه فصول تاريخه، إذا لم يستغرب الجيل القادم هذه الأحكام فمعنى ذلك أنه مازال يعيش ما عشناه وذلك سيكون أسوأ حكم على الإطلاق. أملنا في الغد كبير...