بعد أزيد من ثلاثة عقود من الغياب، عاد الجيش المصري أخيرا إلى منطقة سيناء إثر هجوم نفذه مسلحون على قاعد عسكرية حدودية قتل فيه 16 جنديا مصريا. الرئيس المصري توعد بملاحقة المهاجمين والجيش الإسرائيلي يعلن عن تصفيته ثمانية منهم. الفلسطينيون أكدوا براءتهم من الهجوم وأبدوا استعدادهم للإسهام في جهود ملاحقة الواقفين وراء الهجوم. سجل الجيش المصري عودة قوية إلى منطقة سيناء بعد أزيد من ثلاثة عقود من الغياب عن تحصين هذه المنطقة. فمنذ توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل في «كامب ديفيد» في 1978، لم يسجل أي نشاط عسكري مصري في المنطقة، إلى أن تحرك الجيش المصري في الساعات الأولى من أمس الاثنين من أجل بسط السيطرة على كافة أرجاء صحراء سيناء. وتأتي هذه التطورات بعيد ساعات قليلة من قيام مسلحين بمهاجمة نقطة تفتيش تابعة للجيش المصري، جنوب معبر رفح، وقتلوا 16 من الجنود وحرس الحدود الموجودين فيها، وجرحوا سبعة بعد تبادل لإطلاق النار ثم استولوا على مدرعتين واتجهوا بهما إلى إسرئيل عبر معبر كرم أبو سالم. وفي أول رد فعل له، أدان الرئيس المصري، محمد مرسي، الهجوم وتوعد بمطاردة الإرهابيين الناشطين في منطقة سيناء، وقال إنهم «سيدفعون ثمن ما فعلوا غاليا»، علما بأن شبه جزيرة سيناء يضم عددا من المجمعات السياحية، التي تؤمن دخلا وافرا للخزينة المصرية، ويعيش فيه عدد لا يستهان به من البدو. ونقل عن الرئيس المصري قوله، في أعقاب اجتماع طارئ عقد ليلة الأحد الماضي مع وزير الدفاع المصري حسين طنطاوي وقيادات من المجلس العسكري، إن «قوات الأمن ستفرض السيطرة الكاملة على سيناء وملاحقة الذين اقترفوا هذا الجرم»، كما أكد الرئيس أن الجيش والشرطة سيطاردان المسؤولين عن «الجريمة» إلى أن يلقى عليهم القبض، وقد نفى أن يكونوا مصريين قائلا: «أن هؤلاء المجرمين لا ينتمون لنا». وبعيد وقت وجيز من تصريحات الرئيس المصري، أعلن الطيران الحربي الإسرائيلي أنه قام بقصف المهاجمين، وتم تداول أخبار تفيد بتدمير إحدى المدرعات التي استولوا عليها عند المعبر وانفجار أخرى من تلقاء ذاتها. ووفق وكالة الأنباء المصرية، فإنه لم تعرف إلى حدود صبيحة أمس الاثنين هوية الجهة التي قامت بالعملية، غير أن الوكالة ذاتها أفادت بأن الهجوم «نفذه متشددون تسللوا من غزة عبر الأنفاق»، في إشارة إلى إمكانية تورط فلسطينيين في الحادث، وهو ما بادرت الحكومة الفلسطينية المقالة، التي يترأسها إسماعيل هنية، إلى نفيه. وفي انتظار تكشف كامل تفاصيل الحادث ومعرفة الواقفين وراءه، قررت مصر إغلاق معبر رفح لأجل غير مسمى، تزامنا مع شروع الجيش المصري، مدعوما بقوات من الشرطة، في شن حملة في سيناء لتعقب المهاجمين، وقد تحدث التلفزيون المصري الرسمي عن طوق أمني فرضه الجيش المصري على المنطقة تسبب بشكل تلقائي في إغلاق الطريق بين مدينة العريش ورفح. كما أعلن الجيش أن عددا من الطائرات الحربية المقاتلة في طريقها إلى مطار العريش الجوي، غير بعيد عن الحدود المصرية الفلسطينية، وذلك في إطار الدعم العسكري الذي أشار إليه الرئيس المصري محمد مرسي لمطاردة العناصر «الإرهابية» المنتشرة في سيناء. وتفيد المعطيات الأولية المتوفرة بأن الهجوم تم تنفيذه من قبل مسلحين يزيد عددهم عن عشرة أشخاص وأنهم استخدموا قنابل وأسلحة رشاشة وقذائف «أر بى جى». وذكر الأمن المصري في بيان أنه تحفظ على ثلاث جثث للأشخاص الذين نفذوا الهجوم، والذين لقوا مصرعهم أثناء محاولتهم العبور إلى الجانب الإسرائيلي بالقرب من معبر كرم أبو سالم.
إدانة واسعة وبالموازاة مع التحرك العسكري على الميدان، كانت الإدانة السمة البارزة لردود فعل مختلف القوى المصرية بعيد هذا الحادث. إذ سارعت القوى السياسية في بلاد الكنانة إلى التنديد بالهجوم الذي وصفه مرسي ب«الهجوم الجبان». وفي الوقت الذي طالب فيه شباب الثورة، ممثلين في حركة 6 أبريل، الرئيس المصري برد حاسم على هذا الهجوم، ألمحت الجماعة الإسلامية المصرية في بيان لها إلى إمكانية تورط إسرائيل في الحادث، واتهمت تل أبيب بتوظيف مهاجمين عربا أو مصريين في محاولة لمحو آثار الهجوم بقصف العربتين اللتين استخدمهما المهاجمون. ومن جهتها، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا حثت فيه الرئيس مرسي «على اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لمواجهة هذا التحدي الخطير للسيادة المصرية وحماية سيناء من كل الجماعات المسلحة».
إدانة إسرائيلية دخل الجيش الإسرائيلي على خط الأحداث، وأعلن بعيد وقوع الهجوم أن قواته أطلقت النار على مجموعة مسلحة هاجمت الحدود بين إسرائيل ومصر وقضى عليها. ومن جانبه، اتهم إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، «جماعة جهادية عالمية» بالوقوف وراء الهجوم، وأكد أن جيشه قتل ثمانية من المهاجمين أثناء محاولتهم اختراق الحدود الإسرائيلية، واعتبر الرد الإسرائيلي إفشالا «لهجوم كبير على المدنيين الإسرائيليين»، وقال إن إسرائيل على اتصال مع السلطات المصرية «لنرى ما إذا كنا نستطيع تقديم المساعدة». كما طالب باراك السلطات المصرية بالتحرك من أجل استتبات الأمن في المنطقة، ونقل عنه قوله إن «الهجوم يثبت حاجة مصر لأن تتحرك بشكل حاسم لإعادة بسط الأمن ومحاربة الإرهاب في سيناء». ولم يكتف المسوؤل الإسرائيلي بالتصريحات التي أدلى بها لوسائل الإعلام، بل بادر إلى كتابة تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» عن الحادث، كتب فيها متوعدا: «على من يفكر في مهاجمتنا أن يعرف أن يدنا الطويلة ستصل إليه». وفي تلك الأثناء، تواصلت التحليلات المصرية للحادث وتوقع متتبعو الشأن المصري من الجانب الإسرائيلي أن يجعل الحادث القاهرة تتبنى مقاربة أكثر تشددا مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في قطاع غزة. غير أن الرئيس المصري رد بقوة وبسرعة على هذه التحليلات، مؤكدا أن غزة لن تحاصر مرة أخرى. «حماس» تتبرأ اتهم التلفزيون المصري الرسمي بالهجوم «جماعة إسلامية متشددة» دخلت مصر قادمة من غزة، عبر الأنفاق المحفورة تحت الحدود، بالتعاون مع جهاديين يتمركزون في بعض مناطق سيناء. غير أن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» نفت أن يكون المسلحون قدموا من غزة، لكنها قالت إنها لا تزال تجري تحقيقا لكشف ملابسات الحادث. وسبق أن اتهمت إسرائيل «متشددين» من غزة بالضلوع في هجمات نفذت انطلاقا من سيناء. وحظي الهجوم بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تساءل بعضها عن تأثير ما حدث على العلاقة بين إسرائيل ومصر التي يرأسها الآن رئيس إسلامي. وبعد ساعات من الانتظار، قطع إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، الشك باليقين وقال إن غزة ليست متورطة بحادثة الهجوم الدامي على موقع لحرس الحدود المصريين في شمال سيناء مساء أول أمس الأحد. وأعلن عن قرار حكومته إغلاق الأنفاق التي تصل قطاع غزة بمصر، وأبدى استعداده للتعاون لملاحقة أي عناصر فلسطينية يثبت ضلوعها في الهجوم الذي أدانته حكومة هنية ووصفته ب«الجريمة». ورفض هنية خلال اجتماعه مع وزير داخليته وقيادات أمنية بغزة لبحث حادثة مقتل 16 جندياً مصرياً في الهجوم المسلح بسيناء، الزج باسم غزة في هذه الأحداث دون التحقق ومعرفة المتسبب الأصلي، مشيرا إلى أن الحادث يدفع في الوقت الحالي إلى الإسراع بالتعاون الأمني المشترك بين مصر وقطاع غزة لحماية البلدين. ونقلت تقارير إعلامية عن نائب هنية، محمد عوض، قوله عقب ذلك الاجتماع الطارئ، إن حكومته تواصلت عقب هجوم سيناء مع مكتب الرئاسة المصري ومكتب المخابرات العامة للوقوف على مجريات الحادث وتقديم التسهيلات للسلطات المصرية لمعرفة المعتدين. وأكد أن الاجتماع بحث سبل التعاون مع مصر لتوضيح الحقيقة وكشف المعتدين. وأضاف قائلا: «نؤكد أنّنا في غزة نتابع تطورات قتل الجنود المصريين عن كثب، وذكر بقرار إغلاق كافة الأنفاق على الحدود المصرية لمنع أي عمليات تسلل في أعقاب الهجوم الدامي». وكشف عوض كذلك أن الاجتماع بحث كيفية تلافي حدوث أي مشاكل مستقبلية على الحدود مع مصر والوقف التام لأي توتر أمني على الحدود بين البلدين.