رغم «الثورة المضادة» ومشاكل الحياة ورغم محنتهم مع «الفول» و«الفلول»، استطاع أشقاؤنا المصريون أن ينجحوا في اختبار الرئاسيات، وخرجوا من الامتحان بأقل الخسائر متجنبين أسوأ السيناريوهات: تحويل «ميدان التحرير» إلى مستنقع من الدماء. صحيح أن محمد مرسي وصل إلى قصر العروبة بلا دستور ولا برلمان، لا يملك من الرئاسة إلا الاسم والكرسي، لكن الانتخابات كانت شفافة وأشرف عليها جهاز قضائي مستقل واحترمت فيها «الإرادة الشعبية»، ما جعلها تضع حدا لعهود «تسعة وتسعين فاصل تسعة وتسعين في المائة»، وحتى آخر لحظة بقي العالم حابسا أنفاسه ينتظر الفائز، في تشويق لم يسبق أن عرفته أي انتخابات عربية من قبل. من قال إن أشجار «الربيع العربي» بلا ثمار؟ «الإخوان المسلمون» كانوا واثقين من فوزهم، لكن حل البرلمان و«لجنة وضع الدستور» جعلهم يتوقعون الأسوأ، لذلك نزلوا إلى الشارع مستنجدين بالشعب كي يحبطوا ما يحوكه «المجلس العسكري» في الظلام. معركة الصناديق حسمت في «ميدان التحرير»، ولو ربح شفيق لانزلقت البلاد في مسلسل دموي على الطريقة الجزائرية. المثير أن «المحروسة» نجت من السيناريو الجزائري واقتربت من السيناريو المغربي: لحية بنكيران تشبه لحية مرسي، ومكر «المجلس العسكري» يذكِّر ببراغماتية «المخزن» المغربي، ولا فرق بين شباب الخامس والعشرين من يناير وشباب العشرين من فبراير، وكما خرج هؤلاء من «الربيع المغربي» ب«خفي حنين»، سيخرج الشباب المصري من «مولد» الثورة «بلا حمص»... بل الخشية أن تكون ساعة الانتقام دقت في مصر أيضا، وكما فرق الحاقد وبلخديم وسقراط ورفاقهم على السجون، قد يجد شباب الثورة المصرية أنفسهم أمام آلة قمع لا ترحم، لأن ميزان القوى مال لصالح «المجلس العسكري»، ولن يخيفه «ميدان التحرير» بعد اليوم، لأنه «توافق» على اقتسام السلطة مع الإسلاميين القادرين على «التجييش»، تماما كما حدث عندنا. بمجرد ما يكمل مرسي وإخوانه مشاوراتهم مع العسكر والأمريكان، سيجمعون خيامهم من «التحرير» ويدقون أوتادها في دواليب الدولة. ورثة حسن البنا كان يهمهم شيء واحد: الوصول إلى السلطة، وبات يهمهم شيء واحد: الحفاظ عليها. كل الطرق مشروعة والغاية تبرر الوسيلة. بعد أن خلطوا كتب قطب مع مؤلفات ميكيافيل، باتوا مستعدين لكل شيء من أجل البقاء في السلطة لأطول مدة ممكنة. على كل حال، يبدو «الفيلم المصري الطويل» مفتوحا على مزيد من المفاجآت، خصوصا أن الصراع مازال مفتوحا عن آخره بين الشرعيات: الشرعية الدينية والمدنية والعسكرية والشعبية، ولا أحد يعرف أيها ستنتصر في النهاية، كما لا أحد يعرف أين سيحلف محمد مرسي اليمين، أمام المحكمة الدستورية أم أمام البرلمان المحلول؟ والبعض يخشى أن «يرجع الجيش في كلامه» ولا يسلم السلطة أو أن تصبح مصر مثل تركيا في الثمانينيات، عندما كان العسكر يلعبون بالرؤساء كما يلعب المسرحي بدماه المتحركة، وثمة أسئلة كثيرة تقض مضجع المصريين: متى تعود الحياة إلى سابق عهدها؟ متى يستطيعون التجول في الشارع ليلا دون خوف؟ وهل يستطيع مرسي إعادة توزيع الثروة بين المصريين؟ ماذا سيصنع بمعاهدة كامب ديفيد؟ هل يضطر الرجل، الذي أمضى حياته في مناهضة التطبيع والصهيونية، إلى الجلوس مع الإسرائليين أم سيعين نوابا مكلفين بمصافحة نتنياهو وتقبيل كلينتون؟ وما مصير المرأة والأقباط؟ هل سيلتزم مرسي بتعهداته إزاء الدولة المدنية؟ بعض الظرفاء يقولون إن أول شيء سيصنعه الرئيس «الإخواني» بعد أن يحلف اليمين هو «صوم ثلاثة أيام»، هكذا يتحرر من كل التعهدات وينفض الغبار عن شعار جماعته المفضل: «دستورنا القرآن»!