مأساة «بطلاها» شقيقان من مدينة آسفي، بدأت في أفغانستان واستمرت في باكستان، قبل أن تتواصل في سجن «غوانتانامو»، الرهيب.. سطع «نجم» يونس الشقوري وشقيقه رضوان في سجن «غوانتانامو»، إلى جانب سعيد بوجعدية، عبد الله تبارك، محمد بنموجان، ناصر عبد اللطيف ومراسل الجزيرة، السوداني سامي الحاج... يونس ورضوان الشقوري شقيقان ترعرعا في مدينة السردين والخزف، لكن دوافع الرزق الوفير والعمل في مجال الخير جعلاهما يفترقان على دموع الوداع على أمل اللقاء في القريب. لكن الأقدار سترمي بالأخوين اللذين افترقا وودعا بعضهما وسط حرب استعملت فيها أحدث القذائف والمروحيات، في العاصمة الأفغانية كابول، قبل أن يجتمعا في سجن «غوانتانامو»، بعد أن فرّقت بينهما الطائرات، التي كانت تلقي بالقذائف والصواريخ فوق رأسيهما. «المساء» تكشف المعطيات الدقيقة ل«فيلم رعب» عاشه الشقيقان على أيدي الأفغان والباكستان والأمريكان، ووثائق تُنشَر لأول مرة حول الشقيقين يونس ورضوان ومسارهما نحو سجن «غوانتانامو» الرهيب.. جاء وقت الرحيل، بعد أن أصبح المكوث والاستقرار بجلال أباد مستحيلا. حالة نفسية مضطربة أضحى يعيشها «يونس» منذ أن توفي والداه، وأصبحت عودته إلى الوطن مستحيلة، بعدما تخلى عنه الأحبة والمقربون. وفي ليلة الرحيل إلى كابول جلس «يونس» يسترجع ذكريات الطفولة الصعبة التي عاشها، رفقة إخوانه، ويعيد رسم كد الوالد الذي بدأ خياطا في أحد دروب المدينة القديمة، قبل أن يعمل حارسا برتبة «شاوش» بالقصر البلدي لدى الباشا المعروف آنذاك ب «الدادي»، وكيف أن والدته كافحت وقاومت جل مصاعب الحياة من أجل توفير عيش كريم له ولجميع إخوانه وأخواته، هؤلاء الذين اعتبرهم «يونس» قد تنكروا له بعدما رفضوا دخوله للمغرب خوفا من القبض عليه، كما هو الحال بالنسبة لأحد أشقائه الذي كان في أفغانستان. ظهور شخصيات بارزة صبيحة يوم الجمعة من سنة 2001، جمع يونس أغراضه رفقة زوجته، وتوجه صوب مدينة كابول على متن حافلة. قطع حوالي 120 كيلومترا، حاملا أغراضه وهمومه، التي تثقل يوما بعد يوم. وبعد حوالي ثلاث ساعات وصل إلى العاصمة كابول. وصل يونس وسط الحر الشديد إلى العاصمة كابول، بعد أن تملكه التعب من اهتراء الحافلة التي استقلها، مرفوقا بزوجته، ومما زاد من تعبه الحرارة المرتفعة التي كانت تعرفها كابول في ذلك اليوم. توجه «يونس» بعد أن ضل الطريق صوب أحد المراكز الإسلامية، التي تعمل في مجال الرعايا الاجتماعية، والعمل الخيري والإنساني، هناك حيث سيطلع «يونس» على كثير من الخبايا، والمعطيات التي ستشكل طفرة نوعية في مسار حياته، حيث سيقابل شخصيات بارزة في تنظيم القاعدة، ومغاربة ارتبطوا بتنظيمات إسلامية مصنفة ضمن خانة التنظيمات الإرهابية. هذه الشخصيات تأثر بها يونس فكريا بشكل كبير، لدرجة أن بعض هؤلاء تربطه علاقة قرابة ومصاهرة. نفيعة وسعد الحسيني في كابول في كابول ستظهر شخصية كانت «مختفية» في المشهد أو رجعت إلى الوراء دون الحضور في واجهة الأحداث، التي واكبت تحركات يونس الشقوري وزوجته وباقي إخوانه. نور الدين نفيعة، زوج مريم شقيقة يونس الشقوري، الذي سيعتقل على خلفية الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدارالبيضاء في 16 ماي 2003، سيظهر في كابول، هناك سيلتقي بيونس، ويعرفه على بعض الزعماء والقادة الأفغانيين والذين تربط بعضهم علاقة تنظيمية بتنظيم القاعدة. قدم نور الدين نفيعة زوج مريم الشقوري، شقيقة رضوان ويونس، دعما ماليا لهذا الأخير، بعد الأزمة المادية التي ألمت به. كان من بين من تعرف يونس عليهم، بواسطة نور الدين نفيعة، أحد أهم كوادر الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية سعد الحسيني الملقب ب «مصطفى». لم يكن يونس يعرف سعد الحسيني إلا من خلال نور الدين نفيعة، الملقب ب «أبو معاذ المغربي»، في حين يطلق عليه البعض لقب «شيخ المجاهدين المغاربة الأفغان»، هذا الأخير تعرف على سعد الحسيني سنة 2000، وربطت بينهم علاقة تنظيمية تتمثل في الانتماء لتنظيم الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية. دعم الظواهري والزرقاوي سيلتقي نفيعة وسعد الحسيني بأبي مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة بالعراق، والذي لقي حتفه على أيدي القوات الأمريكية في معسكر«لوغار» في أفغانستان، في لقاء ترأسه الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، وقد اقترح الزرقاوي على المقاتلين المغاربة في صفوف القاعدة تشكيل تنظيم لإعلان الجهاد وإحلال الخلافة الإسلامية محل النظام الحالي في المغرب، ونقل عن الحسيني أن الظواهري أبدى استعداده لدعم «الجماعة الإسلامية المقاتلة» على المستويين اللوجستي والمالي. ظهر نور الدين نفيعة قياديا جهاديا أكثر من يونس الشقوري، وهو الذي ربطته علاقات صداقة مع زعماء في تنظيم القاعدة، أكثر من يونس، حتى أن الدعم المالي الذي كان يتلقاه ابن مدينة آسفي كان يتم بواسطة قريبه نور الدين نفيعة المحكوم ب20 سنة سجنا نافذا على خلفية أحداث 16 ماي الإرهابية، التي استهدفت العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء. بدا سعد الحسيني، البالغ من العمر 38 سنة، والذي يعتقد بأنه صانع المتفجرات التي استخدمت في الهجمات الانتحارية في الدارالبيضاء، (بدا) متخصصا ومهندسا في الأمور التقنية واللوجستيكية، في حين كان نور الدين نفيعة (أبو معاذ) يحضر في اللقاء والتجمعات ك «شيخ» أصولي، يعظ ويخطب في الحاضرين، كما لعب أدوارا تتميز ب «الحكمة» من خلال إبداء آرائه والاحتكام إليه في بعض القضايا التي تثار حولها خلافات، وتتضارب حولها الرؤى والتصورات. وقد اعتبرت تقارير استخباراتية سعد الحسيني، المتهم أيضا في التفجيرات التي هزت إسبانيا خلال العقد الماضي، «ناشطاً في شبكة مكلفة بتجنيد شبان مغاربة وإقناعهم بالفكر السلفي وبالتوجه إلى العراق للقيام بعمليات إرهابية». دور سعد الحسيني في كابول كان كبيرا، فقد كان على اتصال دائم بناشطين في «تنظيمات متطرفة»، في منطقة المغرب العربي. إذ كان دائم الاتصال بالتونسي صبحي بن محمد صالح، الذي كان ناشطاً في حركة إسلامية، كما أقام علاقات مع ناشط في السلفية الجهادية اسمه «عبد السلام»، وعضو في الوقت ذاته في تنظيم الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية، إضافة إلى جزائري اسمه «ياسين» اعتقل في اسبانيا بتهمة الانتساب إلى الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر».