محمد بوكرين المقاوم، والمعتقل السياسي الذي قضى 16 سنة في السجن خلال حكم الملوك الثلاثة (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس)، فسمي معتقل الملوك الثلاثة، وشيخ المعتقلين السياسيين بالمغرب، شارك في التخطيط لعمليات جيش التحرير في فترة الاستعمار الفرنسي والإعداد للثورة المسلحة الأولى ببني ملال في مغرب الاستقلال سنة 1960، اعتقل مرات عديدة في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي قبل أن يتم اعتقاله في سنة 2007، وهو في سن الثانية والسبعين. كان أول من أعلن عن وجود معتقل سري اسمه تازمامارت. يعتبر من أشرس المعارضين في تاريخ المغرب المعاصر، الذي لم تزده السنون إلا إصرارا على مواقفه ودفاع مستميت عن قناعاته، إلى أن توفي في خامس أبريل من سنة 2010. عاش برئة واحدة بعدما فقد الأولى بسبب التعذيب في المعتقلات السرية، نعيد رسم مسارات الرجل ولمحات من حياته في هذه الحلقات. ستلجأ هيئة الدفاع عن محمد بوكرين إلى المجلس الأعلى لطلب النقض في ما قضت به محكمة بني ملال، بغرفتيها الابتدائية والإستئنافية، وفعلا تأتّى لها ذلك بقبول الطلب، إذ بتاريخ 6 فبراير 2008، تقدمت هيئة الدفاع بملتمس لتحديد تاريخ جلسة لتقديم طلب السراح المؤقت، لكنْ مرت أسابيع دون أن تحدد المحكمة تاريخا لتلك الجلسة، لكنّ نبأ وفاة الشيخ أحمد ناصر، البالغ 95 سنة في سجن عين علي مومن في سطات، والمتاعب الصحية التي دخلها محمد بوكرين سيدفع محمد الصبار، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، إلى مراسلة وزير العدل، آنذاك، عبد الواحد الراضي، بتاريخ 27 مارس 2008، في رسالة جاء فيها «السيد وزير العدل، تحية وبعد، تعرفون بالتأكيد رجلا من خيرة رجال هذا الوطن، اسمه محمد بوكرين. تعرفونه ولا شك، لأنكم كنتم وإياه مسؤولين في حزب سياسي وطني، سوى أنكم اليوم أنتم وزير وهو يقبع في السجن بتُهم يُفترَض أنكم ناضلتم معا ضدها.. السيد الوزير، إن بلدا يعتقل شيخ النضال ضد الاستبداد إنما يعتقل مستقبله وغده. السيد الوزير، قضى المجلس الأعلى، بتاريخ 6 فبراير الماضي، بقبول النقض والإحالة من جديد على محكمة الاستئناف ببني ملال في قضية الأخ محمد بوكرين، عضو المجلس الوطني للمنتدى، وستة من المناضلين المتابعين في نفس الملف، وقد اعتقدنا أن ميزان العدل الشريف سيرجّح هذه المرة كفة العدل على كفة الانتقام وسيصحح الخطأ ويستجيب لضمير التاريخ. لقد تقدم دفاعنا بطلب السراح المؤقت لدى محكمة الاستئناف في بني ملال بتاريخ 19 مارس 2008 ولازالت العدالة، التي تشرفون عليها، لم تحدد بعدُ تاريخ الجلسة للبت في هذا الطلب، إنكارا للعدالة وإمعانا ربما في تكريس الخطيئة.. السيد الوزير، هل تنتظرون أن يُزَفّ إليكم خبر كارثة أخرى، كما زفت إليكم وقعة وفاة السيد أحمد ناصر في سجن عين علي مومن في سطات؟ باسم المغرب، باسم الآن والغد، الذي تنتمون إلى المعلنين أنه سيكون ديموقراطيا.. باسم كل هذا وغيره، ندعوكم إلى اتخاذ ما يلزم من أجل إطلاق سراح محمد بوكرين. ولكم واسع النظر». في الجهة المقابلة، نظمت الجمعية المغربية لحقوق الانسان لقاءات وملتقيات جماهيرية للمطالبة بإطلاق سراح محمد بوكرين، كان أبرزها تنظيم المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحقوق الانسان (جهة الدارالبيضاء) بتنسيق مع مكتب فرع الجمعية في بني ملال، مهرجانا نضاليا تضامنيا تحت شعار «الحرية للأخ محمد بوكرين ولجميع المعتقلين السياسيين»، يوم السبت 29-12-2007 داخل قاعة النادي الثقافي في ساحة الحرية في بني ملال. وقد شارك العديد من المواطنين في هذا اللقاء، الذي حضره أيضا أبناء محمد بوكرين وزوجته وبعض أقاربه. وقد تناولت الكلمات التي تناوب محمد قنادلي، عضو هيأة الدفاع عن بوكرين، ومحمد الطلعي، عن المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان -جهة الدارالبيضاء، وضعية بوكرين الآن كمعتقلِ رأي، بدءا من حالة السجن والظروف اللا إنسانية، إضافة إلى حالة التضييق والحصار المضروب عليه من خلال تقنين الزيارة. كما تناولت الكلمات بالتحليل «عبارة «المس بالمقدسات»، التي توظفها الطبقة الحاكمة في الإجهاز على الحريات العامة وتكميم الأفواه وإرهاب المناضلين». كما تناول الكلمة عن عائلة بوكرين نجلُه لبيب بوكرين، الذي أعاد تأكيد مطالب الأسرة بالإطلاق الفوري لسراح والده وبتمتعيه بحقوقه، المادية والمعنوية، ونوّه، باسم العائلة، بالتضامن الواسع لعموم المواطنين والمناضلين مع المعتقلين، وعلى رأسهم والده. كما نظم فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان وقفة أمام محكمة الاستئناف للتنديد بالأحكام القاسية التي أصدرتها هيئة المحكمة. وكان نشطاء في الخارج قد نظموا، بالموازاة مع ذلك، وقفات أمام قنصليات المغرب وسفاراته، خصوصا في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا. سيدخل محمد بوكرين مرحلة صحية حرجة تناولتها الصحف بإسهاب ونقلت، حينها، أن محمد بوكرين دخل في حالة احتضار.. يحكي بوكرين ل«المساء» عن تلك المحنة قائلا: «أصبتُ بحمى لمدة 13 يوما، بعد إصابة مساجين آخرين بها، فأصبت بالعدوى، طلبت من المدير إحالتي على طبيب اختصاصي، لم تر إدارة السجن ضرورة في علاجي، لأن الأمر، في نظرهم، يتعلق بحمى «عادية»، لكنني قلت لهم عندما كنت مريضا إنني كنت أخضع لمراقبة طبية، أما الآن فإنني أقول لكم «راني كانموتْ».. ويلزمني إنعاش وعناية خاصة لاسترجاع عافيتي، فكان التدخل بعد 13 يوما وأمدّوني بالدواء، الذي كان عبارة عن حقنة واحدة للحمى وثانية ضد ميكروبات.. ومن يومها توقفت الحمى وبدأتُ في التعافي تدريجيا، بعدما مررت من ظروف جد صعبة لمدة 13 يوما من المحنة». كان السجن المحلي في بني ملال يفتقر الى كثير من شروط السلامة الصحية والنفسية، التي ينبغي أن تتوفر للمعتقلين، خاصة أنه من أقدم سجون المغرب، يضاف إلى ذلك عوامل الاكتظاظ وسوء التغذية في السجن المحلي لبني ملال، التي يصفها سجناء بغير المناسبة إطلاقا، مما يوفر البيئة المناسبة لانتشار الأمراض.. انتظر البعض الإفراج عن محمد بوكرين بمناسبة ذكرى المولد النبوي، إلا أن ذلك لم يتمّ. كانت هناك مساعٍ حثيثة إلى الخروج من النفق.. توالت تلك المساعي مع حلول الملك محمد السادس ببني ملال، في زيارته الثانية للمدينة في بداية أبريل 2008، ومع استعداد الملك محمد السادس لمغادرة المدينة في اتجاه مدينة أزيلال، أصدر، بعد زوال الجمعة، 4 أبريل 2008، العفو عن معتقلي فاتح ماي المتابَعين بتهمة «المس بالمقدسات».. وأوردت وكالة المغرب العربي للأنباء، آنذاك، قصاصة جاء فيها «أصدر صاحب الجلالة الملك محمد السادس عفوه على 17 شخصا توبعوا في إطار تظاهرات فاتح ماي 2007، وقد كان ثمانية أشخاص ممن استفادوا من هذا العفو رهن الاعتقال، فيما توبع التسعة الآخرون في حالة سراح مؤقت».. لم تكن عائلة محمد بوكرين ولا رفاقه على علم بما يجري وراء الكواليس، بل عندما سأل صحافي «المساء»، حينها، إدارة السجن عن خبر الافراج عن محمد بوكرين لم يكن لها علم بالموضوع.. وعاد رفاقه من حيث أتوا، ليبقى بعض الصحافيين إلى جانب ابني بوكرين وصهره وبعض أصدقائه ينتظرون خروج محمد بوكرين من بوابة السجن.. انتظر الجميع قرابة الساعتين، قبل أن تفتح بوابة السجن ويخرج محمد بوكرين، وهو يحمل متاعه القليل، ملوّحا بشارة النصر لمن يستقبله، وهي الصور التي انفردت حينها جريدة «المساء» بنشرها، ويغادر محمد بوكرين آخر محطة من محطات السجن في حياته، بعد أن قضى فيها عشرة أشهر كاملة، وهو في سن الثالثة والسبعين.. لم يصدق رفاق محمد بوكرين الخبر في البداية، لكنْ سرعن ما سرى الخبر في المدينة، ليتقاطر المهنئون على بيت محمد بوكرين، الذي انتقل، في موكب من السيارات، في اتجاه منزله شرق المدينة.. كانت تختلط في شارع محمد الخامس أبواق السيارات بالشعارات التي تحتفل بالإفراج عن «معتقل الملوك الثلاثة» وعن «أكبر معتقل سياسي في العالم»، كما وصفه رفاقه..