وجهت السلطات الإسبانية ضربة قوية أخرى إلى تنظيم «إيتا» المسلح، بعد اعتقال زعيمه ميكيل غاريمويتز آسبيازو بتنسيق ما بين الشرطة الفرنسية والإسبانية. واعتقل آسبيازو، المعروف باسمه الحركي « ألياس تشيروكي»، في الثالثة من صباح الاثنين، رفقة امرأة، وكانا معا مسلحين خلال القبض عليهما في منزل بمنطقة كاروتيريتس، وهي منطقة بمحاذاة جبال البرانس في جنوب شرق فرنسا. وحسب وزيرة الداخلية الفرنسية، ميشيل أليوت مير، فإن تشيروكي سيتم تسليمه قريبا إلى السلطات الفرنسية بمجرد انتهاء التحقيقات الأولية معه. وجاء القبض على تشيروكي بعد عدة أشهر من تتبع مكثف لتحركاته، وهو ما تم بعد عناء بالنظر إلى أن الرجل كان بارعا في الاختفاء واستعمال وثائق مزورة، على عادة غالبية أعضاء إيتا داخل فرنساوإسبانيا. غير أن إلقاء القبض على تشيروكي، وهو شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، لم يكن بردا وسلاما على الإسبان بالنظر إلى أنه بعد اللحظات الأولى للقبض عليه، أسهبت وسائل الإعلام الإسبانية في ذكر أوصاف خلفه المرتقب على رأس التنظيم المسلح، والذي يوصف بكونه أكثر قسوة ودهاء. ويوصف أيتزول إيريوندو، الخليفة المرتقب لزعيم التنظيم المعتقل، بكونه من أكثر زعماء التنظيم الباسكي قسوة، وأنه على رأس المطلوبين أمنيا للأمن الإسباني ونظيره الفرنسي بعد أن فر إلى فرنسا سنة 2002، ومن هناك أصبح يقود العمليات المسلحة ضد الحكومة المركزية في إسبانيا. واختار عدد مهم من أعضاء تنظيم إيتا العمل انطلاقا من جنوبفرنسا من أجل تجنب ملاحقة الأمن الإسباني لهم، وبالنظر إلى أن بلاد الباسك الإسبانية، التي تطالب إيتا بانفصالها عن إسبانيا، توجد بمحاذاة بلاد الباسك الفرنسية في جنوب البلاد، حيث يأمل الباسكيون الوطنيون في خلق دولة مستقلة موحدة ما بين شمال إسبانياوجنوب غرب فرنسا. وجاء إلقاء القبض على تشيروكي بضعة أسابيع فقط بعد نجاح عملية أمنية أخرى تم خلالها تفكيك خلية مسلحة تحمل اسم «كوماندو نافاروا»، وهي خلية كانت تستعد لتنفيذ عمليات مسلحة في عدد من المدن الإسبانية. وكان تشيروكي، بالإضافة إلى كونه الآمر العسكري الأول في إيتا، يقوم بنفسه بتنفيذ عمليات ضد أفراد الأمن الإسباني ونظيره الفرنسي، حيث سبق له أن قتل شرطيين فرنسيين في منطقة الباسك الفرنسية سنة 2007. وعلى الرغم من هذه الضربة الأمنية التي تلقتها إيتا، فإن ذلك لم يثر تفاؤلا كبيرا بين الإسبان، وهو ما انعكس في وسائل الإعلام التي تعاملت بحذر شديد مع نبأ الاعتقال، بالنظر إلى أن هذا التنظيم ظل، بعد حوالي 50 عاما على تأسيسه، قادرا على استيعاب كل الضربات الأمنية، سواء من الجانب الإسباني أو الفرنسي. ويعود إنشاء تنظيم إيتا إلى يوم 31 يوليوز 1959، من طرف مجموعة من الطلبة الباسكيين، وهو تنظيم ظل يقوم على فكرة أساسية وهي الدفاع عن «الوطن الباسكي ولغته وثقافته وحمايته من الذوبان في إسبانيا»، التي يعتبرها الوطنيون الباسكيون «بلدا مستعمرا». وقام تنظيم إيتا بأول عمل مسلح له سنة 1961، أي في مرحلة حكم الدكتاتور الراحل فرانسيسكو فرانكو. وكانت العملية عبارة عن محاولة لتفجير قطار كان يحمل عددا من المجندين المتطوعين المناصرين لفرانكو، والذين كانوا في طريقهم إلى الاحتفال بانتصارهم في الحرب الأهلية (1936 - 1939). وكانت بداية تنظيم إيتا خجولة وتتسم بالعفوية، حيث كان أنصارها يقومون بزرع متفجرات بسيطة لا تترك أية خسائر، كما أنها لا تؤثر سياسيا سواء داخل إسبانيا أو خارجها. كما كان أنصار التنظيم يكتبون شعارات تنادي باستقلال بلاد الباسك. ومنذ أن عقد تنظيم إيتا مؤتمره الأول سنة 1962 في جنوبفرنسا، فإنه رفض بشكل مطلق أي تعاون مع أحزاب وتنظيمات باسكية أخرى لا تطالب باستقلال بلاد الباسك، وآثر أن يكون التنظيم جامعا لنخبة ممن يعتبرون «وطنيين أقحاحا». ومنذ أن بدأت العمليات المسلحة لإيتا، فإن عدد الضحايا أصبح يقارب 900 قتيل، بين رجال أمن إسبان، ويشكلون غالبية القتلى، وسياسيين ومدنيين أيضا، أما الخسائر المادية فتقدر بملايير الدولارات. وكانت أشهر عمليات إيتا هي تلك التي حدثت سنة 1975 واستهدفت لويس كاريرو بلانكو، في وسط العاصمة مدريد، وهو أحد أبرز المقربين من فرانكو الذي كان قد عينه، بضعة أيام قبل الاغتيال، رئيسا للحكومة، بينما أكثر عملياتها دموية جرت سنة 1987 في أحد الأسواق الممتازة في مدينة برشلونة، وأودت بحياة 21 شخصا، وهي عملية اعتذرت عنها إيتا وقالت إن الرقم المرتفع للضحايا ناتج عن عدم وجود تنسيق بين أفراد الشبكة المنفذة للعملية، وأنها لم تكن تستهدف قتل مدنيين.