أخذ الراضي عن المهدي بنبركة انخراطه المبكر في العمل السياسي، وقامته القصيرة وجسمه المكتنز، رغم ما بين الرجلين من فوارق «طبقية». وحين عاد إلى المغرب المستقل من فرنسا المستعمرة السابقة، زاول الراضي مهنة التدريس في الجامعة المغربية، ملقنا طلبة المغرب ما تعلمه من مبادئ التحليل النفسي، حريصا على ارتداء بذلته الرسمية ومعتنيا بشنبه القصير؛ وبما أن «أعباءه» الجامعية لم تكن ثقيلة، حيث لم يكن عدد الطلبة المقبلين على تخصص «السي الراضي» يتجاوز بضعة طلبة؛ فإنه لم يكتف بكرسيه الجامعي، بل سارع إلى حجز مقعد برلماني منذ الوهلة الأولى، مستثمرا وجاهته العائلية بالمنطقة القروية التي ينحدر منها. خرج عبد الواحد الراضي من صناديق الاقتراع بأغلبية نسبية وفرق 25 صوتا عن فتح الله والعلو؛ بعد مؤتمر دام لشهور لافتراق قلوب الاتحاديين حول من يجلس مكان محمد اليازغي، ليعود الراضي في اليوم الموالي إلى زيارة قصر المؤتمرات بالصخيرات، متجولا في هدوء وتبختر بين المؤتمرين، متلقيا تهانيهم وقبلاتهم. قليلون تذكروا حينها أنه أثناء اشتداد المواجهة بين السلطان محمد الخامس وسلطات الحماية الفرنسية، سجل ما سيعرض آل الراضي لمتاعب سنوات قليلة بعد ذلك، حيث ورد اسم احد القواد المنحدرين من هذه العائلة ضمن لائحة مساندي محمد بنعرفة، ليكون مصيره «التتريك» بواسطة ظهير ملكي بعد رحيل الفرنسيين، خلافا لوالد عبد الواحد الذي عرف عنه رفضه مجاراة خطط تكتل القواد والشيوخ والأعيان الملتفين حول بن عرفة. إلا أن العائلة تبقى رمزا لأعيان ووجهاء منطقة القصيبة ببنسليمان، لما راكمته من ممتلكات عقارية وفلاحية؛ مما جعل أحد المؤتمرين الاتحاديين يعلق ساخرا بعد انتخاب عبد الواحد الراضي كاتبا أول للاتحاد، بأن هذا الأخير بات يعيش عهد النبلاء والإكليروس ورجال الكنيسة. حصل عبد الواحد الراضي على الإجازة عام 1961 بعد أن مارس «أنشطة موازية» إلى جانب زملاء مثل المهدي بنبركة، في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب؛ لكنه لم يستطع توديع عاصمة الأنوار، حيث سرعان ما تابع دراساته العليا في جامعة السوربون، مع توليه مهمة الكاتب العام لفيدرالية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا، ومساهمته في التأسيس لكنفدرالية طلبة شمال إفريقيا. مسؤوليات نقابية سوف يتابعها بعد ذلك ككاتب عام للنقابة الوطنية للتعليم العالي. يسجل الجميع كيف أن صفقة التناوب الشهيرة التي أبرمت بعد أربعة عقود، حملت الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي إلى منصب الوزارة الأولى، لكن هذه الصفقة حملت أيضا اتحاديا آخر اسمه عبد الواحد الراضي إلى منصب «البرلماني الأول»، كرئيس لمجلس النواب، علما بأنه أقدم البرلمانيين المغاربة، حيث ظل يحتفظ بمقعده عن دائرة سيدي سليمان منذ أول انتخابات عرفتها المملكة في 1963. فيما شغل مهمة رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بين عامي 1977 و1983، ليتولى رئاسة المجلس الجماعي للقصيبة، وحمل حقيبة التعاون في حكومة كريم العمراني. فمكوثه الطويل تحت القبة البرلمانية وخبرته وانتماؤه السياسي، كلها عوامل أهلته ليصبح أول رئيسا لمجلس النواب منتخبا من صفوف المعارضة التاريخية، لولاية أولى امتدت من 26 دجنبر 1997 إلى 3 شتنبر 2002، حوالي 57 شهرا، بما يناهز 9 دورات عادية و3 دورات استثنائية وبلغت حصيلتها 196 قانونا. ليعاد انتخابه في ذات المنصب لولاية ثانية تميزت بالتراجع عن «المنهجية الديمقراطية» بتعيين إدريس جطو على رأس الحكومة بعد اقتراع 27 شتنبر2007، وعرفت سنواتها التشريعية المصادقة على 216 قانونا. تميزت الولايتان الأخيرتان من عمر مجلس النواب تحت قيادة نائب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتأجيل طرح سؤال المراجعة الدستورية كبديل أو كمدخل للإصلاح السياسي والاقتصادي.. وطرح الإصلاح التشريعي كمدخل من خلال إصلاح القوانين المتعلقة بالحريات العامة والقوانين الانتخابية... فيما تميزت الولاية الأولى بتشكيل لجنتين برلمانيتين لتقصي الحقائق، الأولى حول الخروقات والاختلاسات المتعلقة بتدبير القرض العقاري والسياحي، والثانية حول الخروقات المتعلقة بتدبير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. لكن مآل الملفين كان إلى ردهات المحاكم حيث طالهما التجميد أو التعامل الانتقائي. أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب بالرباط لم يتمكن من تغيير سلوك البرلماني المغربي، بل زادت ممارسته النيابية في الولايتين السالفتين تكريسا لصورة الانتهازي الخامل دائم الغياب عن مقاعد المجلس، فيما ظلت المؤسسة خارج حسابات الفاعل السياسي، وباتت في أحسن الأحوال قناة لأداء الوظيفة المنبرية. رغم مبادرة ابن القصيبة إلى اختراع طريقة المراقبة الآلية لحضور البرلمانيين، مثيرا نقمة الكثيرين منهم. قيادته للفريق البرلماني الاشتراكي سابقا، ومكوثه الطويل تحت القبة المباركة، وقربه الطويل من كل من عبد الرحمان اليوسفي وخليفته محمد اليازغي؛ إضافة إلى توليه لعب دور العراب والوسيط بين حزب الوردة ومستشاري البلاط بعد اعتزال اليوسفي وعجز اليازغي عن طي صفحة جفائه مع القصر؛ بالإضافة إلى هدوء الرجل وسيطرته على مواقفه، مع بعض الاستثناءات مثل تلك التي قام بها في أول خروج إعلامي له بعد انتخابه كاتبا أول، حيث رد على سؤال الصحافة حول ما عن كان ينوي الالتزام بما أعلنه سابقا من استقالة من منصبه كوزير للعدل في حكومة عباس الفاسي، بعبارة رددها مرتين: «ماشي شغلك»... عوامل كلها جعلت الرجل يبدو الاتحادي الوحيد القادر على قيادة السفينة إلى سائر أرض الله الواسعة. مسار حياة: 1935: خرج عبد الواحد الراضي إلى الوجود 1963: انتخب نائبا برلمانيا 1983: حمل حقيبة التعاون في حكومة كريم العمراني 1997: أصبح رئيسا للبرلمان 08 نونبر 2008: انتخب كاتبا أول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية