مأساة «بطلاها» شقيقان من مدينة آسفي، بدأت في أفغانستان واستمرت في باكستان، قبل أن تتواصل في سجن «غوانتانامو»، الرهيب.. سطع «نجم» يونس الشقوري وشقيقه رضوان في سجن «غوانتانامو»، إلى جانب سعيد بوجعدية، عبد الله تبارك، محمد بنموجان، ناصر عبد اللطيف ومراسل الجزيرة، السوداني سامي الحاج... يونس ورضوان الشقوري شقيقان ترعرعا في مدينة السردين والخزف، لكن دوافع الرزق الوفير والعمل في مجال الخير جعلاهما يفترقان على دموع الوداع على أمل اللقاء في القريب. لكن الأقدار سترمي بالأخوين اللذين افترقا وودعا بعضهما وسط حرب استعملت فيها أحدث القذائف والمروحيات، في العاصمة الأفغانية كابول، قبل أن يجتمعا في سجن «غوانتانامو»، بعد أن فرّقت بينهما الطائرات، التي كانت تلقي بالقذائف والصواريخ فوق رأسيهما. «المساء» تكشف المعطيات الدقيقة ل«فيلم رعب» عاشه الشقيقان على أيدي الأفغان والباكستان والأمريكان، ووثائق تُنشَر لأول مرة حول الشقيقين يونس ورضوان ومسارهما نحو سجن «غوانتانامو» الرهيب.. مأساة حقيقية حلت بأسرة الشقوري بدايات التسعينيات. سنوات سوداء مرت على أفراد الأسرة كالجحيم الذي ينتظر يونس بسجن «غوانتانامو» الرهيب. ففي ظرف وجيز أخذ الموت زوج شقيقة يونس، والدي يونس ورضوان ومريم...، واعتقال الشقيق البكر والتحقيق معه، لكن يونس ستنهال عليه المصائب تباعا، عندما «رفض» أشقاؤه دخوله إلى المغرب، وتركه مبعدا عنهم في الديار الباكستانية بدل الدخول إلى البلد الأم ومسقط رأسه، وهو الذي كان دائما يحن للعودة إلى حضن مدينته التي ارتبط بها بجنون كباقي أبناء المدينة الجميلة. هذا الواقع الجديد، الذي أضحى يعيش فيه يونس، بعد وفاة والديه، وموت زوج أخته، الذي كان بمثابة الأخ الذي لم تلده أمه، ورفض إخوته عودته إلى المغرب، حتى لزيارة قبر والديه، اللذين لم يحضر جنازتهما، سيجعل عقل وقلب يونس يقسو شيئا ما، فأصبح يُفكر في وضع حد وخلاص لمعاناته المادية، والقطيعة التي شعر بها تجاه إخوته في المغرب. أخذت مصائب يونس تتوالى وتتراكم وتصبح بالنسبة له كجبل ثقيل يجب التخلص منه بأي طريقة. شاءت الأقدار أن يكتشف خلال الفترة التي كان يفكر فيها بمغادرة بلدة جلال أباد نحو العاصمة كابول أن زوجته مريضة بمرض لم يسمع عنه من قبل وشكل صدمة قوية بالنسبة له، نظرا لخطورته وتكاليف علاجه الباهظة، كما أكد له ذلك أحد «إخوانه» المغاربة في أفغانستان. اكتشاف مرض الزوجة كلما حضر يونس إلى البيت الصغير الذي كان يقيم فيه رفقة زوجته، يجدها تتألم و«تتلوى»، من شدة الألم الذي يخترق كليتيها، لم يعد يطيق يونس الوضع الصحي لزوجته، وهي التي بدأ وزنها يتراجع، وتعجز في كثير من الحالات عن الحركة، مما جعله يعمل ليل نهار ببعض المؤسسات الخيرية والإنسانية، والقيام ببيع بعض الملابس والأثواب التي استقدمها معه من تركيا وسوريا. بعد أزيد من شهر من اكتشافه للمرض، والعمل على جمع بعض المال من أجل علاج زوجته ووضع حد لألمها وألمه هو الآخر، لم يكف المال الذي حصله من العمل، مما جعله يطلب من بعض أصدقائه إقراضه مبلغا ماليا من أجل معالجة زوجته. لم يتأخر صديقه عن مده بالمال، لكن صدمة يونس ستكون كبيرة، عندما سأل عن إمكانية علاج زوجته في أحد مستشفيات أفغانستان، التي تفتقر أغلبها للوسائل والتقنيات المتطورة لعلاج الأمراض الخطيرة. أصبح علاج زوجة يونس داخل أفغانستان غير ممكن، مما جعله يفكر في الخروج من الدولة صوب باكستان أو تركيا أو سوريا، لكن «دخول أفغانستان سهل جدا بينما الخروج منها جد جد صعب، بل مستحيل»، يقول يونس في محاضر التحقيق معه من قبل قضاة أمريكيين تتوفر «المساء» على مضمونها. أصيب الزوج بالإحباط، بل توقف تفكيره في لحظة معينة، ولم يعد يذهب إلى العمل ولم يعد يلتقي بأصدقائه، إلى أن بدأت حالة الزوجة الجزائرية الصحية تتحسن شيئا ما، حينها عاد يونس للعمل من جديد وبدأ يتردد على المؤسسات الإسلامية التي يعمل فيها، لكن ما لم يكن في الحسبان ولا يخطر على البال، أن نظرة أصحاب المؤسسة التي يعمل بها ستتغير، وتتغير معها نظرة كل من يعمل معه في مجال الجمعيات الإسلامية. لم يعد عدد من الأفغانيين يتعاملون معه، كما في السابق، فقرر يونس أن يعتزل شيئا ما الأفغانيين ويتجنبهم، في المقابل بحث عن مغاربة وعرب يربط معهم علاقة صداقة، وعلاقة عمل إذا أتيح له ذلك. مغاربة هربوا بحثا عن لقمة العيش بدأ يونس يحس بأن الأفغانيين ينظرون عليه وإلى باقي إخوانه المغاربة الذين كانوا معه في المدينة نظرة احتقارية، وازدرائية، لم يفهم ما الذي حدث، وما سبب هذا الانقلاب. بعد تفكير عميق وتأمل في سلوكيات ومواقف بعض الأفغانيين الذين ربطتهم علاقة عمل بيونس، والنقاشات التي فتحها مع بعض المغاربة حول تغير تعامل الأفغانيين معه، وجد أن الأمر لا ينطبق عليه وحده، مما جعله يخاطب أحد أصدقائه قائلا «إذا عمت هانت». حاول يونس تفسير الخطب الجديد، ومحاولة فهم حقيقة ما يخبئه الأفغان، أخيرا توصل يونس إلى حقيقة مفادها أن الأفغانيين يريدون توظيف عدد من المغاربة لتحقيق أهدافهم الجهادية، ولهذا كانوا ينظرون إليهم على أنهم عبارة عن مشاريع مقاتلين جدد، جاؤوا من بلدهم إلى أفغانستان من أجل لقمة العيش ولو على حساب حياتهم إن اقتضى الأمر. نظرة الأفغانيين كانت تخبئ نظرة تحقيرية، مبطنها أن هؤلاء المغاربة أناس بدون مأوى وبدون عائلات قطعوا أميال الكيلومترات هربا من وطنهم بحثا عن لقمة العيش والعيش في سلام. لم يعد يونس يطيق الجلوس لدقيقة في جلال أباد وهي التي كانت حلمه لتلبية حاجياته وجعله قريبا من الواقع الذي سيمكنه من تسلق الدرج الاجتماعي، بدل مدارج العلم الذي صال وجال في رحابه، وطلبه من معينه، لذلك، وبعد تفكير طويل قرر أن يسافر صوب العاصمة الأفغانية كابول، بعدما أحس بعقم وجفاف منبع الرزق واستحالة العيش وسط أناس يكنون له ولباقي المغاربة الاحتقار والدونية.