مأساة «بطلاها» شقيقان من مدينة آسفي، بدأت في أفغانستان واستمرت في باكستان، قبل أن تتواصل في سجن «غوانتانامو»، الرهيب.. سطع «نجم» يونس الشقوري وشقيقه رضوان في سجن «غوانتانامو»، إلى جانب سعيد بوجعدية، عبد الله تبارك، محمد بنموجان، ناصر عبد اللطيف ومراسل الجزيرة، السوداني سامي الحاج... يونس ورضوان الشقوري شقيقان ترعرعا في مدينة السردين والخزف، لكن دوافع الرزق الوفير والعمل في مجال الخير جعلاهما يفترقان على دموع الوداع على أمل اللقاء في القريب. لكن الأقدار سترمي بالأخوين اللذين افترقا وودعا بعضهما وسط حرب استعملت فيها أحدث القذائف والمروحيات، في العاصمة الأفغانية كابول، قبل أن يجتمعا في سجن «غوانتانامو»، بعد أن فرّقت بينهما الطائرات، التي كانت تلقي بالقذائف والصواريخ فوق رأسيهما. «المساء» تكشف المعطيات الدقيقة ل»فيلم رعب» عاشه الشقيقان على أيدي الأفغان والباكستان والأمريكان، ووثائق تُنشَر لأول مرة حول الشقيقين يونس ورضوان ومسارهما نحو سجن «غوانتانامو» الرهيب.. عاش يونس الشقوري، المعتقل في سجن الكوبي «غوانتانامو»، الرهيب، وسط أسرة تتكون من تسعة إخوة ذكور وخمس إناث، إضافة إلى الأب والأم، في مدينة طبعها الهدوء، الذي يسبق عاصفة الفوضى، وغصب مواردها وإمكانياتها الكثيرة، كي تكون مدينة تحتضن أبناءها، وتمنعهم من التفكير في الهجرة خارجها. فرغم تمتّع أسرة الشقوري باستقرار مادي جد محدود، يجعل تلبية حاجيات أفراد الأسرة ال16 أمرا في غاية الصعوبة، فقد كان الأبناء «ثوارا» على الوضع الاجتماعي، رافضين العيش على إمكانيات الوالدة حليمة بنت أحمد والوالد عبد الرحمان بن محمد، المحدودة جدا، بدل بذل جهد من أجل الاستقلال المادي والاجتماعي، حتى ولو تطلب الأمر العمل في مجالات لا تدر عليهم سوى دراهم معدودة في اليوم الواحد. الشقوري.. بين الثراء وجذبة «حمادشة» ينتمي رضوان ويونس إلى عائلة تعددت فيها سبل الرزق. ففي عائلة الشقوري من عاشوا في رغد الحياة ووفرة في إمكانيات العيش الكريم، لتصنف ضمن إحدى أغنى أسر مدينة آسفي، وفيها أسر عاشت شظف العيش وخشونة في الحياة، حتى إن بعض «الشقاقرة»، كما يُطلَق عليهم في آسفي، من عملوا في ميناء المدينة الساحلية يبيعون السردين، ويسعون وراء دراهمَ من أجل تلبية احتياجاتهم، ومنهم من عملوا في الإنعاش الوطني مقابل 1000 درهم في الشهر الواحد، حتى إن من بين عائلة الشقوري من تملّكتهم الجذبة مع «حمادشة».. لكن عائلة الشقوري، التي يشكل رضوان ويونس اثنين من أعمدتها، لم تتطرف يمينا، نحو الغنى والثراء، أو يسارا، نحو الحاجة وخشونة العيش، تحت كنف أسرة ظل رب أسرتها يسعى وراء مصدر رزقه رفقة أبنائه من أجل الدفع بسفينة الأسرة نحو بر الأمان. تدرّج يونس الشقوري، المزداد بتاريخ 4 ماي 1968، في سلكه الدراسي إلى أن حصل على شهادة الباكلوريا، ليتوجه صوب كلية جامعة أبي شعيب الدكالي في مدينة الجديدة، في نهاية الثمانينيات، بينما درس شقيقه رضوان، المزداد سنة 1972، في سلك التعليم الابتدائي إلى أن وصل إلى المستوى الإعدادي، حيث ستتوقف مسيرته الدراسية، بسبب «قصوحيّة الراس»، على حد قول أحد المقربين من أسرة عبد الرحمان الشقوري في لقاء مع «المساء». فرغم محاولات الوالد من أجل إجبار فلذة كبده على الاستمرار في الدراسة، صار حثّ عبد الرحمان على التحصيل العلمي مهمّة مستحيلة، ليصير الخروج إلى سوق الشغل مبكّرا المصيرَ الوحيد من أجل شق طريق للاستقرار الاجتماعي، بعدما أصبح مستحيلا عبر الدراسة والتحصيل العلمي. في المقابل، فإن محدودية إمكانية الاستمرار في الدراسة بالنسبة إلى يونس في مدينة الجديدة، حيث قضى سنتين في جامعة أبي شعيب الدكالي، ستجعله يفكر في السفر نحو إحدى الدول العربية للدراسة من جهة، والدخول إلى عالم التجارة، من جهة ثانية، في الوقت الذي كان يحلم بالسفر إلى إحدى الدول الأوربية. محافظة الوالدين وانحراف الجيران تربى رضوان ويونس في بيئة جمعت بين محافظة الأسرة وانحراف الجيران وأبناء الحي الذي عاشا فيه. كانت والدة رضوان ويونس، حليمة بنت أحمد، تحافظ على صلواتها الخمس، كما هو الشأن بالنسبة إلى الوالد، عبد الرحمان بن محمد، وهو ما جعل أغلب أفراد الأسرة يتسمون بالاستقامة والتديّن، كما هو الشأن بالنسبة إلى مريم الشقوري، التي عُرِفت بمنهجها السلفي داخل الأسرة، على غرار شقيقها يونس، الذي لم يتزوج بعد، خلافا لأخويه، اللذين عُرفا بتدينهما العادي أو ما يصطلح عليه ب«المحافظة». فلحية إخوة يونس عادية، عكس هذا الأخير، الذي عُرِف بلحيته الكثة وسرواله القصير.. كما أن شقيقته مريم داومت على ارتداء نقاب لا يسمح بأن يُرى منها سوى عينيها.. كانت علاقة رضوان بشقيقه يونس وطيدة بشكل جعل العلاقة بينهما تبين اختلاف العلاقة بين باقي الإخوة ببعضهم، من جهة، وبيونس ورضوان، من جهة ثانية. لم يفارق يونس شقيقه الأصغر رضوان منذ أن انقطع عن الدراسة، فقد كان يجالسه لمدة طويلة ويسافر معه حيث كان يجلب السلع التي كان يتاجر فيها، ويرافقه إلى الميناء (المْرسى) لجلب كمية كبيرة من السردين ب5 دراهم.. قال أحد أقرباء عائلة الشقوري إن يونس عُرف باستغلاله ل«الهوتات»، أي أنه «يرصد» الأوقات التي يكون فيها السردين و«التون» بثمن لا يتجاوز نصف درهم أو حتى درهما للكيلوغرام الواحد، كما أنه كان يبحث، باستمرار، عن باعة الملابس بالجملة من أجل أن يصبح له فيها نصيب في الرأسمال ويبيعها بثمن يفرّج من أزماته المالية التي مر بها خلال المراحل الأولى لانقطاعه عن الدراسة. البحث عن «الهوتات» والبعد عن الحرام تدرج يونس الشقوري في مدارج التجارة والبحث عن «الهوتات»، إلى أن دخل عالم التجارة في الأثواب، لكنْ في تلك الأثناء، ونظرا إلى الأجواء المحافظة التي تربّى فيها يونس الشقوري داخل منزل والده عبد الرحمان جعل حضور الدين في التجارة والتجارة في الدين أمرا يُميّزه عن باقي التجار الصغار، الذين كان يتعامل معهم ويخالط بعضهم في الأسواق. وهكذا كان يونس يحدّث زملاءه التجار الصغار عن قواعد البيع والشراء على ضوء الشرع الإسلامي الحنيف، ويحثّهم على احترام التشريعات الربانية في المعاملات والتجارة وجني الدرهم الحلال بدل اللهاث وراء المال الحرام أو «السحت»، كما كان يسميه.. وهكذا ظهر يونس بين أصدقائه في التجارة بمثابة ذلك «التاجر الذي يخاف ربه».. ويضع حدا بينه وبين المال الحرام والغش في التجارة والعاملات المالية، بعد أن درس الإسلاميات في كلية الأداب والعلوم الإنسانية في جامعة أبي شعيب الدكالي، وهي الجامعة التي كانت قبلة العديد من أبناء مدينة آسفي، قبل أن تفتح جامعات أخرى وتتعدد وجهات أبناء مدينة آسفي. لكنْ فجأة، لم يعد يونس يحضر إلى السوق رفقة أصدقائه، بعد أن غادر المدينة صوب وجهة مجهولة.