جند الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يوم الأحد الماضي، ما لا يقل عن ثماني قنوات من القطاع العمومي والخاص لنقل ندوته الصحافية، وبالنظر إلى عدد المتتبعين، أزيد من 16 مليون مشاهد، يمكن القول بأنه قام بخبطة إعلامية من الصعب على المدى القريب، وفي الظرفية الراهنة لما قبل الانتخابات الرئاسية، معرفة آثارها على الناخبين. ومن المفترض أن تجيب معاهد ومراكز استطلاعات الرأي في الأيام القادمة عن هذه التوجهات. لكن ما الذي طرحه ساركوزي خلال هذا اللقاء؟ وما هي المقترحات العملية الكفيلة بترجيح كفته في الاستحقاق الرئاسي القادم؟ قيل عن الرئيس ساركوزي، من بين عدة أشياء أخرى، أنه مهووس بصورته ويسعى باستمرار إلى ترويج هذه الصورة. ويضيف الذين قاربوه أو الذين انكبوا على سيرته ومساره بأنه، لدواع ودوافع ذاتية ضيقة، ذهب إلى حد التدخل أحيانا لتعيين بعض رؤساء القنوات في القطاع العمومي للترويج لصورته. وخلص هؤلاء إلى أنه يكاد يكون أول رئيس للجمهورية الخامسة يدفع بالنرجسية إلى أبعد الحدود. وتجد هذه الأطروحة بعضا من مصداقيتها في الأداء الأخير لساركوزي يوم الأحد الفارط لما جند ما لا يقل عن ثمان قنوات من القطاع العمومي والخاص لنقل ندوته الصحافية ! حتى وإن تقدم على هيئة إنسان متواضع مستعد للتكفير عن ذنوبه وطلب غفران الفرنسيين. وبالنظر إلى عدد المتتبعين، أزيد من 16 مليون مشاهد، يمكن القول بأنه قام بخبطة إعلامية من الصعب على المدى القريب، وفي الظرفية الراهنة لما قبل الانتخابات الرئاسية، معرفة آثارها على الناخبين، على مزاجهم ومواقفهم. وستجيب معاهد ومراكز استطلاعات الرأي في الأيام القادمة على هذه التوجهات. لكن ما الذي طرحه ساركوزي خلال هذا اللقاء؟ وما هي المقترحات العملية الكفيلة بترجيح كفته في الاستحقاق الرئاسي القادم؟ كانت الطبقة السياسية الفرنسية تترقب هذا الموعد، الذي اعتبره البعض موعد الحسم بعد التخفيض الائتماني لفرنسا وبعد لقاء البورجيه الذي حقق خلاله المرشح الاشتراكي، فرانسوا هولاند، اختراقا إعلاميا هاما. يأتي هذا الأداء إذا ردا من طرف ساركوزي وفي نفس الوقت كخطوة في اتجاه استرجاعه موقعه في المشهد السياسي بعد أن «ذابت»، مثل الشمع، شعبيته في استطلاعات الرأي. لمدة ساعة وعشرين دقيقة، أجاب الرئيس ساركوزي إذا عن أسئلة أربعة صحفيين من الإعلام المرئي. وقد زف خلال هذه المقابلة سلسلة إجراءات أهمها الرفع من قيمة الضريبة بمعدل 1,6% ، إطلاق بنك للصناعة، الرفع من قانون البناء ليصل إلى نسبة 30% . كما اتخذ 8 من الإجراءات قابلة للتطبيق في متم أكتوبر القادم. أما فيما يخص الإعلان عن ترشحه رسميا، فقد خطا خطوة إلى الأمام من دون التردد في توجيه سهامه إلى المرشح الاشتراكي ناعتا إياه ب«الغطرسة». وبخصوص طرح ترشيحه مجددا، أشار ساركوزي إلى أن «له موعدا مع الفرنسيين وبأنه لن يتملص من مسؤولياته». «تسخين نفس الطبق» لقد فصل ساركوزي الحديث في إجراءات سبق له أن أعلن عنها من قبل. الشيء الذي دفع البعض إلى الحديث عن ألا جديد تحت الشمس وأنه لم يعمل إلا على «تسخين نفس الطبق»، وبالأخص طبق الضريبة، واتفاقيات المنافسة في مسألة الشغل والضريبة على المعاملات المالية. يرى الرئيس بأن الأزمة الاقتصادية «هي في طور التهدئة» وبأن أوروبا ليست على حافة الهاوية. المطلوب، حسب ساركوزي دائما، هو «تركيز كل الجهود على حل الأزمة الاقتصادية وإطلاق عجلة التنمية لكن من دون إنفاق ولو سنتيم واحد» ! وإن أجمع خبراء الاقتصاد على أن أهم ما جاء في مقابلة ساركوزي يبقى هو مقترح «الضريبة الاجتماعية» التي تهدف إلى «التخفيض من تكلفة المواد التي تنتج في فرنسا»، أي قيمة العمل، فإن الميكانيزم الذي تقوم عليه هو نقل جزء من التمويل للضمان الاجتماعي نحو ضرائب أخرى لا ترتبط بها المؤسسات. وبناء على هذا القانون ستخفف الأعباء عن المؤسسات بمبلغ يصل إلى 13 مليار أورو. الضريبة على المعاملات المالية
على الرغم من تحفظات شركائه الأوروبيين الذين اعتبروا فرض ضريبة على المعاملات المالية نوعا من نظام الحماية أو الوقاية، فقد ارتأى ساركوزي مع ذلك إدخال هذا الإجراء إلى حيز التطبيق ابتداء من فاتح غشت المقبل. ستعطي فرنسا، في اعتقاد ساركوزي، المثل وستحذو حذوها بلا شك بقية الدول الأوروبية. وقد تجني من هذه الضريبة مليار أورو سنويا. ويبدو أن ساركوزي لا يعير أي اهتمام لملاحظات وتحفظات الأوروبيين فيما يخص فرض هذه الضريبة. وكما لو استبق الوزير الأول البريطاني الإجراء الذي أقدم عليه ساركوزي، صرح في منتدى دافوس المنعقد الأسبوع الماضي بأن هذه الضريبة تبقى مجرد «حماقة»، لأنها قد تتسبب، في حالة تطبيقها، في فقدان 500000 فرصة شغل في المجموعة الأوروبية. النموذج الألماني في المقابلة، جاء النموذج الألماني باستمرار على لسان ساركوزي. «أصدقاؤنا الألمان «هم الشريك الأول لفرنسا. يرى في هذا النموذج القدوة التي ستساعد فرنسا في الخروج من مأزقها الراهن. وقد استلهم أهم المقترحات التي عرضها خلال المقابلة من الاختراقات التي أنجزها النموذج الألماني مثل «الضريبة الاجتماعية». يتشبث ساركوزي بأنجيلا ميركل كما يتشبث غريق بغصن شجرة مهزوزة الجذور. ويصدق اليوم أكثر من أي وقت مضى التسمية القائلة ب«ميركوزي» (ميركل-ساركوزي) أصبحا مثل «دويتو» يعزف على نفس اللحن. طرح ساركوزي جانبا انتقادات مارين لوبين وهجومات دومينيك دو فيلبان الذي ندد ب«انبطاح» ساركوزي أمام ميركل. وبما أنه من مناصري الانفتاح على العالم والقائل بأن ألمانيا قدوة في هذا المجال، وبما أن صورة ألمانيا تحظى بشعبية لدى الفرنسيين، فإنه يبقى غير آبه بانتقادات خصومه. كما أنه ركز هجومه على الاشتراكيين بعقده للمقارنة بين زعيمين: الأول هو ليونيل جوسبان وهو اشتراكي، والثاني هو غيرهارد شرودر، المستشار الاشتراكي الألماني سابقا. في نظر ساركوزي، بدل أن يفتح جوسبان فرنسا على فرص الشغل و يسرح فرص العمل ومدته، قلصه في 35 ساعة في الأسبوع. هذا على مستوى الاشتراكيين الفرنسيين. أما في ألمانيا، ففي نفس الأثناء كان على رأس الحكومة الألمانية الاشتراكي غيرهارت شرودر، الذي فتح بلده على سلسلة إصلاحات كانت قاعدة للقوة الاقتصادية وللهيمنة الألمانية اليوم. فشل الاشتراكيين في طرح الإصلاحات التي كانت ستغير ملامح فرنسا هو ما يعمل ساركوزي على إنجازه اليوم. ردود على أداء ساركوزي في الوقت الذي صفق فيه حزب الأغلبية التابع للرئيس ل«شجاعته» ولحس «الرعاية» الذي يتحلى به، في هذه الأثناء شددت المعارضة وبخاصة اليسار والوسط على الطابع الارتجالي و»فشل» ساركوزي في تقديم الجديد. في تصريح لفرانسوا فيون جاء بأن الرئيس «موطد العزم على خدمة الفرنسيين. فقد أعلن عن سلسلة من الإجراءات الشجاعة والضرورية لكي يعاد الاعتبار في بلدنا للشغل بكافة أشكاله». لا تقاسم مارتين أويريه السكرتيرة الأولى للحزب الاشتراكي، الوزير الأول حماسته وتفاؤله إذ أشارت إلى أن الإعلانات التي أقدم عليها الرئيس «لم تكن سوى مجرد ارتجال. كيف يمكن تصديق رجل بدأ ولايته بإعفاء الأثرياء من الضرائب وسيختمها بضرب جيوب الطبقات الشعبية والمتوسطة»؟. أما جان-ليك ميلنشون، مرشح جبهة اليسار، فاعتبر أن سياسة ساركوزي لا تصلح لفرنسا. فالكلام الذي استعمله ساركوزي ما هو إلا تعتيم وخطة للاستسلام لمتطلبات الرأسمال. ونفس الانتقاد وجهته مرشحة الخضر، إيفا جولي، مشيرة إلى أنه بدأ ولايته وسينهيها بدفاعه عن الطبقات الميسورة. أما فرانسوا بايرو المرشح باسم الوسط للانتخابات الرئاسية فيعتبر أن المقترحات التي جاءت في مقابلة ساركوزي تترجم الهلع الذي تمكن منه مع قرب الاستحقاق الرئاسي. أما مارين لوبان فقد اعتبرت الأداء الذي أقدم عليه ساركوزي مجرد «مقامرة». تبقى المقترحات التي قدمها ساركوزي لمدة ساعة وعشرين دقيقة رهينة بعدة معطيات داخلية وخارجية. على المستوى الداخلي فإن مواقف النقابات لا تصب في نفس الاتجاه الذي يريد ساركوزي أن يسلكه وبالأخص في موضوع المنافسة وموضوع إلغاء العمل بقانون 35 ساعة والذي يسمح بإدراج المنافسة في قلب المصانع والمؤسسات الصناعية. أي إحداث اتفاقات قطاعية داخل كل مؤسسة على حدة. بمعنى أن الاتفاق يحدد الأولويات: إما الرواتب وإما الحفاظ على فرص الشغل. هذا مع العلم أن ساركوزي يطمح وتبعا للنهج الليبرالي واحتداء بالنموذج الألماني، إلى إعطاء الأولوية لا للرواتب بل للعمل. ومن أراد الربح عليه المزيد من العمل. أما على المستوى الخارجي، فإن الأزمة على المستوى الأوروبي وبالأخص في اليونان التي تعيش على شفير الإفلاس، قادرة في أي لحظة على خلط الأوراق وإعادة ترتيب السيناريوهات.
هولاند مازال يتقدم على ساركوزي في استطلاعات الرأي كشف استطلاع للرأي نشر أول أمس الثلاثاء في باريس تقدم فرانسوا هولاند، مرشح الحزب الاشتراكي «اليسار الفرنسي» للانتخابات الرئاسية، إلى المركز الأول، واحتلال الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي، الذي لم يعلن رسميا حتى الآن خوضه السباق الانتخابي، المركز الثاني. وأوضح الاستطلاع الذي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام تقدم ساركوزي فقط ب«0.5» نقطة فقط عقب الخطاب التلفزيوني الذي وجهه الأحد الماضي للشعب الفرنسي ليتسع الفارق بينه وبين هولاند في استطلاعات التصويت في الجولة الأولى التي ستنطلق في الثاني والعشرين من أبريل القادم. وحصل الرئيس الفرنسي وفقا للاستطلاع الجديد على 24.5 % من الأصوات بفارق أكثر من ست نقاط بينه وبين منافسه الرئيسي فرانسوا هولاند الذي تقدم ثلاث نقاط ليحصل على 31%، كما تأتي مارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) في المرتبة الثالثة وحصلت على أقل من 19 في المائة من الأصوات. وأوضح الاستطلاع أن فرانسوا بايرو، مرشح الجبهة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية، حصل على 11.5%. ساركوزي والصحافة كان الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نواب حزب الأغلبية، أول أمس بقصر الإليزيه. وكشف البعض منهم ما دار في اللقاء عبر المواقع الاجتماعية «تويتر» وفايسبوك». وجاء في رسائلهم أن الرئيس قال إن «الشعب الفرنسي أشجع من النخبة». وكذلك «يجب تمرير الإصلاحات(...) أنا أمقت العنف؛ «نحن لا نروج الخطاب الساذج والعدائي كما يفعل الحزب الاشتراكي». وقال الرئيس الفرنسي في لقائه مع النواب أيضا: «قالوا إنني سأنتحر، وقد رأيتم بأعينكم أنني لا أنوي الانتحار، بل أنا أسعد انتحاري في الجمهورية». ثم طلب منهم المزيد من الصبر. وسخر الرئيس الفرنسي من الصحف الفرنسية، أول أمس الثلاثاء، على خلفية انتقاداتها لقيادته ، معترفا بأن «الصواب جانبني في أغلب الوقت». وقال ساركوزي بنبرة مازحة في خطابه السنوي بمناسبة العام الجديد للصحفيين في باريس: «يمكنني أن أرى محاولاتكم لتغييري... لرؤية آفاق جديدة. فدائما ما يشتهي المرء ما ليس عنده». ويذكر أن ساركوزي ، المتوقع أن يسعى لفترة ولاية جديدة في الانتخابات التي تجرى على مرحلتين في أبريل ومايو المقبلين، كانت علاقته بوسائل الإعلام متوترة على مدار الأعوام الخمسة الماضية. وانتقدت الصحف بصورة خاصة مجموعة من القرارات المثيرة للجدل وأخطاء في الأسلوب وقع فيها في بداية رئاسته. وقال ساركوزي: «السبيل الوحيد للتقدم هو التعرض للانتقاد. ومن هذا المنطلق في الواقع ، يجب أن أتوجه إليكم بالشكر». وأشار إلى بعض القواسم المشتركة بين السياسي والصحفي. وأوضح ساركوزي أن الاثنين يتطلب عملهما الحماسة ويتعرضان للضغط كما أنهما معرضان للوقوع في الأخطاء. وأضاف: «من الخطأ أن يخلط المرء بين عواطفه وعلاقاته المهنية. أعلم ذلك لأنني ارتكبت الكثير من الأخطاء في الماضي». وتعالت ضحكات الجمهور أثناء استماعهم لانتقاد ساركوزي لنفسه على سبيل السخرية ، والذي يتعارض مع أسلوبه المنمق عادة. وقال: «سأستمر في محاولتي لمفاجأتكم».