قالت خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إنه لا وجود لكلمة «الحلفاء» في قاموسها، مؤكدة أن الجمعية مستقلة عن جميع الأحزاب. وجددت الرياضي، في هذا الحوار الذي أجرته معها «المساء»، موقف الجمعية من النزاع في الصحراء، مؤكدة أنها نقطة الخلاف الوحيدة بين منظمتها وباقي المنظمات الحقوقية المغربية. كما اتهمت الدولة بمعاداة الحركات الحقوقية، وخاصة الجمعية، وتعريضها لحملات تشويه وتحريف عبر الإعلام العموميّ، مشيرة إلى أن حرية التظاهر والتعبير تراجعت في ظل حكومة عبد الإله بنكيران. - تحدثت، في إحدى الندوات الصحافية، عن ضرورة إلغاء الفصل ال490 من القانون الجنائيّ الذي يعاقب كل رجل وامرأة أقاما علاقة خارج إطار الزواج، وجاء رد الفعل من طرف أصوات غاضبة بأن ذلك محاولة لإشاعة الفاحشة بين الناس، ما جعلك في مواجهة مع المجتمع المغربي قبل الدولة؟ أولا، ما يسميه البعض «الفاحشة»، أي العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، منتشر في المجتمع وليس نحن من ينشره، فأغلبية الشباب لهم علاقات جنسية قبل الزواج. أما في موضوع الندوة فيجب أن أوضح ما قيل عن هذا الفصل، لأن الندوة، التي نظمتها الجمعية يوم 16 يونيو 2012 بمناسبة الذكرى ال33 لتأسيسها، لم تكن مخصصة للحديث عن الفصل ال490 ولا عن الحريات الجنسية، بل كانت مخصصة للحديث عن «الحريات ودور الحركة الحقوقية في المغرب»، وقد تمحور عرضي حول دور الحركات الحقوقية في النضال من أجل إقرار الحريات، السياسية والنقابية والديمقراطية بشكل عام، وأيضا، الحريات الفردية، التي لم تولها الحركة الحقوقية أهمية كبيرة.. قلت إنه سبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن طرحت مطالبَ جريئة في هذا المجال، وذكّرت بمطلبنا، إلى جانب منظمة «هيومن رايتس واتش» بخصوص إلغاء الفصل ال489 من القانون الجنائي، الذي يعاقب الممارسة الجنسية المثلية. وقلت إننا تلقينا حينها انتقادا من طرف أحد الحقوقيين المعروفين على الساحة الوطنية، الذي عاتبنا على تجزيء حقوق الإنسان، بالاكتفاء بالحديث عن الفصل ال489 دون المطالبة بإلغاء الفصل ال490 من القانون الجنائي المغربي، وقلتُ إنه كان مُحقّا. وما حدث أن أحد الصحافيين الحاضرين اختصر كلامي في تلك الندوة في ذلك الفصل، ثم انصبّ النقاش في الصحافة كله في هذا الاتجاه، الذي لم يشكل أكثر من 10% من عرضي.. لكن هذا لا يمنع من أن أؤكد أن هذا المطلب هو مطلب مشروع وأن النقاش الذي فُتح كان إيجابيا وفرصة للحديث عن مواضيع يتعامل معها المجتمع بنفاق كبير، فيما تتطلب نقاشا صريحا وهادئا. -لكن خصومك انتقدوا تصريحاتك بهذا الشأن، وهو ما قد يجعلك في مواجهة المجتمع المغربي؟ المجتمع ليس كتلة واحدة، فيه آراء متعددة، وكما كانت هناك آراء منتقدة كانت ثمة آراء مؤيدة، ونحن عموما نحس أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان محتضَنة من طرف المجتمع، لأنها تلعب دورا كبيرا في مؤازرة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، ودورنا هو تشجيع النقاش لتغيير الأفكار المناهضة لهذه الحقوق.. نحن، كحقوقيين، علينا ألا نتراجع أمام هذه الردود الغاضبة، لأن الحركات الحقوقية في العالم لو أخذت بعين الاعتبار الردود الغاضبة لَما تمكّنتْ من انتزاع الحقوق المكتسبة حاليا.. لقد كان المناضلون من أجل الحريات والحقوق أقليات، قبل أن يحققوا تواجدهم في المجتمع وتلقى مطالبهم الصدى والقبول لدى الآخر. - يعتبر المعارضون لكم أن مسألة كونية وشمولية حقوق الإنسان التي تتشبث بها الجمعية تتنافى وأحكام الشريعة، ويؤكدون أنها مرفوضة من طرف المجتمع المغربي؟ حين نتحدث عن الرفض يجب ألا نتحدث باسم المجتمع المغربي، لأن هناك تنوعا، مع العلم أنه لا يمكن الحديث عن اختيار لدى المجتمع ونحن نعيش في بلد ليست فيه حرية الاختيار، لأن هذه الأخيرة تتطلب تمكين كل الأفكار من نفس الفرص في التعبير والوصول إلى الناس لكي يختاروا عن وعي وسابق معرفة، لأن الشعب المغربيَّ غير متمكن من الاطّلاع الكافي على مضامين حقوق الإنسان بسبب هيمنة فكر معيّن على الساحة عن طريق الإعلام والتعليم والمساجد وأيضا عن طريق التربية والسياسة الثقافية، وكل ذلك يتم في غياب إمكانية التواصل من طرف الجمعيات الحقوقية مع المواطنين والمواطنات بنفس المستوى الذي تتواصل به الدولة معهم، خاصة بسبب هيمنة هذه الأخيرة على الإعلام العموميّ، الذي يعتبر أقوى الوسائل تأثيرا. وأستحضر هنا عرضا قدمتُه ب»سوق السبت» في مكان عموميّ، حول «وضعية حقوق الإنسان في المغرب»، في الفترة التي انطلق فيها النقاش حول الحريات الفردية، وطرح الحاضرون أثناء المناقشة أسئلة حول موضوع الحقوق الجنسية، وأتيحت لي فرصة توضيح مواقف الجمعية المدافعة عن تلك الحريات، حيث تقبّل الحضور بشكل كبير الأفكار الحقوقية التي طرحتُها. وبعد انتهاء الندوة كان هناك من تقدّم إلي وقال بالحرف الواحد: «عادْ فهمنا بشكل صحيح ما تقولون، بعد أن كانت تصلنا المغالطات عنكم عبر وسائل الإعلام». - هل يعني هذا أن هناك «تواطؤا» على ألا تصل أفكاركم إلى الناس بالشكل الصحيح؟ نعم، ليس هناك تكافؤ بيننا وبين الدولة، وكل من يناهضوننا، في وسائل وإمكانيات التواصل، لأن هناك حصارا وإقصاءً للحركة الحقوقية والجمعية بشكل خاص من الإعلام العمومي وبعض الصحف، ونتعرض لحملاتِ تشويه وتحريف لمطالبنا وعملنا، حيث تنشر عنا أمور مغلوطة. - هل تعنين أن عدم التكافؤ هذا يجعل الجمعية في مواجهة مباشرة مع المجتمع المغربي؟ لا نتواجه مع المجتمع، بل مع المناهضين لحقوق الإنسان، وهذا جزء من الصراع الذي نخوضه، وهناك من يستغلون عدم معرفة الناس بحقوق الإنسان، بل يعمقون جهلهم بها ويقفون دون معرفتهم بها، ليستمروا في استغلال الوضع والتمادي في انتهاك تلك الحقوق.. ونحن، كمناضلين حقوقيين، علينا ألا نأخذ موازين القوى بعين الاعتبار، لأن دورنا هو تغيير هذا الواقع وتغيير الأفكار المناهضة لحقوق الإنسان والضغط على الدولة حتى تنشر المعرفة بهذه الحقوق وتحترمها، لأنها ملتزمة بذلك. إن مقولة: «مازال الوقت.. لأن الناس ما فاهماش وخاص الوقت باش تفهم»خاطئة، لأن هذه مقاربة سياسية للأمور، والسياسيون قد لا يثيرون بعض القضايا الحساسة خوفا من فقدان قاعدتهم الانتخابية.. ونحن، كجمعية حقوقية، ليس لدينا هاجس القواعد والأصوات.. نحن هدفنا هو تحقيق تقدم المجتمع، لأن تقدمه رهين باحترام حقوق الإنسان، لذلك نعمل على جعله يتقبل تلك الحقوق في كونيتها وشموليتها، علما أن التذرع بخصوصيات المجتمع ما هو إلا وسيلة للتهرب من إقرار الحقوق، لأن حقوق الإنسان هي الأكثر حرصا على حماية خصوصية الشعوب وثقافاتها. - وجهت، في العديد من تصريحاتك، انتقادات شديدة اللهجة إلى الدستور الجديد، قائلة إن هناك أمورا إيجابية حُذفت من الوثيقة التي كانت تعدها لجنة المنوني بإيعاز من الدولة؟ هناك من قالوا فعلا إن اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور ضمّنتْ مشروعَ الوثيقة أمورا متقدمة وتم حذفها في ما بعد.. وكان الحديث يدور حول اللجنة المذكورة، وكأنها لجنة تأسيسية لديها سلطة وضع الدستور، بينما هي مجردُ لجنة استشارية. وما لم يعجب السلطة الملكية تم حذفه، إذ قيل إن حرية العقيدة تم حذفها تحت ضغط حزب إسلامي، فيما هي إرادة الدولة أولا والتقت مع إرادة أحزاب إسلامية، فكلاهما يوظف الدين في السياسة. الدولة تستعمل، دائما، الأحزاب الإسلامية، ومنها حزب العدالة والتنمية الذي يوجد اليوم على رأس السلطة، في تغيير ما لا يعجبها. -كيف ذلك؟ أعود إلى الوراء قليلا، فالوثيقة التي أطلقت النقاشات المعادية للخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية سنة 1999 وضعها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك، عبد الكبير العلوي المدغري، من خلال لجنة سميت اللجنة العلمية لوزارة الأوقاف، التي قامت بقراءة نقدية وهجومية للشق المتعلق بالحقوق المدنية للمرأة.. وعندما خرجت تلك الوثيقة إلى الوجود شنت الأحزاب الإسلامية، بمقتضاها، حملة شعواء ضد الخطة انطلاقا من وثيقة رسمية. هناك، فعلا، استعمال للأحزاب حتى ترجح كفة التحكيم، علما أن وزارة الأوقاف من الوزارات المسماة «وزارات السيادة».. -هناك دول عريقة في الديمقراطية أشادت بالإصلاحات الدستورية في المغرب، قائلة إن الدستور استجاب لمطالب الشارع المغربي؟ نحن من يعيش في ظل هذا «الدستور الاستبدادي» وليس الرئيس الفرنسي، آنذاك، نيكولا ساركوزي، الذي قام بتمجيده.. فرؤساء الدول الذين يُشِيدون بالديمقراطية في المغرب ويغضّون الطرف عما يجري فيه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان لهم ولمؤسساتهم الاقتصادية مصالحُ في المغرب، وبالتالي ليس من مصلحتهم وجود الديمقراطية في المغرب وليس من مصلحتهم أن يتصرف الشعب المغربي في ثرواته بقراراته الخاصة. -لكن فرنسا كانت لها مصالح في تونس وليبيا ولم تحْم حلفائها هناك؟ لقد خرج الشعب التونسي بقوة وفاجأ الدول الغربية، ومن ضمنها فرنسا، التي ذهبت إلى حد اقتراح تقديم مساعدات أمنية لبقاء الدكتاتور بنعلي.. أما في ليبيا فقد تتبع الجميع التدخلَ العسكريّ الكثيف لدول «الناتو»، ومازال الغموض يلفّ حقيقة ما جرى هناك بالضبط خلال التدخل، ويتطلب الأمر وقتا لكشف الحقيقة. واليوم، غيرت فرنسا وعدد من الدول الأوربية إستراتجيتها مع النخب الجديدة لتضمن مصالحها هناك أيضا.. وأضيف أن تجربة تونس هي الأكثر تقدما في تجارب الربيع الديمقراطي في المنطقة، لأنه رغم صعود الإسلاميين فهو اختيار شعبيّ، وما يزال الشعب متشبثا بالديمقراطية وبأهداف الثورة ويضغط بقوة من أجل عدم التراجع عن المكاسب التي تحققت ومازال معبّأ وينزل إلى الشارع عند الضرورة ويحقق نتائج بنزوله. -تذهب دعوتكم في إطار حقوق الإنسان في بعدها الكوني والشمولي إلى حد إقامة دولة علمانية، وهي دعوة يقابلها الرفض من حلفائكم السياسيين قبل خصومكم؟ نحن لا ننتظر أن تكون لدينا أغلبية داخل المجتمع أو حلفاء في قضايا معينة لنتكلم عنها، نحن نطرح القضايا انطلاقا من المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، فمنطق الحلفاء في الحركة الحقوقية غير وارد لدينا بتاتا، حتى لو كنا وحدنا في الساحة.. وفي نفس الوقت، نحن نؤمن بالعمل الوحدويّ وبتضامن القوى الديمقراطية المؤمنة بحقوق الإنسان أينما كانت، والعلمانية بالنسبة إلينا مطلب حقوقيّ مبني أساسا على احترام حرية المعتقد وفصل الدين عن الدولة، ونعتبرها شرطا ضروريا للديمقراطية، وإن كانت شرطا غيرَ كاف لتحقيقها. - ألا يجعلكم موقفكم من قضية الصحراء في مواجهة مع المغاربة؟ أذكّر، أولا، بموقفنا من النزاع في الصحراء، وهو أولا التعبير عن الاستياء من استمرار هذا النزاع منذ عشرات السنين، مع ما نتج عنه من ضحايا ومن إهدار للطاقات الاقتصادية ومن عرقلة لبناء الوحدة المغاربية المنشودة والتأكيد على ضرورة إيجاد حل ديمقراطيّ لهذا النزاع وعلى ضرورة التصدي لكافة الانتهاكات الناتجة عنه، مهما كان مصدرها، ونفس الموقف تبنّته، بعدنا، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بعد أن أنجزت تحقيقها حول أحداث مخيم «أكديم إيزيك»، علما أن الفدرالية تضمّ تحت لوائها أكثر من 160 منظمة حقوقية، من بينها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وكانت رئيستها آنذاك نائبة لرئيسة الفدرالية.. وقد عبّر التقرير المذكور عن مطلب إقرار حل ديمقراطيّ للنزاع في الصحراء، وهو ليس موقفا سياسيا، بل هو مطلب حقوقي محض.. وعلى ذكر المواجهة مع الشعب المغربي بخصوص هذه القضية، هل أتيحت لهذا الشعب جميع الفرص والسلط كي يناقش بكل بحرية قضية الصحراء وبشكل حر وديمقراطي؟ نحن في دولة غير ديمقراطية، وهناك العديد من القضايا الحساسة تحسم بدون إشراك الشعب المغربي، وبدون إشراك القوى بجميع توجهاتها، وكان ملف الصحراء، دائما، من الطابوهات وأحد الخطوط الحمراء التي تقف عندها حرية التعبير.. -أنفهم من كلامك أنه لو ترك الأمر للشعب المغربيّ فسيقرر غير ما تريده الدولة؟ نتيجة القرار غير مهمة بالنسبة إليّ كحقوقية، ما يهمّ هو طريقة اتخاذه، التي يجب أن تراعي حقوق الإنسان، ومن ضمنها حق الشعب المغربي في تقرير مصيره، والذي لا يتم إلا في إطار إقرار ديمقراطية حقيقة بدءا بالدستور، الذي يعطي السيادة كلها للشعب وبانتخابات ديمقراطية ونزيهة ووجود أحزاب مستقلة وديمقراطية ومشاركة قوية للمواطنين والمواطنات، في إطار جو من الحرية والمساواة بين الجميع.. وأي حل يرضي الجميع ويُجنب المنطقة المزيد من التوتر ويؤسس للديمقراطية والتنمية في المنطقة ولوحدة شعوبها يعتبر حلا ديمقراطيا، ولا يمكن الوصول إلى هذا إلا باحترام حقوق الإنسان في البلدان المغاربية واحترام حق شعوبها في تقرير مصيرها واتخاذ القرارات التي تحمي مصالحها بكل حرية. - كنتم تشتكون من عدم احترام حقوق الإنسان في بعدها الكونيّ في عهد الحكومات السابقة، ماذا سجلتم في هذه النقطة بالنسبة إلى حكومة بنكيران؟ لقد سجلنا تراجعا كبيرا في مجال الحريات، حيث تصاعدت الحملة ضد حرية التظاهر السلمي والتعبير وتواترت الاعتقالات، خاصة في صفوف شباب حركة 20 فبراير، الذين تعرضوا لمحاكمات غابت عنها معايير المحاكمة العادلة. ولسنا وحدنا من يقول ذلك، بل قاله أيضا الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان، الذي يضم 18 هيئة حقوقية، وضمّنوا ذلك في تقرير قُدّم في ندوة صحافية قبل شهر.. لقد تعاملت الحكومة الحالية مع العديد من الحركات الاحتجاجية السلمية عبر المغرب بشكل همجي. وحتى المقرِّر الخاص للأمم المتحدة المكلف بالتعذيب، الذي زار المغرب في الشهر الماضي، وقف على هذه المسألة، حيث صرّح بما عبّرنا عنه بشأن العنف المفْرط وغيرِ المبرّر للقوات العمومية واعتداء أفرادها على المواطنين.. علما أن تدخل القوة العمومية يخضع لمعايير يجب احترامها، وليس من حقها الهجوم والضرب المبرح وإحداث كسور.. إن استعمال القوة يجب أن يعتمد على مبادئ، أولها أن الحرية هي الأصل والتدخل استثناء ويخضع لشروط، من بينها أن الهدف هو حماية المواطن وليس الاعتداء عليه.. وقد اعترف مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، مؤخرا في حوار أجراه مع إحدى الصحف اليومية، بوجود هذه الانتهاكات، حين قال إنه متأكد من أن القوات العمومية في إطار التعامل مع المواطنين تجاوزت القانون. وبتصريحه هذا فهو مُلزَم بفتح تحقيق وإحالة من تجاوزوا القانون على القضاء.. ونحن نطالبه بفتح تحقيق من موقعه كوزير. - سبق لقوات الأمن، التي تصفونها بالقمعية، أن وفّرت لكم الحماية في إحدى المسيرات؟ تقصدين يوم تعرّضتُ لاعتداء من طرف بعض العناصر البلطجية في حي التقدم في الرباط؟ أذكّر، أولا، بأني تعرّضتُ لعنف القوات العمومية أكثر من مرة قبل ذلك اليوم.. ثم إن العناصر التي اعتدت عليّ لا تعرفني والبوليس هم من دلوهم عليّ.. لقد كان سيناريو محبوكا حتى يُنشر أنهم وفروا لي الحماية.. علما أن من واجب القوات العمومية توفير الحماية لكل المواطنين والمواطنات، وإن كانوا من المناهضين لطريقة عملهم.. ثم نحن ليس لدينا مشكل مع عناصر القوات العمومية كأفراد أو أشخاص، وعندما تعرّض رجل الأمن طارق محب للاعتداء من طرف أحد ذوي النفوذ طالبنا، كجمعية، بمعاقبة المعتدي وبجبر ضرر الضحية، وعندما تعرّضتِ القوات العمومية للاعتداء المؤدي إلى الوفاة خلال أحداث «أكديم إيزيك» طالبنا بفتح تحقيق من أجل معرفة من ورّطوا تلك القوات العمومية في مواجهة غير محسوبة العواقب، وطالبنا بمعاقبة المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن تلك الواقعة.. كما طالبنا، مراراً، باحترام كرامة موظفي الدولة، بمن فيهم المكلفون بإنفاذ القانون، أينما كانوا، وبتمكينهم من حقوقهم الشغلية والنقابية ليدافعوا عن مصالحهم. -انتقدت الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، بعد نشره لوائح الدعم الذي تتلقونه؟ نشر تلك اللوائح هو محاولة للتمويه.. وكانت موضوع توظيف سياسيّ واضح. فقد جاءت بعد نشر لوائح «الكريمات»، في جو كان ينتظر فيه الجميع الكشفَ عن المزيد من المعلومات بخصوص المستفيدين من الأموال العمومية واقتصاد الريع، فإذا بالسيد الوزير ينشر لوائح الجمعيات المستفيدة من الدعم الأجنبيّ، علما أننا من ضمن الجمعيات الحريصة على تسيير شفّاف لماليتنا. فجميع الوثائق المتعلقة بالدعم الذي نتلقاه من شركائنا من خارج المغرب نبعث بها إلى الأمانة العامة للحكومة، وملفنا يوضع لدى مديرية الضرائب كل سنة.. وخلال مؤتمراتنا، التي تحضر الصحافة كل مراحلها، يناقَش التقرير الماليّ للجمعية. فقد كان هناك توظيف سياسيّ لذلك النشر استُهدِفت فيه بعض الجمعيات بعينها، التي تتلقى الدعم من هيئات أوربية بشكل خاص، ولم يتمَّ الحديث عن جمعيات تتلقى دعما من دول الخليج بدون حسيب أو رقيب.. وتم التركيز علينا بدعوى أننا نتلقى الدعم من جهات أجنبية أوربية تعارض ما وصفوه بقيّمنا، علما أن العديد من دول الخليج تتعارض قيمها مع قيمنا، وكانت وراء تشجيع الفكر المتطرف وسط مجتمعنا، وهذا الفكر المتطرّف لا يمتّ لثقافتنا بصلة.. -احتضن مقركم ندوة لسفينة الإجهاض الهولندية، وموقفكم واضح بخصوص الإجهاض، ألا يعاكس ذلك التيار العامّ السائد في المجتمع؟ أولا، نحن نمكن العديد من الهيئات من مقرنا، وإن كنا نختلف معها في المواقف أو المنهجية... وبالنسبة إلى موضوع الإجهاض فقد سبق أن عبّرنا عن موقفنا منه في ندوات ومقالات ونعتبره، كذلك، من بين المواضيع التي يتعامل معها المجتمع بكثير من النفاق.. والإجهاض من بين المشاكل التي يجب أن تناقش ونبحث لها عن حلول.. فهناك 800 حالة إجهاض يومية و24 رضيعا يتخلى عنهم يوميا.. وقد صرّحت رئيسة جمعية التضامن النسوي أن 50 في المائة من الأطفال سيولدون خارج إطار الزواج بعد سنوات.. هذه أرقام يجب أن يفتح نقاش حولها مع جميع مكونات المجتمع، فكل شيء قابل للنقاش بعيدا عن الأفكار الجاهزة والأحكام المسبقة والمفهوم الخاص للقيّم والإرهاب الفكري.. فلا يجب أن نغضّ الطرف عن حالات الاغتصاب وزنا المحارم.. والإجهاض حلٌّ لكثير من المشاكل، كما يجب إقرار التربية الجنسية وسط الشباب.. علينا أن نكفّ عن وضع رؤوسنا في التراب كالنعامة ونرفع شعارات لا علاقة لها بالواقع تحت ذريعة احترام ما يسمونه «قيّم المجتمع»، التي تفنّدها الأرقام والمعطيات الحقيقية.. -ما ردك على أنكم كنتم تلعبون دورا من وراء الكواليس في حركة 20 فبراير؟ -نحن لم نلعب خلف الكواليس، بل كنا في العلن، نعلن تأييدنا للحركة، لأن مواقفها تتماشى مع مواقفنا. ويلعب شبان وشابات الجمعية دورا مهمّاً في صفوفها، لأنهم وجدوا أنفسهم فيها، ونحن مع الحركة ونضالنا مستمر ضد الفساد والاستبداد ما دام هذا الوضع لا يزال قائما حتى اليوم. - هل ستشاركون في العام المقبل، في وقفة ضد طقوس الولاء والبيعة؟ النضال ضد تلك الطقوس المهينة ليس سنويا، بل هو نضال متواصل، لأنه جزء من نضالنا من أجل كرامة الشعب المغربيّ وحقوقه.. وبكل تأكيد، وكما كنا من السباقين إلى المطالبة بإلغاء تلك الطقوس، فسنواصل ذلك. -لكن الغالبية تعتبرها جزءا كبيرا من الموروث الثقافي والاجتماعي للمغرب؟ لا أعرف من هم هؤلاء «الغالبية».. هل فتح نقاش ديمقراطيّ وحر حول الموضوع؟ إن الحديث عن الموروث الثقافي يجب أن يجعلنا نبحث في الموروث الإيجابيّ والمتنور في الثقافة المغربية الذي لا يأخذ به وليس العكس.. من ضمنه التنظيم الاجتماعي العلماني في المناطق الأمازيغية، حيث يعيش الناس في تلك المناطق النائية من المغرب فصلا للدين عن الشأن العام، حيث «الفقيه» -أو «الطالْبْ» بالأمازيغية- لا يتدخل في التنظيم الاجتماعي للجماعة التي تنتخب مسؤولا يتولى تدبير الشأن العامّ، أما دور «الفقيه» فينحصر في القضايا الدينية الشخصية.. وهناك قوانين عرفية جد متقدمة، خاصة في صون حقوق المرأة، من قبيل تقاسم الثروة المتراكمة بين الزوجين أثناء الزواج في حالة الطلاق أو الوفاة، وهي معركة للحركة النسائية والحقوقية، لم نستطع كسبها بعدُ، للأسف، وتتم مواجهتنا بأن ما نطالب به مستورَد ومتناقض مع الدين.. ففي المناطق الأمازيغية عندما تتزوج المرأة يتم احتساب ممتلكاتها التي جاءت بها وممتلكات الزوج.. وعند وفاة الزوج أو حدوث طلاق، تأخذ نصفَ ما تراكم خلال سنوات الارتباط، وربما أكثر، إن اشتغلتْ أكثرَ من زوجها، ثم تأخذ نصيبها من الإرث.
على من يتهمون الجمعية بالتبعية للنهج تقديم أدلتهم -الجمعية مقبلة على مؤتمر، هل توصلتم إلى اتفاق مع حليفكم، وأقصد حزب الطليعة، من أجل عودته من خلال اقتسام مقاعد اللجنة الإدارية؟ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مستقلة عن جميع الأحزاب، ونحن لا نعمل داخل الجمعية بمنطق الحلفاء. هناك، فعلا، أحزاب سياسية يعطي مناضلوها الكثير داخل الجمعية مقارنة مع أحزاب أخرى اختار مناضلوها هيئات حقوقية أخرى، لكن القاعدة الأساسية للجمعية مشكلة من مناضلين ومناضلات مستقلين عن أيّ تنظيم سياسي، وداخل الجمعية هناك تعدد سياسي. في بعض الأحيان نتمكن من تدبير الخلافات بطريقة سلِسة وفي بعض الأحيان لا ننجح في تدبيرها بالشكل الذي يحافظ على الجميع داخل نسيج الجمعية. وخلال هذه المدة كلها بذلنا مجهودات كبيرة لكي نتجاوز بعض المخلفات السلبية للمؤتمر السابق وقد حُلت العديد من المشاكل، وبعضها في طور الحل. -يتهمكم الطليعة بجعل الجمعية ملحقة لحزب النهج الديمقراطي؟ كانت الجمعية، دائما، متهمة بالإلحاقية، فمن قبل كانت التهمة هي التبعية لحزب الطليعة، والآن هناك تهمة الإلحاق للنهج الديمقراطي، والجمعية ترد على هذه الاتهامات، دائما، بالحجج والدلائل، وفي مقدمتها مواقفها الحقوقية الواضحة، التي نلتقي فيها مع جمعيات حقوقية دولية لها مصداقيته في العالم، لأننا نتشارك معها المرجعية الحقوقية الكونية لحقوق الإنسان. وعلى من لا يزالون يتهمون الجمعية بالتبعية السياسية أن يقدموا دليلا على كلامهم، والمسألة الوحيدة التي كانت تثار، في هذا الصدد، هي موقفنا من النزاع في الصحراء...