قبل توضيح الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية بعد وصول هولاند المحسوب على اليسار إلى قصر الإليزيه، علينا أن ندرك لماذا تبقى الوحدة الترابية للمملكة، من وجهة نظر العلوم الجيوسياسية، ناقصة في غياب تسوية سياسية لهذه القضية. وانطلاقا من فهمنا للفلسفة الملكية متعددة الأبعاد، يبقى تحقيق هذه الوحدة في حاجة إلى كسب الصراع المغربي الجزائري حول الصحراء، لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو كيف يتحقق النصر في هذه المعركة؟ كان نابليون يقول: «لا شيء يضمن النصر في المعركة أكثر من خطة جيدة». ولا نقصد بالمعركة، هنا، المواجهات العسكرية التي سبق أن خاضها المغرب ضد الجزائر، كحرب الرمال أو معركة أمغالا التي أسر فيها المغرب 5000 جندي جزائري، ولكن المقصود بها هو المعركة الدبلوماسية الشرسة بينهما في إطار الأممالمتحدة وباقي المنتديات الوطنية الجهوية والدولية، وكسب المزيد من مواقف الدول الكبرى الفاعلة والمؤثرة في القرار الدولي، ومن هذه الدول نذكر فرنسا التي أصبح يتزعمها اليساري هولاند الذي صرح أكثر من مرة بعد ولوجه قصر الإليزيه بأنه يرغب في إقامة علاقة تتسم بالتوازن بين المغرب والجزائر، الأمر الذي يجعل الدبلوماسية المغربية تنظر بنوع من القلق والارتياب إلى القادم من الأيام، فالوزن الذي تحتله فرنسا في الحياة السياسية والاقتصادية المغربية كبير جدا، ذلك أنها أول شريك سياسي للمغرب وأول مستثمر وأول شريك تجاري لهذا البلد؛ وبناء عليه يبقى كل تغيير في فرنسا كوصول رئيس جديد وحزب ذي إيديولوجية مختلفة عن سابقه مصدرا للقلق أو الارتياح؛ فقد عرف عن فرنسا دعمُها الكبير لملف المغرب الأكبر (ملف الصحراء) في المنتديات الدولية، لكن مع وصول اليسار إلى الحكم بدأت تطرح العديد من علامات الاستفهام حول ما إذا كانت فرنسا ستستمر في تقديم دعمها إلى المغرب أم لا؟ من وجهة نظر الخبراء والمهتمين، فإن الموقف الفرنسي ينطوي على بعض الغموض في كثير من القضايا الدولية، خاصة المسألة الصحراوية، رغم أوجه الاختلاف التي قد تسجل بالنسبة إلى المواقف الفرنسية في كثير من القضايا السياسية. وحتى لو سلمنا جدلا بأن نجاح هولاند كان هزيمة لسياسة بذاتها وقطيعة مع نهج في الحكم وفي الممارسات والمواقف الدولية، فإن السياسة الفرنسية تظل محكومة بجملة من القواعد والمسلمات، في مقدمتها أن فرنسا لها تاريخ استعماري طويل في شمال إفريقيا لا يمكن طيه أو القفز عليه، ثم إن مصالح فرنسا ارتبطت لعقود ببعض الأنظمة في المنطقة العربية والتي تشكل الملكية في المغرب عمودها. وحين ننظر إلى تاريخ العلاقة بين المغرب وفرنسا نستحضر كتاب الصحفي الفرنسي «جون بيير توكوا» الذي يكشف النقاب عن جزء خفي من العلاقات الفرنسية المغربية ويكشف المزيد من الأسرار في مقدمة كتابه، من خلال إثارة القارئ بالمقولة الشهيرة التي يعرفها المغاربة أكثر من غيرهم: «إذا كنت تريد معرفة ما يجري داخل المغرب فعليك أن تقرأ ما يُكتب عنه في الخارج»، في إشارة واضحة إلى فرنسا، كما أن الرئيس جاك شيراك كان يفضل قضاء عطلته بالمغرب، في مدينة تارودانت أو مراكش، بعيدا عن الجو السياسي الملوث ومخلفاته العفنة؛ كما نجد العديد من السياسيين المغاربة، ومنهم وزراء سابقون، يتوفرون على جنسية مزدوجة (مغربية فرنسية) ويفضلون قضاء ما تبقى من حياتهم (ما بعد التقاعد) في الديار الفرنسية مثلما فعل الوزير الأول في حكومة التناوب عبد الرحمن اليوسفي وأقوى رجل في عهد الحسن الثاني إدريس البصري واللائحة طويلة؛ بالإضافة إلى أن فرنسا هي أول بلد مصدر للسياح إلى المغرب، وهي أول شريك تجاري وأول مستثمر أجنبي وأول مقترض ومانح، وفروع كبريات البنوك الفرنسية تحتل أركان وزوايا أهم شوارع المدن المغربية الكبرى؛ كما أن شركة «فيفاندي» الفرنسية هي التي حظيت بأكبر صفقة في تاريخ الاتصالات بالمغرب من خلال فوزها بنسبة من أسهم اتصالات المغرب، وتعتبر شركة «أكور» الفرنسية إمبراطورية سياحية داخل المملكة، و«بويغ» هي الأولى في مجال البناء والتعمير بعد أن فازت بصفقة بناء مسجد الحسن الثاني وصفقة بناء ميناء طنجة المتوسط، ومن المتوقع أن تفوز بصفقة ميترو الدارالبيضاء، كما أن شركة «دانون» لإنتاج اليوغورت ظلت بلا منافس في السوق المغربية لعدة عقود... هذه المعطيات وغيرها تجعل من الصعب التنبؤ بتغيير سياسة فرنسا تجاه الصحراء، حيث إن التغيير الذي يرفعه الرئيس هولاند لا يمكن أن ينطبق إلا على القضايا التي لها قابلية للتماهي مع طبيعة المزاج والدم الفرنسي الموشوم بفورانه وسخونته. ومما يزيد من حرص المغرب وتخوفه أنه ضمن الحكومة الفرنسية الحالية يوجد وزير الخارجية «لوران فابيوس» الذي تولى سابقا منصب رئيس الحكومة في عهد الرئيس فرانسوا ميتران، وكان لوران فابيوس هذا من أشد منتقدي سياسة الحسن الثاني في مجال حقوق الإنسان، ويصفه الكثيرون بكونه براغماتيا ومدافعا عن مصالح فرنسا في الخارج، هذه المصالح التي تجعل موقفه الآن من دعم المغرب في قضية الصحراء واضحا، خاصة إذا استحضرنا التحول الكبير الذي عرفه المغرب في مجالات الحريات العامة وحقوق الإنسان في عهد الملكية الثانية؛ إلا أنه في المجال السياسي لا وجود للضمانات لأن السياسة، كما عرفها المرحوم الحسن الثاني، «هي فن الخداع والمكر وبيع الأمل والمواقف للناس...». باحث مختص في شؤون وقضايا الصحراء