شكل المغرب، في الأيام الأخيرة، مادة دسمة بالنسبة إلى السياسيين والإعلاميين الفرنسيين على حد سواء، على خلفية عدة تصريحات تطرقت إلى مواضيع كان المغرب طرفا فيها. ويبقى الحدث الذي حضر فيه المغرب على مدار الأسبوع هو ذاك الذي يتعلق بمراكز النداء المتواجدة على أراضيه والتي يستغلها وكلاء لصالح شركات المواصلات الفرنسية، حيث ذهبت تصريحات البعض إلى أن المغرب يشكل تهديدا للمستقبل الاقتصادي لفرنسا، إضافة إلى الجدل الذي خلقه الترخيص لمركز مكالمات مغربي على الأراضي الفرنسية، ولم تنفع تصريحات المسؤولين الفرنسيين في تهدئة المخاوف من سياسة «حماية اقتصادية» تجاه المغرب. قفز المغرب هذا الأسبوع إلى الواجهة وذلك على خلفية عدة أحداث بعضها وازن والبعض الآخر يدخل في نطاق النوادر. فبعد صمت دام أزيد من شهرين، خرج نيكولا ساركوزي إلى المشهد انطلاقا من مراكش، التي أصبحت مدينة إقامته في الشتاء والصيف، لينتقد بشدة موقف فرانسوا هولاند من الأحداث الدامية التي تعرفها سوريا. وقد اختار التوقيت المناسب والمتزامن مع بداية «أم المعارك» من حول مدينة حلب، ليعيب على الرئيس الاشتراكي حراكه الفاشل، بل شلله في الملف السوري. وفي هذا الصدد نسبت إليه صحيفة «لوباريزيان» قوله: «على الأقل، قمت أنا بعمل ما» مشيرا إلى تدخل الناتو في ليبيا. وارتأى أن يكون أول رد سياسي على سياسة فرانسوا هولاند من خارج فرنسا وتحديدا من المغرب. ومنذ الآن بدأت التكهنات عن عودة ساركوزي إلى السياسة وهذا ما سيتضح جليا بعد عقد حزب التجمع من أجل حركة شعبية لاجتماعه عند نهاية شهر غشت. الحدث الثاني الذي حضر فيه المغرب على الواجهة هو تحول المملكة إلى جنة إقامة بالنسبة للمتقاعدين الفرنسيين الذين يفضلون الماء والخضرة بأثمنة زهيدة بعيدا عن غلاء المعيشة وتلوث المدن وأرقها المزمن. وهذا ما أكده استفتاء أجراه معهد BVA مؤخرا، حيث يأتي المغرب على رأس قائمة الدول التي يختارها الفرنسيون المتقاعدون. الحدث الثالث هو خرجة سيغولين رويال في حق نجاة فالو بلقاسم، الناطقة الرسمية باسم الحكومة ووزيرة حقوق المرأة. كما هي عادتها، لم تتأن المرشحة السابقة للرئاسة قبل الحديث، بل أطلقت في حق نجاة فالو بلقاسم، التي قدمت لها الرعاية، «لو كان اسمها كلودين ديبون، لما نجحت في مشوارها» وطلبت من نجاة عدم التنكر لأصولها المغربية. حاولت فيما بعد تصحيح الطلقة، لكن مستخدمي المواقع الاجتماعية لم يثقوا بما قالته سيغولين رويال. لكن الحدث الذي حضر فيه المغرب على مدار الأسبوع هو ذاك الذي يتعلق بمراكز المكالمات أوف-شور المتواجدة بالمغرب والتي يستغلها وكلاء لصالح شركات المواصلات الفرنسية. هنا عاينا في خطابات وتصريحات البعض أن المغرب يشكل تهديدا للمستقبل الاقتصادي لفرنسا. بمنأى عن هذا الشعور هناك توجه في فرنسا نحو تعزيز الحماية الاقتصادية لصيانة الشغل ومحاربة البطالة وانتشال البلد من الأزمة. في هذا الاتجاه يأتي التصريح الذي أدلى به الرئيس فرانسوا هولاند فيما يتعلق بكبد الإوز الذي يتعرض لحظر اللوبيات الأنغلوساكسونية. إذ حظرت مدينة كاليفورنيا استهلاك هذا المنتوج حرصا على الحيوانات، مما شكل ضربة قوية للاقتصاد الفرنسي الذي كان يصدر قسما كبيرا من منتوجاته نحو كاليفورنيا والولايات المتحدة عموما. فكبد الإوز هو إلى جانب الجبنة الفرنسية والنبيذ، بترول فرنسا. وقد أشار فرانسوا هولاند خلال زيارته لمنطقة الجيرس، أكبر منطقة لإنتاج كبد الإوز، إلى أنه على فرنسا أن تتصدى لمقاومة اللوبيات. جاء خطاب هولاند مدافعا عن «الصنع فرنسيا». Made In France ويدخل المغرب في نطاق هذه السياسة وبالأخص فيما يتعلق بمراكز المكالمات أوف-شور. «شي يشرق وشي يغرب» يصلح هذا المثل المغربي على اللخبطة التي رافقت هذا الأسبوع مواقف الاشتراكيين من ترحيل مراكز الاتصالات الهاتفية من المغرب في اتجاه فرنسا وأيضا نقل مركزين في اتجاه المغرب. وقد أعطى الاشتراكيون انطباعا بعدم التنسيق وغياب للتشاور في ملف يسعى فيه آرنو موتبورغ وزير «إنعاش الإنتاجية» إلى سن سياسة أقل ما يقال عنها إنها سياسة حماية اقتصادية Protectionnisme économique مع الدفاع على «الصنع فرنسيا». وعلى خلفية الانتكاسة التي يعيشها قطاع السيارات وبالأخص مجموعة بيجو-سيتروين، التي تكبدت خسائر بلغت 819 مليون أورو ودفعت الإدارة إلى الإعلان عن إغلاق مصانع أولني سو- بوا ومعامل أخرى، قام الوزير بعملية مسح للقطاعات التي قد تتضرر مستقبلا من الأزمة وهي قطاعات الطيران، السيارات، المواصلات. وبخصوص هذا القطاع الأخير، استغلت الشركات الفرنسية الثلاث الكبرى للمواصلات، بويغ، إس-إف-إر، أورانج، الفرصة لتسويد المنظر والتذرع بنقل الهوت لاين إلى المغرب كأحد مسببات الأزمة مع العلم أن هذه الشركات تستغل عبر وسطاء اليد العاملة المغربية الرخيصة. هكذا وفي الوقت الذي كان فيه آرنو مونبورغ يضع اللمسات الأخيرة لخطة إنقاذ لقطاع السيارات ولقطاع المواصلات بعد عقده لسلسلة اجتماعات مع مسؤولي هذه الشركات، في هذه الأثناء نزل خبر تفويض نقابة النقل التابعة للمجلس الجهوي لباريس ونواحيها، ذي الأغلبية الاشتراكية، لمشروع تسيير المكالمات لوكيل يوجد مقره بالدار البيضاء. وقد استوفت الشركة التي حصلت على العقد جميع الشروط القانونية التي يتطلبها دفتر التحملات. وقد فضلت النقابة التعاقد مع شركة أخرى غير شركة «ويب-هيلب» التي ينتهي التعاقد معها في شهر فبراير، نظرا للتكلفة الرخيصة للوكيل المغربي. برر جان-بول هيشون، رئيس المجلس الجهوي لباريس ونواحيها. بأنه لم يكن هناك من خيار لأن العروض ودفتر التحملات تمت دراستها من طرف النقابة التي تمثلها حساسيات سياسية واجتماعية متباينة. ولم تفوت المعارضة، من يمين ويمين متطرف، الفرصة لإطلاق النار على الحكومة لاتهامها بالازدواجية. الغريب أن المعارضة وبالأخص اليمين المحافظ شن هجوما عنيفا على الاشتراكيين باسم روح الحماية الاقتصادية فيما لم يتردد لما كان في الحكم في زرع مصانع «الرونو» بطنجة ! جدل مراكز النداء تشير الإحصائيات إلى أن عدد المناصب التي توفرها مراكز المكالمات أوف-شور في كل من المغرب وتونس يبلغ 40 ألف منصب شغل. أما مراكز المكالمات بفرنسا فتشغل 230 عاملا . في الوقت الذي يتقاضى فيه عامل بفرنسا، يعمل 35 ساعة في الأسبوع، 30 أورو، فإن العامل المغربي الذي يشتغل 47 ساعة يتقاضى 15 أورو، أي نصف المبلغ. علاوة على أن المراكز المغربية تشتغل 24 ساعة على 24 وخلال أيام الأسبوع. بالإضافة إلى أن العمل النقابي في هذه المراكز يكاد يكون شبه منعدم على النقيض من فرنسا. كل هذه «الامتيازات» التي تخدم في الحقيقة شركات «الهوت-لاين»، تتم على حساب اليد العاملة المغربية. علاوة على أن ساعة للمكالمات بالمراكز المتواجدة بفرنسا هي بثمن 28 أورو فيما يبلغ ثمنها 14 أورو بالمغرب. في خطوة أولى، طلب آرنو مونبورغ من جان-بول هيشون التراجع عن قرار تفويض الصفقة. في البداية أوضح هذا الأخير بأن نقابة النقل احترمت بالحرف قانون الأسواق العمومية. ووعده هذا الأخير بدراسة كل السبل القانونية. وأضاف مونبورغ، أن الحكومة لن تذخر أي جهد لإستعادة مناصب الشغل هذه إلى موقعها الأصلي. لكن فرانسوا ميتران ليس على نفس الخط الذي سطره آرنو مونبورغ. فقد صرح بأن ثمة قواعد في مجال الأسواق العمومية. وقد احترمت هذه القواعد. وأضاف بأنه لا يوافق على الدخول في مزايدات الحماية الاقتصادية. لكنه في نفس الوقت دافع عن الإنتاج والصنع فرنسيا. في حالة ما إذا تم إلغاء العقد، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى دعاوى قضائية قد تخسر فيها الدولة الفرنسية الكثير. وقد قررت شركة ويب-هيلب رفع دعوى قضائية لإلغاء هذا العقد رغبة في الحفاظ على مناصب 80 عاملا فرنسيا الذين قد يحالون على البطالة في حالة تفويت المشروع لمركز المكالمات بالدار البيضاء. أما في حالة نجاح خطة مونبورغ فإن ذلك من شأنه تكريس السياسة التي سطرها آرنو مونبورغ والقاضية باقتلاع الهوت-لاين من المغرب وتسريح 5000 عامل. جاء الضوء الأخطر الذي منحته قانونيا نقابة النقل بباريس وضواحيها لتعريض الحكومة لأعنف الانتقادات مع إظهار الاشتراكيين كأشخاص «يبيعون السيادة الفرنسية» بأثمنة بخسة على حساب فرص العمل الفرنسية. لكن آرنو مونبورغ لم يقل كلمته الأخيرة، وينتظر أن ينزل بكامل ثقله في الدخول القادم. إذ سيقوم بزيارة رسمية للمغرب لإقناع المسؤولين المغاربة بأحقية أطروحاته القاضية بإعادة ترحيل مراكز الهوتلاين نحو فرنسا. إن مصيره السياسي يتوقف على إنجاح هذا المشروع. يبقى أن تغيير القواعد ليس مسألة أمزجة ورغبات. إشكالات متعددة اليوم يجد مونبورغ نفسه أمام مجموعة من الإشكالات القضائية والسياسية والنقابية. هل سيحظى بموافقة المجموعة الأوروبية لتغيير قواعد العرض والطلب؟ أية حجج وذرائع سيقدمها للحكومة المغربية وللحكومات الإفريقية عموما لتبرير استعادة مواقع الهوتلاين؟ أليس ذلك من شأنه أن يقود إلى تشنج في علاقات فرنسا مع الدول الإفريقية التي تعتبر صيد حراسة بالنسبة للقوة الاستعمارية سابقا؟ ألن تخدم هذه السياسة شركات أوروبية أخرى والتي تتحين الفرصة لأخذ موقعها بالمغرب؟ اليوم لا خيار لهذه الدول بين سياسة اللوكوست التي انتهجها ساركوزي وسياسة «الصنع فرنسيا» التي يود آرنو مونبورغ اتباعها. لإنقاذ الاقتصاد الفرنسي، فحتى الاشتراكيون على استعداد لشد الخناق على اقتصادات هذه الدول التي توجد تحت العناية الفائقة. سيكون العام القادم، ابتداء من فبراير، لما يدخل العقد الذي أبرمته نقابة النقل مع الوكيل المغربي حيز التنفيذ، حاسما بالنسبة للعمال المغاربة والعاملين ال80 الفرنسيين. قبل ذلك، يسعى مونبورغ إلى إزالة الألغام، إذ يستقبل في الأسابيع القادمة جان-بول هيشون لتدارس الإمكانيات القضائية لفسخ العقد ويحل بالمغرب في شهر سبتمبر لتدارس خيارات ترحيل مراكز المكالمات الأوف-شور نحو فرنسا، مع العلم أن هذه الإجراءات لا تزن كثيرا في التخفيف من وطأة الأزمة الهيكلية التي تعاني منها فرنسا، إذ تبقى إجراءات من شأنها الإسهام أكثر في تأزيم الاقتصاد المغربي الهش.
الاشتراكيون يظهرون «مرونة» بخصوص قضايا الهجرة وافق رئيس الحكومة الفرنسية، جان مارك أيرولت، على منح تصريحات إقامة أطول للأجانب الذين يتواجدون بصفة قانونية على التراب الفرنسي، معتبرا أنّ هذه الخطوة من شأنها "تعزيز الاندماج وتحقيق مسعى الحكومة إلى إقامة سياسة هجرة متوازنة". جان مَارك قال إنّه طلب من وزير الداخلية، مَانْويل فَالْس، تحريك النقاش للوصول إلى آليات لتحقيق هذه الخطوة.. واعتبر رئيس الحكومة أنّ فرنسا بلد للاندماج رغما عن الصرامة التي تبصم تدبيرها لملفات قضايا الهجرة. ووفقا لهذه الخطوة، فإنّ الأجانب المتواجدين بصفة قانونية على التراب الفرنسي سيستفيدون من بطائق إقامة تمتدّ ل3 سنوات، عوضا عن التدابير المعمول بها حاليا والتي تحصر مدة تصاريح الإقامة في سنة واحدة. ويأتي تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية منسجمة مع ما كان سبق أن أعلن عنه وزير داخليته، قبل أيام، حين انتقد مانويل فالس ما سماه ب"المعايير" المعتمدة في الحصول على الجنسية الفرنسية، والتي جاءت بها حكومة ساركوزي، وتعهد في الوقت نفسه بمراجعتها وفق مقاربة "شريفة وإنسانية". وعبر فالس عن ذلك أمام لجنة القوانين في مجلس الشيوخ الفرنسي، حيث انتقد "المعايير" المعتمدة بهذا الخصوص، واصفا إياها ب"التمييزية"، ووعد بالمقابل بمقاربة هذا الملف ب"موضوعية" دون أن يتساهل في سياسته تجاه الهجرة. وانتقد فالس بوضوح سياسة الحكومة اليمينية السابقة لحرمانها لعدد من الأجانب من حقهم في الحصول على الجنسية رغم توفرهم على الشروط اللازمة.