حتى وقت قريب كان جل خبراء التربية في أوروبا يدعون الشباب إلى تأخير الزواج لأنه مسؤولية كبيرة لا يستطيع اليافعون تحملها في مقتبل العمر، وكانوا ينصحون بتأخيره قدر الإمكان حتى يصبح الشاب أكثر نضجا وتعقلا، لكن واقع الحال كشف لهم بالملموس خطأ هذه النظرية، فأصبحوا يدعون بشكل مباشر وصريح إلى الزواج المبكر، باعتباره الحل الأوحد لتخليص المجتمع من المشاكل الجنسية التي تقتل ملايين الناس كل سنة. فعندما تفاقمت مشكلة الإيدز والأمراض الجنسية التي أصابت ملايين الناس في العالم بسبب العلاقات غير الشرعية والابتعاد عن الزواج، بدأ جل علماء الاجتماع والمربين ورجال الدين في أوروبا يشددون على ضرورة أن يكون الزواج مبكراً باعتباره الوسيلة الأنجع للحفاظ على صحة الشاب وإنقاذه من موت محقق في حال استمراره في العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. فقد وجد العلماء أن الزواج المتأخر، الذي يحدث بعد سن الأربعين، له مساوئ اجتماعية ونفسية كثيرة، واكتشفوا أن الحالة النفسية للإنسان تتحسن كثيراً عندما يكون له زوجة وأولاد، كما لاحظت بعض الدراسات أن غير المتزوجين من كبار السن يكونون أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية والاضطرابات النفسية. في نفس الإطار جاءت بعض الدراسات الأخرى لتؤكد على ضرورة إشباع الجانب العاطفي لدى الإنسان كشرط لتمتعه بصحة أفضل، وأكدت أن المتزوجين يكونون في الغالب أكثر سعادة من العزاب، ويتمتعون بجهاز مناعي أقوى من أولئك الذين فضلوا العيش وحيدين من دون زوجة، وهنا تتجلى عظمة الخالق وحكمته عندما قال: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]. فهذه الآية تشير بوضوح إلى الاستقرار النفسي الذي يحدث لدى الإنسان بعدما يتزوج من خلال كلمة (لِتَسْكُنُوا)، كذلك تشير الآية إلى إشباع الجانب العاطفي من خلال قوله (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، وهذه معجزة علمية لم يكن أحد يدركها، حيث كان الرهبان يظنون أن الزواج ضار بالإنسان، ولذلك كانوا يعزفون عنه، وفي هذا الصدد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا رهبانية في الإسلام). فضائل الزواج وفي دراسة أخرى تبين أن الإنسان المتزوج يكون أكثر قدرة على العطاء والإبداع، وأن المرأة المتزوجة تصبح أكثر قدرة على الإبداع والعاطفة والعطاء. كما اتضح أن غير المتزوجين من كبار السن تكون لديهم ميول عدوانية بنسبة أكبر من غيرهم، وميل كبير إلى التفرد والعزلة، وذلك بسبب مخالفتهم لسنن الكون والطبيعة. أما آخر الدراسات التي أجريت في هذا الصدد فقد نشرتها جريدة «ديلي ميل» البريطانية حول ظاهرة غريبة لاحظها باحثون في جامعة Aarhus الدانمركية، حيث وجدوا بعد دراسة طبقت على مائة ألف طفل، أن الأطفال الذين يولدون من أب صغير السن يعمرون أطول من غيرهم، وأن الزواج المتأخر يؤدي إلى إنجاب أطفال لديهم نسبة أكبر من الاضطرابات. وأثناء مراقبتهم لهؤلاء الصغار وإجراء إحصائيات دقيقة عن صحتهم، لاحظوا أن الأطفال الذين ماتوا قبل إتمام السنة الأولى من عمرهم كانوا 831 طفلاً، وكان معظمهم من آباء تأخروا في زواجهم. كما اكتشفوا أشياء أخرى في الدراسة مثل الاختلافات في نسبة الذكاء وغير ذلك، وهذا ما دعاهم إلى التحذير من مخاطر التأخر في الزواج، وجاء في الدراسة التحذير التالي: «نحن نحذر من أن الأبوة المتأخرة تحمل مغامرات خطيرة وعميقة لا يدركها معظم الناس». في هذا الصدد أيضا تشير بعض الدراسات إلى أن جسد كل واحد منا يحتوي على ساعة حيوية خاصة بالزواج، وأن هناك توقيتا وعمرا محددا ينبغي على الإنسان أن يتزوج فيه، أي في العشرينات أو أكثر بقليل، وإذا ما تأخر في هذه الخطوة فإن ذلك سيؤثر على خلايا الجسد وعلى النطفة والبويضة، وبالتالي سيكون هناك احتمال أكبر لمشاكل نفسية وجسدية تصيب المواليد.