الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، الشارع الوحيد الموجود ببومية مكتظ بالسيارات والشاحنات التي تأتي من النواحي والضواحي لنقل العمال للاشتغال في ضيعات التفاح، الذي يعد العملة الصعبة التي تصدرها المنطقة والتي لا تستفيد منها للأسف ساكنة بومية. بمجرد أن تطأ قدماك قرية «بومية» بالأطلس المتوسط، حتى تشتم للفقر رائحة أخرى ومذاقا آخر، في ذاك الصباح كانت القرية غارقة في الوحل، بسبب الأمطار التي تساقطت عليها, والتي كانت كفيلة بعرقلة حركة السير وكسر الهدوء المخيم عليها. فتيات ملثمات، متسخات، يلفت انتباهك سحر عيونهن التي تتكلم وراء اللثام، إحداهن وقفت بجانب المقهى تضحك مع أحد الأشخاص بصوت مرتفع وتتحدث معه بالأمازيغية، وهي تنظر إلينا بنظرات ملؤها الاستغراب، قبل أن يرن صوت هاتفها المحمول الذي وضعته بحقيبة مهترئة، أجابت بكلمات مقتضبة ثم ودعت صديقها ورحلت وهي تتعمد الاختباء وراء اللثام الذي وضعته فوق وجهها. الجلوس ساعة في المقهى كفيل بأن يعطيك فكرة عامة عن الوضع في المنطقة، أشخاص يرتدون جلابيب من الصوف بسبب برودة الجو، وكل واحد منهم يحمل في يديه سيجارة، يحتسون الشاي الساخن ويتحدثون بصوت مرتفع وبعضهم يقهقه من شدة الضحك، ويروي وقائع حدثت له أثناء مزاولة عمله في حقول التفاح، ففي هذا الموسم تعرف المنطقة حركة غير عادية فاتحة أحضانها لعمال من مختلف المدن والقرى المغربية، يأتون إلى بومية ويتكدسون في بيوت صغيرة ك«السردين» همهم الوحيد هو البحث عن كسرة خبز طيلة مدة مكوثهم في بومية. بومية والتفاح في الزيارة التي قامت بها «المساء» لقرية بومية التابعة لإقليم ميدلت في التقسيم الإداري الجديد صادفت الكثير من العمال من مدن بعيدة، من بني ملال، وخنيفرة والراشيدية... يشتغلون في جني التفاح، الذي اقترب موسمه من الرحيل، عمال يقدر عددهم بالمئات يتكدسون في مقاهي بومية، يحصون ما جنوه في المساء من دريهمات، وفي الصباح، يستيقظون على الساعة الثالثة، بعدما يكونوا قد قضوا ليلتهم الباردة في بيوت تكترى لإيوائهم طيلة مدة مكوثهم بالقرية «الحزينة»، يحكي أحد الشبان، الذي التقيناه في المقهى الذي كنا نجلس فيه، والذي سرد بالتفصيل معاناتهم، ففي الثالثة صباحا يستيقظون ويخرجون جيوشا ذكورا وإناثا، يصطفون بالقرب من أحد المقاهي، التي يستيقظ صاحبها خصيصا من أجلهم لإعداد الفطور، يحتشدون صفوفا ينتظرون دورهم في الحصول على الفطور الصباحي، مباشرة بعدها ينتظرون قدوم الشاحنات التي تقلهم إلى ضيعات «الإقطاعيين» كما أسماهم، في منظر يشعر المرء بدونيته وانحطاط كرامته، بدون حقوق ولا ضمانات. يقول ياسر، الشاب الأسمر، القادم من بني ملال، إنهم يتوزعون لجني التفاح على حوالي 40 «جردة» من السادسة صباحا إلى الخامسة مساء بدون تأمين على صحتهم، التي قضت عليها المبيدات السامة التي تستعمل في معالجة أشجار التفاح مسببة لبعضهم السرطان . كايدي عبد القادر، المنتمي للنهج الديمقراطي، تحدث عن الوضع المأساوي الذي يعيشه هؤلاء العمال، الذين يتم استغلالهم بمبلغ 60 درهما في اليوم، في الوقت الذي يجني «الإقطاعيون الكبار وأثرياء المدينة» الملايين، مضيفا أن ثمن بيع التفاح يترواح بين 600 مليون و800 مليون سنتيم، مؤكدا أن «هؤلاء لا يؤدون ولو فلسا واحدا للدولة، أما الفقراء فيتم الاقتطاع من أجورهم الهزيلة بحكم أن منطقة بومية مليئة برجال التعليم والصحة، أما الفلاح فعفا الله عنه بسبب الجفاف»، موضحا أن السياسة التي يتم تكريسها في بومية هي سياسة «تفقير الفقير وإغناء الغني». « دمروا الثروة المائية ومع ذلك لا تتم محاسبتهم»، يتحدث كايدي، معبرا عن امتعاضه من الوضع الذي يعيشه في القرية التي أصبح واحدا منها وإن كان قدم إليها مضطرا، بحكم ممارسته لمهنة التدريس، من مدينة الدارالبيضاء. مافيا الأرز رغم الحزن والبؤس المخيم على بومية فهي تزخر بالعديد من المقومات الطبيعية والسياحية التي لا يتم استغلالها بحسب من تحدثنا إليهم، ومن بين الركائز التي هي في طريقها إلى الاندثار، بحسب حقوقيي المنطقة، نجد شجر الأرز، الرئة الحيوية ومتنفس القرية، والذي تسلط عليه، حسب قولهم، «الجبابرة» و«السماسرة»، وأضحى الدجاجة التي تبيض ذهبا، مستغلين «التسيب» الذي يعرفه تدبير القطاع بتواطؤ مع دركيين وقياد بالمنطقة وضواحيها. بومية، يقول كايدي، محاصرة بثروة غابوية مهمة، ولكن هذه الثروة دمرت، بحيث يتم قطع الشجر ليباع بثمن هزيل بلا حسيب ولا رقيب . وفي أثناء الحديث عن هذا الموضوع تم سرد قصة «الفقيه مول الرزة»، وهي قصة معروفة ويتداولها أبناء المنطقة عن رجل في الستينيات من العمر اشتهر بشجاعته وشهامته، لم يسلم من «مافيا الأرز»، بحيث تم إعلامه بأن رجالا شدادا غلاظا يريدون كراء أرضه لاستغلال الغابة بثمن 500 درهم لليوم الواحد، وهي المتواجدة بمنطقة تدعى تانوردي، لكنه رفض، فأغروه بمزيد من المال فرفض، لم يقبل التخلي عن أرضه، فكان مصيره أن أحرقت «المافيا» بيته عن آخره وشردته وأبناءه. اقتصاد الدعارة بشهادة كل من التقيناهم في بومية، فإن القرية تعتمد بشكل كبير على أقدم مهنة في التاريخ لتحقيق الرواج التجاري، فأغلب زائري القرية يبحثون عن بائعات الهوى بأقل ثمن دون الاكتراث بالعواقب، كما أن التجارة تنتعش بشكل لافت وخصوصا الجزارة، ومحلات بيع الألبسة، وبيع الذهب. يقول أيت الحسين، أستاذ مادة اللغة العربية، والذي استقر في بومية لسنوات أن هذه الظاهرة منتشرة كثيرا في القرية، لأنها هي المورد الأساسي للرزق لدى البعض، في ظل الظروف المادية الصعبة والأوضاع القاسية التي تعيشها الساكنة، خصوصا في فصل الشتاء «هناك آباء يزوّجون بناتهم، وبعد شهرين يتم تطليقهن ليتم إرغامهن على ممارسة «البغاء» كما أن هناك أمهات يشجعن بناتهن على الطلاق لتحقيق الغرض ذاته الذي يبقى الهدف من ورائه البحث عن المادة»، فالدعارة هي وسيلة الاسترزاق الوحيدة لدى النساء في بومية في ظل غياب جمعيات تساعدهن على توفير مدخولهن بعرق جبينهن، كما أن الكثيرات منهن لا يفضلن العمل كنادلات في المقاهي أو خادمات في البيوت، لأن بيع لحمهن وإن كان حراما فهو يلبي مختلف احتياجاتهن من مأكل وكراء ولباس، ويجعلهن يعشن في مستويات الطبقة المتوسطة، كل واحدة حسب درجة جمالها ودرجة القبول الذي تلقاه من طرف الزبائن. يقول عبد القادر الكايدي إن «الظاهرة منتشرة بشكل كبير في القرية، بحيث إنك تجد لدى الأم ثلاث بنات يمارسن الدعارة والأب متواطئ والإخوة كذلك، إلى درجة أنهم هم أنفسهم يجلبون الزبائن لأخواتهم»، والسبب يضيف، هو الفقر المدقع الذي يعيشون فيه والذي يجعلهم يطمعون حتى في جسد أقرب الناس إليهم ليصطادوا به «فرائسهم». وعندما نتحدث عن اقتصاد الدعارة فإننا نقصد الليالي الحمراء التي يقيمها أباطرة المخدرات بالمنطقة، يضيف الكايدي «يأتي الزبون ليقيم ليلة ماجنة، يطلب اللحم والخمر والفواكه وكل ما لذ وطاب»، وهذا العمل تنتعش من خلاله المنطقة تجاريا . يضيف صديقه العضو في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان «واحد الحاجة تضحك هنا، في الانتخابات الجماعية الماضية سألت بعض السكان، من ستختارون من النساء ليمثلكن؟ قالوا لي سيدة هنا تملك وكرا للدعارة تأتي بالبنات وتبيع لحمهن». ويضيف عضو الجمعية «في الوقت الذي تجد أن فتاة المدينة تفخر بتعليمها، تجد الفتاة في هذه المداشر تفخر بامتهانها للدعارة»، والسلطات، يضيف المصدر نفسه، متواطئة مع السماسرة في هذا المجال. شارع «الهجّالات» عندما وطئت أقدامنا بومية لم نكن نعلم أن القرية الصغيرة، البئيسة، تعد قبلة للباحثين عن بائعات الهوى والوهم، لكن جولة قصيرة قمنا بها، فضحت الوضع وأوضحت عمق المعاناة التي تتجرّعها نساء «هجالات» إما مطلقات أو عازبات، المهم أنهن بدون سند أو ظهر يحميهن، كل واحدة منهن لها حكاية. دخلنا أزقة ضيقة، عشوائية، أبوابها الخشبية مهترئة، طرقنا الباب، فخرجت متثاقلة، ترتدي سروالا أسود وقميصا أحمر، ووجها ملطخ بجميع ألوان «قوس قزح»، قالت إنها ليست من بومية، وأنها جاءت إليها مضطرة بعد أن تقاذفتها ظروف الحياة الصعبة. سألتها إن كانت متزوجة، فأجابت: «حتى وحدة هنا ما عندها الراجل، احنا هنا تنبعيو ونشريو في لحمنا هادشي لي كاين». اجتمعت النسوة كل واحدة منهن تتميز بمواصفات معينة، فمنهن السمينة، ومنهن النحيفة، منهن الجميلة ومنهن القبيحة، لكن كلهن يتشاركن نفس العمل هو «بيع الجسد»، «الغالب الله» تتحدث أخرى، وعندما سألتها بكم تستقبل الزبون قالت «20 درهم للدخلة وكل واحد على حساب وجهو»، أما ثمن كراء المنزل الذي يتكون من غرفة ومطبخ وحمام فهو 700 درهم شهريا. الجهل والمال «تكالبت الوحوش على القرية من كل الاتجاهات حتى جعلتها تقع في فخ السماسرة والمتاجرين في المخدرات والخمر والنساء»، هكذا تكلم عدناني يوسف، الكاتب المحلي للاتحاد المغربي للشغل، عن الوضع في بومية التي كادت تكون تفاحة الأطلس بفعل المحور والموقع الاستراتيجي الذي توجد فيه، لكنها عوض ذلك تحولت إلى بؤرة سوداء لكل ما هو «مشبوه»، فساد، دعارة، مخدرات، خمر... بفضل طبيعة القرية التي جاءت بين الأطلسين المتوسط والكبير، وبفضل الغابات التي تحاصرها والتي تشكل ملجأ لتجار المخدرات، ومهربيها الذين يقطعون مسافات طويلة مشيا على الأقدام محملين بكميات هامة من المخدرات قصد تهريبها، مستفيدين من طبيعة المنطقة الجبلية للاختباء عن عيون رجال الدرك التي تترصدهم، إذ يستقرون في بومية، ويحيون فيها ليالي حمراء بحضور جميلات المنطقة . ينشط في القرية, كذلك, بشكل كبير ترويج الكحول بمختلف أنواعها، فبومية التي تخترقها شبكة طرقية متوسطة الأهمية، جعلتها توجد في محور يربط بين جنوب المغرب وشماله، لكن الموقع الاستراتيجي بدل أن يستغل لصالح تطوير القرية استغلته، بحسب مصادر من المنطقة، جهات نافذة للإضرار بها وفق الجانب الذي يخدم مصالحها. البرد القاتل مجموعة من العوامل تضافرت حتى أدخلت بومية في عنق زجاجة يصعب أن تخرج منه، بحسب البعض، إلا بالتفاتة ملكية، تعيد الاعتبار إليها. ومن بين هذه العوامل طقسها البارد شتاء، الحار والجاف صيفا، فسكان القرية في فصل الشتاء ينكمشون على أنفسهم كما تنكمش السلحفاة، فشدة البرد تعيق حركتهم وتجعلهم يعيشون ظروفا سيئة جدا، في ظل غلاء ثمن الخشب، فبومية مثل باقي مناطق الأطلس تعرف تساقطات مطرية وثلجية مهمة، حيث إن الحرارة تنخفض إلى ست درجات تحت الصفر . أما من أراد شراء الخشب فعليه أن يتحمل تكلفته التي تترواح بين 100 درهم و150 درهما للقنطار الواحد، وهي التكلفة التي تكفي لمدة ثلاثة أيام كأقصى حد، فالناس في هذه المنطقة ليس همهم الأكل بقدر ما يبحثون عن الدفء، وإلا سيموتون بردا خاصة إذا كان لديهم أطفال. وفي رده على الموضوع, قال مسؤول جماعي في بومية «الجماعة تتوفر على آليات لفك العزلة فقط، وهي لا توفر الحطب، لي بغا الحطب يشريه، وإلى تقاضى ليه يقدر يحرك الحصيرة ديالوا باش يدفا هذا هو الواقع».. يقول أيت الحسين: «أول مرة اشتغلت فيها في بومية كنت مازلت لا أعرف المنطقة جيدا، فتحت الباب فوجدت أكواما من الثلج تغطيه، هربت من ذاك المكان قصد العودة إلى مدينتي الأصلية، لكني وجدت الطريق كلها بيضاء بالثلج فتهت، حتى التقيت سكانا محليين أخذوني واستقبلوني ووضعوا طلاء الحناء على قدمي التي تورمت من شدة البرد». ولأن أزقة القرية غير معبدة، وكلها حفر تتضاعف محنة السكان، مع الأوحال ويجد الأطفال صعوبة كبيرة في الالتحاق بمدارسهم، محنة تزداد في حال انسداد قنوات الصرف الصحي القديمة جدا التي تتجاوز مدتها 30 سنة تقريبا، عندها تغرق بومية وتغمر المياه المنازل العشوائية التي أقيمت بجانب هذه القنوات. زيادة على مشكل الصرف الصحي هناك مشكل رداءة الماء الصالح للشرب، «ماء بومية صالح لأي حاجة إلا للشرب» يقول أيت الحسين، علما أن المنطقة غنية بالمياه الجوفية إلا أن هذه الأخيرة استنزفها أثرياء التفاح يقول المتحدث نفسه. التعليم والبطالة لا توجد معامل ولا مراكز للتكوين المهني في بومية ونواحيها، هناك فقط مدارس وإعداديات تعد على رؤوس الأصابع، وتعاني من تصدعات في جدرانها وهي قبلة للتلاميذ من مختلف أنحاء الجماعات التي تبعد عن بومية بحوالي 37 كيلومترا. يصف أحد المدرسين، الذي التقيناه في مدرسة «تاروكوت» التابعة لجماعة تانوردي، بضواحي بومية، محنة أساتذة التعليم الابتدائي بالعصيبة، فهي تبدأ منذ بداية الموسم الدراسي حتى نهايته، وطرح المتحدث مشكل التواصل بين الأستاذ والتلاميذ الذين يتكلمون الأمازيغية، شارحا أن التواصل معهم يتم بالإشارة في غالب الأحيان، هذا زيادة على أنه كأستاذ يدرس جميع المستويات الابتدائية في حجرة واحدة، في غياب المرافق الرياضية والصحية . وفي فصل الشتاء تتوقف حركة السير تماما بسبب التساقطات الثلجية، فيضطر التلاميذ إلى الاستقرار في منازلهم لأيام، واعتبر أن الطريقة التي تبنى بها المدارس في هذه المناطق هي عبارة عن غرف لتعذيب الأستاذ والتلميذ في غياب وسائل التدفئة، بحيث يظل الكل يرتعد داخل الغرفة طيلة الحصة، زيادة على الكيلومترات التي يجب على الأستاذ والتلميذ قطعها ليصل إلى المدرسة، مما يضطر بعض الأساتذة المعينين، خاصة النساء، إلى الهروب. العدناني يوسف، الكاتب المحلي للجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل أشار إلى عدد المجازين الذين يوجدون في هذه المناطق، والذين استطاعوا إتمام دراستهم في مكناس بعضهم يعاني مرارة البطالة، في ظل غياب فرص شغل، وغياب المؤسسات التابعة للدولة مما يضطرهم إلى الاشتغال كغيرهم في حقول التفاح . شبح المخزن لم تخل الجلسة مع شباب بومية من الحديث عن رياح الربيع العربي التي هبت نسائمها على المغرب، فقد شرحوا لنا أن الرعب والخوف ما زال يسيطر على سكان بومية التي قالوا إنها مازالت تعيش في ظروفا صعبة حيث أوضحوا أن المخزن في هذه القرية التي أصبحت مركزا حضاريا يتعامل مع سكانهامعاملة تفتقر إلي الاحترام، دركيون وقياد، يخالون أنفسهم في سنوات السبعينات, مستغلين فقر وأمية غالبية الساكنة، هذا التعامل المخزني انتقل إلى المركز الصحي بالمدينة، بحيث قالوا إن الطبيبة التي عينت به هي دائمة الغياب ولا تتعامل مع المرضى بإنسانية، علما أنها تقطن بالقرية ذاتها، وخاضوا ضدها وقفات واحتجاجات لكن «لا أحد أعارهم اهتماما». وأكد الحقوقيون أن الحركات الاحتجاجية التي عاشتها المنطقة كانت من أجل المطالبة بالحقوق، في الوقت الذي كانت الوقفات المساندة لحركة 20 فبراير تنظم في ميدلت، معتبرين أن بومية توجد في درك المغرب غير النافع، وأن حركة عشرين فبراير كسرت الطابوهات وحاجز الصمت والخوف، رغم سيل الاتهامات المجانية والدعايات المغلوطة ضدها، حسب رأيهم. كما تحدثوا عن المنع الذي طالهم سواء كنقابيين أو حقوقيين من تنظيم ندوات وحلقات فكرية في دار الشباب الوحيدة بالقرية. وفي الانتخابات، يقول من التقيناهم في مقهى بومية، يتجند السماسرة و«أصحاب الشكارة» للدعاية لرموزهم الانتخابية، إلى درجة أن بعض الناس يضعون صورهم في البيوت تقديسا وخوفا منهم، وهنا أخبرنا بأن بعض القبائل تستغل الشعر الأمازيغي للمديح، بحيث يتنافس الشعراء في نظم أبيات في حق مرشحهم، والعزة تكون للشاعر الذي استطاع تزكية مرشحه من خلال الشعر.
وحيد : الجماعة هٌمشت لسنوات وليس هناك مخطط حكومي لإخراجها من قوقعتها - حدثنا عن بومية؟ تقع جماعة بومية في منطقة جبلية تسمى ملوية العليا على مساحة تقدر ب242 كلم بالجهة الشمالية لسلسة الأطلس المتوسط، تم إحداثها سنة 1961 وكانت تابعة لإقليم الراشيدية إلى غاية إحداث إقليمخنيفرة سنة 1973، وظلت تابعة لهذا الأخير إلى سنة 2009، حيث أصبحت تابعة لإقليم ميدلت، تحدها شمالا جماعة زايدة وايتزر، جماعة تزي نغشوا وتونفيت وغربا جماعة تنوردي واغبالو وشرقا ايت عياش الذي يقع بالنفوذ الترابي لجهة مكناس تافيلالت، تعد بومية ثاني مركز في العمالة يستقطب يد عاملة وهجرة غريبة جدا، مما جعلها عدد سكانها يتجاوز 30 ألفا، فيما يحددهم الإحصاء الذي تعتمده وزارة الداخلية في 12000 فقط. - ماهي نوعية المشاكل التي واجهتكم بعد تقلدك منصب الرئيس؟ عندما تحملنا المسؤولية وجدنا أن ساكنة بومية التي تتجاوز 30 ألفا لها احتياجات كثيرة، لكن الميزانية التي تصل الجماعة ظلت قارة في حدود 235 مليون سنتيم تبعا لإحصاء 2004، لو كنا مركزا محددا ستكون لدينا تجزئات بها مناطق خضراء وإعداديات ومراكز للتكوين المهني، لهذا قررنا تطبيق القرار الجبائي، من خلال استغلال السوق الأسبوعي الذي يعد المورد الأساسي لتغطية المصاريف، بحيث يتم كراؤه الآن ب124 مليون سنتيم، ولكن بالرغم من هذا فالميزانية غير كافية حتى لإصلاح الطرقات وقنوات الصرف الصحي القديمة جدا والتي أثقلت حقيقة كاهل الجماعة. من المشاكل التي صادفتنا، أيضا، هناك مشكل الفياضانات في ظل بنية تحتية متردية ومشكل تدبير قطاع النفايات، فبومية يجب تأهيلها لتصبح مركزا محددا، وهذا يقتضي الزيادة في الموارد البشرية والزيادة في عدد المرافق الإدارية . - ماهي المجهودات التي قمتم بها لتخطي المشاكل التي واجهتكم ؟ قمنا بالاتصال بمكاتب للدراسات التي أنجزت تقارير حول مشاكل بومية وكيفية الخروج منها، بحيث قامت الجماعة بدراسة لإعادة تأهيل بومية قيمتها 26 مليون سنتيم تكلفت بها الوكالة الحضرية بخنيفرة، كما حاولنا الدخول في شراكات لأن الواقع يتطلب البحث عن التمويل من جهات خارجية، خصوصا في ظل الأزمة المالية الراهنة، عملنا كذلك على التنسيق مع الوزارة الوصية لتجاوز وتخطي الإكراهات التي فرضها دخولنا في إقليم جديد، الأمر الذي جعلنا نبدأ من الصفر، في ظل غياب مخطط حكومي كفيل بإخراج المنطقة من قوقعتها، فبومية لكي تصبح مدينة يجب أن تتوفر على 31 مصلحة تبعا لعدد الوزارات، كما يجب أن تتوفر على مستشفيات ومحاكم وإعداديات وثانويات، وهذا لا يمكن في الوقت الحالي، كما تجب الإشارة إلى أننا في هذه القرية غير مستفيدين من مداخيل التفاح التي تتجاوز المليار سنتيم، وكذا مداخيل رؤوس الأغنام، كما أن بومية تتوفر على مجموعة من المميزات من طاقة بشرية وسياحة جبلية, تجمع بين ما هو جبلي وصحراوي وطريق تجارية, ولكنها همشت لسنوات وهي في حاجة لرد الاعتبار إليها ورفع الضرر عنها. محمد وحيد رئيس جماعة بومية