بعد زيارة نيكول بريك، وزيرة التجارة الخارجية الفرنسية، في الثاني والثالث عشر من يوليوز، وزيارة مانوييل فالس، وزير الداخلية، يحل بالمغرب في شهر شتنبر آرنو مونبورغ، وزير إنعاش المنتوجية. وعلى الرغم من تسميتها الفضفاضة، فإن هذه الوزارة تغطي قطاعات ومجالات حيوية، من الاقتصاد الرقمي إلى قطاع السيارات مرورا بالمواصلات.. إلخ. وقد تتزامن هذه الزيارة مع خطة الإنقاذ التي تنوي الحكومة الفرنسية تقديمها في شهر شتنبر للحيلولة دون انهيار هذه القطاعات التي يوجد بعضها في عين الإعصار؛ فالرجل، الذي عهد إليه بحقيبة ضخ حقنة من الإنتاجية والتميز الفرنسي في الأسواق العالمية، كان، إلى عهد قريب، من أشرس المناهضين للعولمة. شكليا، قد تندرج هذه الزيارة في إطار الفلسفة الجديدة للاشتراكيين والقاضية بفتح صفحة جديدة في علاقات فرنسا بالمغرب العربي. وقد جاءت الزيارة التي قام بها لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، للجزائر وتلك التي أجراها الرئيس التونسي منصف المرزوقي لباريس لترجمة هذا التوجه. لكن، لنترك الشكل ونهتم بمضمون الزيارة. الحقيقة هي أن السيد آرنو مونبورغ يحل بالمغرب للقيام بعملية «ترانسفير» لمراكز المكالمات من المغرب إلى فرنسا! يصل مسلحا بذرائع وحجج سيعرضها على المسؤولين المغاربة تفيد بأن استغلال المكالمات من طرف شركات يوجد مقرها خارج فرنسا يعتبر خسارة للاقتصاد الفرنسي وتضخيما لحجم العاطلين الفرنسيين. والمؤشرات على ذلك عديدة، إذ قررت شركات مواصلات «بويغ» و»إس-إف-إير» و»أورانج» تسريح عدد كبير من العاملين في هذا القطاع. لكن تراجع مردودية هذه الشركات يرد في حقيقة الأمر إلى عدة عوامل، أهمها الأثمنة الخيالية التي تطبقها هذه المؤسسات في مجال المواصلات، ثم دخول شركة «فري»Free على خط المنافسة، وذلك ب»تكسير» أثمنة الاشتراك وتعريفة المكالمات على المستوى المحلي والدولي. فهمت شركة «فري» أن ديمقراطية التواصل عبر الهاتف الخلوي والأنترنيت تتطلب إعادة النظر في سياسة الأثمنة. النتيجة هي أن آلاف المنخرطين في شركات المواصلات الأخرى فسخت عقدها للتوقيع مع «فري». وبما أن هذه الشركات قد احتكرت إلى حد الآن سوق المكالمات بأكلها الصوف على حساب المستهلك، فإنها مرشحة لمعرفة أزمة خانقة. وقد أوضح غزافييه نيل، رئيس «فري»، أن انخفاض التشغيل في قطاع المواصلات بدأ قبل ظهور «فري» في مشهد المواصلات. المهم أن قرار آرنو مونبورغ يهدد 5000 منصب شغل في المغرب. وجوابا عن تكلفة إعادة ترحيل 10000 منصب شغل ما بين المغرب وتونس إلى فرنسا، أشار الوزير إلى أن العملية ستكلف الزبون مساهمة بمبلغ 20 سنتيما في الشهر. والسؤال الذي يطرح اليوم هو التالي: هل ستترك الحكومة المغربية آرنو مونبورغ يعري المغربي ليلبس الفرنسي؟ أي هل ستترك 5000 مغربي «على الضس» و»مقطع بهم حبل» المكالمات؟! وإذا علمنا بأن قطاع المواصلات بالمغرب يوجد بدوره في عين الإعصار بسبب الأزمة العالمية فإنه من غير المستبعد أن تتضاعف أعداد العاطلين الذين سيتلقون «بْريّة» أو مكالمة تليفونية تخبرهم بتسريحهم من الشغل. وفي البيان الذي أصدرته يوم الثلاثاء الماضي مجموعة «اتصالات المغرب»، أشارت إلى أن «النتيجة الصافية للمجموعة خلال النصف الأول من هذه السنة بلغت 3,13 ملايير درهم» (284 مليون يورو)، وهو ما يشكل تراجعا ب22 في المائة، سببُه أساسا «تخصيص احتياطات لإعادة هيكلة الشركة (بما في ذلك التسريح الطوعي للعمال)، إضافة إلى المساهمة الاستثنائية في صندوق التضامن الاجتماعي. ويشير البيان إلى تراجع مردودية الهاتف الثابت والأنترنت في المغرب ب11,3 في المائة، أي ما يقدر ب3,404 ملايير درهم (309 ملايين يورو). ويبقى الانسحاب المحتمل لمجموعة «فيفاندي» الفرنسية من رأسمال الشركة، الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام كجزء من إعادة هيكلة الشركة الفرنسية الأم، من بين النقاط الحساسة التي ترهن مستقبل المجموعة. المهم أن قطاع المواصلات لن ينجو من تداعيات الأزمة الاقتصادية المبطنة التي يعرفها المغرب والتي تنذر بالانفجار في أية لحظة. سيؤدي المغرب الثمن غاليا بسبب خيارات «اللوكوست» التي انخرط فيها بسرعة وحماسة، ذلك أنه إن رحّلت فرنسا اليوم مراكز المكالمات الهاتفية، فمن يمنعها غدا من ترحيل معامل السيارات ومصانع قطاع غيار الطائرات وغيرها؟ إنها عملية «تنشيف» نظيفة للاقتصاد المغربي!