مرة أخرى تصدر وثيقة عن المندوبية السامية للتخطيط ترسم صورة قاتمة عن وضعية سوق الشغل بالمغرب. مندوبية الحليمي أصدرت الاثنين الماضي مذكرة إخبارية تضمنت أرقاما جد سلبية عن القدرات التشغيلية للاقتصاد المغربي في الفصل الثالث من السنة الجارية. المثير أن المذكرة الحديثة تكاد تكون صورة طبق الأصل في سوادها وقتامة أرقامها لمذكرة مماثلة همت الموضوع ذاته في الفصل الثاني من السنة الجارية. عجز المغرب في الفصل الثالث من السنة الجارية عن تقديم عرض كاف من فرص الشغل يلبي الطلبات المتزايدة على العمل. هذا ما كشفت عنه مذكرة إخبارية أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط، صبيحة الاثنين الماضي، بشأن وضعية سوق الشغل في المغرب في الفصل الثالث من السنة الحالية. وواصل عدد العاطلين عن العمل بدوره ارتفاعه بسبب الفشل في إحداث مناصب جديدة تستوعب الزيادة الحاصلة في عدد السكان الناشطين خلال الفترة سالفة الذكر. إذ انضاف إلى طالبي الشغل أزيد من 106 آلاف مواطن. وأكدت المندوبية، التي يترأسها أحمد الحليمي، أن هذه المستجدات أفضت إلى زيادة في عدد العاطلين عن العمل من إجمالي السكان النشيطين بحوالي 50 ألف شخص. إذ انتقل عدد العاطلين من مليون و49 ألف شخص خلال الفصل الثالث من سنة 2011 إلى مليون و99 ألف عاطل خلال نفس الفترة من سنة 2012. وبلغ حجم السكان النشيطين البالغين، وهم الأشخاص البالغون من العمر 15 سنة على الأقل، نحو 11 مليونا و647 ألف شخص خلال الفصل الثالث من سنة 2012. إذ تم إحداث 95 ألف منصب شغل مؤدى عنها خلال هذه الفترة، نتيجة إحداث 40 ألف منصب بالمدن و55 ألف منصب بالقرى، فيما عرف الشغل غير المؤدى عنه انخفاضا ب51.000 منصب بالمناطق القروية وارتفاعا ب 12 ألف منصب بالمناطق الحضرية، أي ما يعادل 39 ألف منصب مفقود على المستوى الوطني، علما بأن أبرز المناصب المفقودة غير المؤدى عنها سجلت أساسا بقطاع «الفلاحة والغابة والصيد»، وبلغ نزيف مناصب الشغل في هذه القطاعات 27 ألف منصب. أرقام الأزمة أكدت المذكرة أن عدد السكان النشيطين عرف منذ بداية السنة الجارية تزايدا قدر ب0,9 في المائة مقارنة مع مستهل سنة 2011. وكانت الزيادة أكثر أهمية في المدن مقارنة بالقرى. إذ رصدت زيادة في عدد السكان النشيطين المستقرين في الحواضر وصلت إلى 1.6 في المائة في ظرف سنة واحدة مقابل 0.2 في المائة فقط في العالم القروي. وقوبل هذا الارتفاع في أعداد السكان النشيطين بتراجع ملحوظ في معدل النشاط بنسبة وصلت إلى 0.4 في المائة، حيث انتقل من 49,1 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2011 إلى 48,7 في المائة خلال نفس الفترة من سنة 2012. وعلى ضوء هذه المعطيات، سجل معدل البطالة على الصعيد الوطني ارتفاعا قدرته مندوبية الحليمي بنسبة 0.3 في المائة، حيث انتقل من 9.1 إلى 9.4 في المائة. وتباينت الزيادة المسجلة على صعيد هذا المؤشر بين العالمين القروي والحضري، إذ رصدت زيادة أقوى في المدن مقارنة بالقرى. وارتفعت البطالة في العالم الحضري بوتيرة مماثلة للارتفاع المسجل على الصعيد الوطني، أي بنسبة 0.5 في المائة، بعد انتقال معدلها من 13.5 إلى 14 في المائة، في حين رصد ارتفاع طفيف في المعدل نفسه في الوسط القروي، حيث لم تتعد الزيادة المسجلة من قبل مصالح المندوبية السامية للتخطيط نسبة 0.1 في المائة. وكان لافتا كذلك تسجيل أكبر ارتفاع في معدل البطالة لدى الشباب الحضري، وأعمارهم تتراوح بين 15 و24 سنة. وقدرت نسبة التراجع بحوالي 2,8 في المائة، بعد بلوغ معدل بطالة هذه الفئة العمرية 32.4 في المائة في الفصل الثالث من سنة 2011 مقابل 35.2 في المائة في الفترة ذاتها من السنة الجارية. وفي ظل هذه الأرقام الموسومة بالأزمة، كشفت المندوبية السامية للتخطيط أن المغرب أفلح، رغم صعوبة الظرفية الراهنة، في خلق 95 ألف منصب شغل في الفصل الثالث من سنة 2012، غير أنه خسر، في المقابل، زهاء 39 ألف منصب، وهو ما يعني أن المغرب لم يرفع قدراته التشغيلية سوى بنحو 56 منصب شغل. وسجلت مناصب الشغل المحدثة أساسا في قطاعي الخدمات والفلاحة. الأول خلق 124 ألف منصب شغل والثاني أحدث 19 ألف منصب مماثل. وهمت المناصب المحدثة على مستوى قطاع الخدمات على الخصوص فروع «الخدمات الشخصية» بحوالي 65 ألف منصب جديد، و«التجارة بالتقسيط وصيانة الأدوات المنزلية» ب50 ألف منصب. ورغم ذلك رصدت نقطة سوداء في قطاع الخدمات. يتعلق الأمر ب»النقل البري» و«الخدمات المقدمة أساسا للمقاولات»، التي تبقى أهم فروع النشاط على مستوى قطاع الخدمات، والتي سجلت تراجعا في حجم التشغيل بلغ 22 ألفا و19 ألف منصب مفقود في القطاعين على التوالي. في المقابل سجلت أقوى خسائر مناصب الشغل في قطاع الصناعة مع احتساب الصناعة التقليدية. وسجل تراجع في حجم التشغيل في القطاع الصناعي بنسبة وصلت إلى 3.3 في المائة. وكانت الخسائر السمة الطاغية في قطاع البناء والأشغال العمومية. فرغم أن هذا القطاع يشغل كتلة هامة من السكان النشيطين، فقد خسر في الفصل الثالث من السنة الجارية نحو 40 ألف منصب وتراجعت قدراته التشغيلية بنسبة ناهزت 4 في المائة. وكانت دراسة عربية صدرت في نهاية الفصل الأول من السنة الجارية دقت ناقوس خطر النزيف الذي تشهده مناصب الشغل في قطاع الصناعة بالمغرب، وخلصت إلى الحاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لوقف النزيف. وأفادت الدراسة ذاتها بأن صناعة المغرب فقدت إلى غاية شهر مارس الماضي ما يعادل 10 في المائة من إجمالي مناصب الشغل المحدثة بها، متبوعة بالقطاع الفلاحي والبناء والأشغال العمومية. ولم يسجل أي قطاع زيادة في قدراته التشغيلية في الوسط الحضري باستثناء الخدمات والفلاحة والغابات والصيد البحري. فالخدمات أحدثت 101 ألف منصب شغل وقوت بذلك مناصب الشغل المحدثة بها بنسبة 3 في المائة، في حين خلقت القطاعات الأخرى 30 ألف منصب جديد ورفعت إجمالي فرص العمل المتاحة بها بنسبة قياسية وصلت إلى 14.5 في المائة. وبخصوص الوسط القروي، تم إحداث 40 ألف منصب شغل جديد. وأرجعت المندوبية السامية للتخطيط هذه الزيادة في عدد المناصب إلى الانتعاشة التي رصدت في قطاع الخدمات، والتي مكنت من التقليل من تداعيات المناصب المفقودة في العالم القروي في كل من الفلاحة والبناء والأشغال العمومية والصناعة، ولا سيما الصناعة التقليدية. بروفايل العاطل تؤكد المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الأخيرة أن أربعة عاطلين من بين خمسة، أي ما يعادل 80 في المائة منهم، يقطنون بالمدن، وأن اثنين من بين ثلاثة، أي نحو 69 في المائة منهم، تتراوح أعمارهم مابين 15 و29 سنة، وأن واحدا من بين أربعة، وهو ما يناهز 67 في المائة منهم، حاصل على شهادة ذات مستوى عال، وأن واحدا من بين اثنين، أي نصفهم، لم يسبق له أن اشتغل. وكشفت المندوبية كذلك أن ما يقارب اثنين من بين ثلاثة تفوق مدة بطالتهم السنة، وشكل هؤلاء 36.4 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2012 مقابل 66,7 في المائة خلال نفس الفترة من سنة 2011. وأرجعت المذكرة الصادرة عن المندوبية هذه الوضعية إلى «توقف نشاط المؤسسة أو الطرد بنسبة 27 في المائة، أو الرغبة في إتمام الدراسة أو التكوين بعد الحصول على شهادة بمعدل 22 في المائة، أو إلى الانقطاع عن الدراسة دون الحصول على شهادة بنسبة تزيد عن 15 في المائة من إجمالي هذه الفئة من العاطلين. الأزمة مستمرة صدرت مذكرة المندوبية السامية للتخطيط بشأن وضعية سوق الشغل بعد نحو 6 أشهر من مذكرتها الأولى بخصوص الموضوع نفسه بعد وصول الإسلاميين إلى الحكومة في المغرب، وتصدرها تحالفا حكوميا مكونا من ثلاثة أحزاب أخرى. والمثير أن المذكرة الأخيرة، الصادرة صبيحة الاثنين الماضي، لم تختلف كثيرا عن الأولى. إذ ظلت الخدمات تتصدر القطاعات الأكثر إحداثا لمناصب الشغل. واللافت أن النقل البري لم يتجاوز مشاكله في الأشهر الستة الماضية بعد أن ظل رهين قائمة القطاعات الأكثر خسارة في ميزان مناصب الشغل. وكانت المندوبية في مذكرة إخبارية لها حول وضعية سوق الشغل بالمغرب في الفصل الثاني من السنة الجارية قد أشارت إلى إحداث عدد صاف من مناصب الشغل قدر ب 112 ألف منصب، وهو ما يكشف عن تراجع ملموس في عدد المناصب المحدثة في الفصل الثالث بصرف النظر عن المناصب المفقودة التي واصلت وتيرتها التصاعدية. أوجه التشابه بين الوضعيتين تمتد أيضا إلى ما رصدته كلتا المذكرتين من تفاوت بيّن في تطور سوق الشغل بين العالمين الحضري والقروي. ففي المدن سجلت وقتها أكبر خسائر مناصب الشغل في قطاع الصناعة، بما في ذلك الصناعة التقليدية. وقد وصل نزيف هذا القطاع من مناصب الشغل إلى 20 ألف منصب. في المقابل تمكنت باقي القطاعات الإنتاجية من إحداث مناصب شغل جديدة بنسب متفاوتة. وتصدرت الخدمات القطاعات المحدثة للشغل بنحو 126 منصب جديد، وآلت الرتبة الثانية للفلاحة والغابات والصيد البحري ب40 ألف منصب شغل، ثم البناء والأشغال العمومية ب16 ألف منصب شغل جديد. غير أن اللافت أن القرى استطاعت أن توقف نسبيا نزيف فرص العمل في الفصل الثالث. ذلك أنها عرفت في الفصل الثاني نزيفا لمناصب الشغل في العديد من القطاعات. وكانت كبرى الخسائر قد سجلت في قطاع الفلاحة والصيد البحري بما يناهز 31 ألف منصب مفقود، تليه الصناعة ب18 ألف منصب مفقود، ثم الخدمات بحوالي 16 ألف منصب شغل. بينما شكل قطاع البناء والأشغال العمومية الاستثناء بتمكنه من إحداث 18 ألف منصب شغل جديد. ولتكتمل الصورة عن الوضعية السابقة لسوق الشغل بالمغرب في الفصل الثالث من السنة الجارية يلزم التذكير بأن معدل البطالة سجل في تلك الفترة تراجعا على الصعيد الوطني بنسبة 0.6 في المائة، بعد تسجيل تراجع في معدل البطالة على المستوى الوطني خلال الفصل الثاني من 2012 إلى 8.1 في المائة مقابل 8.7 في المائة خلال الفترة ذاتها من سنة 2011. وبخصوص بروفايل العاطلين، كان كل أربعة عاطلين من أصل خمسة، وهو ما يعادل 80 في المائة، يقطنون بالمدن، وأن اثنين من بين ثلاثة، أي نحو 68, في المائة، تتراوح أعمارهم مابين 15 و29 سنة، كما أن واحدا من أصل أربعة حاصل على شهادة عليا، وهو ما يناهز 26,2 في المائة من إجمالي العاطلين. وكشفت المندوبية في تلك الفترة أيضا أن ما يقارب اثنين من بين ثلاثة، أي حوالي 67,1 في المائة من العاطلين حاليا تفوق مدة بطالتهم السنة. وتوزعت المناصب المحدثة على صعيد قطاع الخدمات بالأساس بين فروع التجارة بالتقسيط وصيانة الأدوات المنزلية بحوالي 48 ألف منصب، بالإضافة إلى الخدمات الشخصية ب30 ألف منصب والتعليم ب19 ألف منصب.
طريق بنكيران الشائكة نحو إيجاد حلول لمعضلة التشغيل تراهن حكومة عبد الإله بنكيران على خلق 24 ألفا و340 منصب شغل في السنة المقبلة، وفق وثائق مشروع قانون المالية لسنة 2013 الموجود حاليا قيد المناقشة في مجلس النواب. ورفعت الحكومة سقف التحدي لتقليص معدل البطالة إلى 8 في المائة فقط في أفق سنة 2016، ولا سيما أنها حرصت على رصد 50 في المائة من إجمالي المناصب المتوقع إحداثها لقطاعات ذات طبيعية اجتماعية. وفي سياق متصل، يتضمن مشروع قانون المالية تدابير من أجل إنعاش التشغيل، وتهم بالأساس تشجيع المقاولات الصغرى والتشغيل الذاتي وتنمية الاقتصاد الاجتماعي. وتشمل السياسة الحكومية في قطاع التشغيل في السنة المقبلة كذلك تدابير تهم تفعيل وإنعاش العديد من برامج دعم القدرات التشغيلية لمختلف القطاعات. وفي هذا الإطار، يندرج برنامج «إدماج»، الذي يتيح للشباب حاملي الشهادات فرص تطوير مؤهلاته عبر تمكينه من خوض أول تجربة مهنية وإتاحة الفرصة للمقاولات من أجل إغناء تنافسيتها. وينتظر أن يستفيد من هذه البرنامج، وفق مشروع قانون المالية لسنة 2013، زهاء 60 ألف شاب في السنة المقبلة. وسيتوجه هذا البرنامج بالخصوص إلى الأشخاص حاملي الشهادات والعاطلين منذ مدة طويلة.