«لا تدعه يبقيك مستيقظا طوال الليل لأن اللغز لن تستطيع حله والأسئلة لن تجد لها أجوبة»، لكن في «أسرار غامضة طبعت التاريخ» نقوم بالإحياء الدرامي الدقيق لتلك الأسرار التي ألهمت الخبراء وأثارت اهتمامهم وأذهلتهم لقرون وعقود وجعلت من شخصياتها أساطير في الذاكرة. سوف نقوم بكشف حقيقة بعض الشخصيات الأسطورية من خلال اكتشاف أدلة ونظريات جديدة. نوستراداموس..أشهر عالم تنجيم عرفه العالم، استطاع أن يتنبأ بحدوث واحد من أكثر الأحداث مأساوية وهولا خلال 450 سنة الماضية. هل حقا رأى ذلك الفرنسي هذه الكوارث الكبرى التي عرفها العالم بعد وفاته بمئات السنين؟ أم أن نبوءاته أخذها من نبوءات قديمة ثم أعاد تركيبها؟ المؤرخون وعلماء التنجيم قاموا بفحص حسابات نوستراداموس وفكوا رموز نبوءاته وانتهوا إلى خلاصة نهائية، كاشفين علبة نبوءاته. نبوءات الكوارث العظيمة جرى التنبؤ منذ أكثر من 450 سنة بكارثة الحادي عشر من شتنبر مطلع الألفية الجديدة: «سوف تشتعل السماء عند خط العرض 45 وقريبا ستلتهم النيران المدينةالجديدة العظيمة وسينتشر اللهب المستعر ويتأجج. عند ذاك سيحاول النورمانديون الدخول إليها». كان من الصعب جدا إيجاد طريقة لتفسير هذه الآيات المروعة، لكن ما إن مضت أيام قليلة على أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 حتى سارع البعض إلى ربط كلمات المنجم نوستراداموس هذه التي وصفها في القرن السادس عشر بكارثة الحادي عشر من شتنبر. هجوم البرجين هو مثال جديد على ربط كلمات ميشال نوستراداموس بالأحداث المعاصرة. لقد قدم هذا المنجم الغني بأعماله آلاف النبوءات، لكن شهرته استمرت على مدى السنين وثبتت بفضل كتاب واحد هو «النبوءات». وهو كتاب يحتوي على 942 من النبوءات الغربية التي ارتبطت منذ نشرها سنة 1555 بالعديد من المحطات التاريخية الرئيسية. فيما يتعلق بالحرب العالمية الثانية يتحدث عن «هيستا»، الاسم الذي قيل إن المقصود به هو هتلر. وبالعودة إلى الوراء نجده يتحدث عن نابليون وعن حريق لندن الشهير. خلال الأربعة قرون الماضية كان الكثير من الناس مقتنعين بأن نوستراداموس تنبأ بأحداث كبيرة كالثورة الفرنسية، الحروب الكبيرة في القرن العشرين التي وقعت، وبأن البابا الحالي هو البابا ما قبل الأخير، وحتى بتفاصيل مقتل الرئيس الأمريكي جون كيندي، وأخيرا بنهاية العالم. لكن المعنى الحقيقي لنبوءات نوستراداموس يحمل بعضا من المراوغة تقريبا كقصة حياته التي عاشها، كما يؤكد خبراء أيامنا هذه. بين الطب والتنجيم ولد ميشال دي نوسترادام عام 1503 بسان ريمي دو بروفانس. ولم يبدأ حياته المهنية منجما، بل عمل صيدلانيا متجولا بين الأرياف، لكن في أواخر العقد الخامس من عمره تحول إلى العمل في التنجيم. لا أحد يعرف لماذا أصبح نوستراداموس يتنبأ بالمستقبل، لكن موهبته هذه اكتسبها منذ أيام الدراسة. كان التنجيم في القرن 16 علما دقيقا يتطلب إجراء حسابات دقيقة للوصل إلى توقعات صادقة وهذه تقنيات كان على المرء أن يتعلمه. الدليل على أن نوستراداموس تدرب على ذلك يأتي من جامعة مونبوليي، حيث تكشف وثيقة تسجيل الطلاب أن ميشال دو نوستردام من مدينة سان ريمي التحق بشعبة الطب عام 1529. في تلك الفترة كان الطب وعلم التجنيم مترابطين ترابطا جوهريين. لكن المؤرخين في الوقت الحالي وجدوا أن نوسترا داموس لم يكمل دراسته في الطب والتنجيم في جامعة مونبولي، فهناك سجلات تؤكد التحاقه بالجامعة كتلميذ طب، فيما جاءت بعد ذلك سجلات أخرى تثبت بأنه طرد من المدرسة وحذف اسمه من لائحة الطلاب. وقد أضيفت ملاحظة في هامش الصفحة تتعلق بسبب طرده: «صيدلي جوال أم مشعوذ؟ّّ». إذ كان بيع الأدوية في الطرقات يعد آنذاك مهنة دنيئة. وكان ممارسوها يمنعون من دراسة الطب. دليل آخر على تركه الدراسة في وقت مبكر وجده المؤرخون المعاصرون. في العام 1533 سجل نوستراداموس طبيبا في مدينة أجان حيث كان يمارس التنجيم ويمارس الطب في الآن نفسه. وقد بدأ يزاول مهنة الطب بعد أربع سنوات من بداية دراسته، رغم أن شهادة الطب تتطلب تسع سنوات من الدراسة.وهذا يعني أن خبرته في التنجيم اكتسبها مع الوقت. كان نوستراداموس يقرأ أبراج الحظ لزبناء خاصين، وهذا ما منحه شهرة واسعة، ليس فحسب في فرنسا، بل في دول أخرى. لم يكن نوستراداموس المنجم الوحيد في القرن السادس عشر في فرنسا، فقد كانت هناك منافسة قوية بين المنجمين. وقد أثارت شهرة نوستراداموس استياء العديد من هؤلاء المنجمين، الذين شككوا في موهبته وقاموا بتقديم توقعات خاطئة بدافع الحسد. غير أن بعضا من نبوءاته تحقق، ومنها قصة ركوعه في إيطاليا أمام راهب شاب أصبح فيما بعد البابا سيكستوس الخامس بعد وفاة نوستراداموس بوقت طويل. كما تنبأ لشاب من حاشية الملكة كاترين بأنه سيكون ملك فرنسا المقبل، بالرغم من أن كاترين كان لها ولدان على قيد الحياة. وبالفعل أصبح هنري البافاري الملك هنري الرابع فيما بعد. أخطاء نوستراداموس للبحث في دلائل نبوءاته حلل الخبراء توقعات نوستراداموس الفلكية، التي لم يبق الكثير منها، لكن تفاصيل أحد نبوءاته، التي دونها في مذكراته بشأن رجل يدعى أنطون سوفرن كانت خاطئة.إذ تنبأ بأن لحية ذلك الرجل ستنمو وبأن ظهره سينحني وبأن لون أسنانه سيتغير وأنه سيموت في سن ال75. لكن أنطون لم تنبت له لحية طويلة ولم ينحن ظهره ومات دون سن ال54. فك المحلل بيتر لوموزربيه، الذي قضى 10 سنوات في تحليل كتاب نوستراداموس، شفرة نبوءاته وتوصل إلى أنها مقتبسة عن كتب قديمة، منها «الميرابيلس ليبر»، وهي مجموعة نبوءات تعود إلى القرون الوسطى، وقد نشرت في كتاب عام 1522، أي قبل نشر كتاب نوستراداموس ب330 سنة. ويعتقد لوموزربيه أن هذه النصوص الكلاسيكية هي أساس معظم توقعات نوستراداموس، ونبوءة 11 شتنبر مثال واضح على ذلك. فك لوموزربيه كل قسم من هذه النبوءة، فوجد ما يلي: «أولا مدينة نيويورك ليست على الخط العرض 45، بل على الخط 41، والمدينة التي توجد على الخط 45 هي نابولي، أي نيابوليس باليونانية، ومعناها المدينةالجديدة. أما بالنسبة للنورمانديين فلا علاقة لهم بمدينة نيويورك متعددة الثقافات.. هذه إشارة إلى حدث وقع في وقت سابق في العام 1139 والمقصود هو سقوط نابولي في يد النورمانديين، ورافق ذلك ثورة بركان بيزوفيوس القريب منها». تبدو نبوءات نوستراداموس كأفكار أخذها من نبوءات قديمة ثم أعاد تركيب الأحداث التاريخية من جديد. ترتكز إذن نبوءاته على المبدأ القائل إن «التاريخ يعيد نفسه» وبأن التاريخ يصنعه البشر، وأن البشر لا يتغيرون. ويرى الخبراء أن الدليل الذي لا لبس فيه هو أن نوستراداموس لا يملك القدرة على قراءة المستقبل، ومع هذا يبقى محاطا بالأسرار. وهناك نبوءة لم تحقق وستستمر حتى الألفية الرابعة ثم تندثر، وهي نبوءاته بأن نهاية العالم ستكون على مشارف العام 3797.