هولاند يعيد اليسار إلى الإليزيه في «فرنسا الخامسة» فاز المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند، أول أمس الأحد، بالانتخابات الرئاسية، بعد أن تقدم على ساركوزي مرشح اليمين ب51.9 في المائة في الجولة الثانية، وبهذا الانتصار يعود اليسار إلى قصر الإليزي الذي غاب عنه منذ انتهاء ولاية فرانسوا ميتيران، آخر رئيس يساري في فرنسا. وفيما ينشغل الفرنسيون بالأسماء المحتملة لتولي منصب رئاسة الحكومة كلوران فابيوس، وبيار موسكوفيتشي، ومانويل فالس، و ميشال سابان ومارتين أوبري أو جان مارك أيرو، من أجل ترجمة اختيار» التغيير» الذي تعهد به الرئيس الفرنسي الجديد خاصة على مستوى «تخفيض العجز» و»الحفاظ على النموذج الاجتماعي الفرنسي لضمان وصول كافة الفرنسيين إلى الخدمات٬ تترقب الشعوب المغاربية التي ارتدت حلة جديدة بعد هبوب رياح الربيع الديمقراطي عليها، طبيعة تعامل الوافد الجدد على الاليزيه مع مطلب التغيير الذي لم يترك مكانا لسياسة دعم الاستقرار في المنطقة، ومع الديمقراطية وحقوق الشعوب ولغة صناديق الاقتراع بدل التفاهمات مع قادة الدول، مثلما تترقب أسلوب تعامل الحزب الاشتراكي الفرنسي مع الملفات الكبرى التي قد تؤثر في مستوى العلاقات وطبيعة الشراكات الإستراتيجية. وإذا كان المتتبعون يضعون فرضيات ويبنون، تأسيسا عليها، استنتاجات محتملة لمسار السياسة الخارجية الفرنسية في الدول المغاربية، فإن مختلف التصريحات المعبر عن الموقف المغربي تشير إلى تشبث المغرب الراسخ بشراكته الإستراتيجية مع فرنسا٬ وتوطيد علاقات التعاون المتجدد والمتميز. ولم يخرج موقف حزب التقدم والاشتراكية عن هذا المنحى إذ اعتبر أن انتخاب رئيس جديد على رأس الجمهورية الفرنسية لن يغير جوهريا في علاقات المغرب وفرنسا التي تتميز بالعمق والاستمرارية . وقال امحمد اكرين عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في تصريح لبيان اليوم، إن «علاقات طيبة تربط الحزب الاشتراكي الفرنسي بالعديد من الفاعلين السياسيين في المغرب وعلى رأسهم حزبا التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وقد مكنت الزيارة التي قامت بها السيدة مارتين أوبري ٬الكاتبة الأولى للحزب الاشتراكي الفرنسي للمغرب من عقد لقاءات أكدت حرصا قويا على تمتين الشراكة و تعزيز التعاون وترسخه». ويرى امحمد اكرين أن فوز فرانسوا هولاند بالرئاسيات الفرنسية يفتح الباب على مصراعيه لتعامل جديد وايجابي مع العديد من القضايا التي تشغل بال الحكومة الجديدة في المغرب منها ملف المهاجرين المغاربة، وقضية الوحدة الترابية الوطنية، مؤكدا، بهذا الخصوص، أن فرنسا « ستظل حليفنا الاستراتيجي والداعم لمقترحنا القاضي بالحكم الذاتي، والضامن ليس فقط لحل سياسي مقبول للمشكل المصطنع بل أيضا للاستقرار في المنطقة». كما أن ولوج الحزب الاشتراكي لقصر الاليزيه، يضيف المتحدث، سيثري العلاقات المتميزة والفريدة القائمة بين البلدين٬ والتي تستمد قوتها من تلك الحيوية المتجددة باستمرار٬ والتي تطبع أواصر الصداقة العريقة٬ والتقدير المتبادل٬ التي جمعت على الدوام الشعبين المغربي والفرنسي، وجمعت البلدين الذين تتطابق وجهات نظرهما إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية سواء تعلق الأمر بتعزيز التعاون بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط٬ من أجل إقامة فضاء أورو- متوسطي٬ تسوده قيم الديمقراطية والاستقرار والتفاهم والتقدم المشترك أو بتنمية القارة الإفريقية٬ وتعزيز السلم والأمن في العديد من مناطقها٬ وخاصة في منطقة الساحل والصحراء. في السياق ذاته، اعتبر الدكتور الحسان بوقنطار أن العلاقات المغربية الفرنسية «ستظل وثيقة» لوجود «محددات موضوعية تتحكم فيها» ولكون البلدين «مرتبطين بمصالح كبيرة، وبالتالي فتغيير القيادات لا يمكن أن يؤدي إلى تغيير جوهري في العلاقات الثنائية». وقال الدكتور حسان بوقنطار، في تصريح ل»بيان اليوم»، إن اعتبارات أساسية تجعل العلاقات بين البلدين راسخة ومتواصلة، منها أولا تميز السياسة الخارجية لدول العالم بالاستمرارية واستحالة تغيرها بين عشية وضحاها، وإدراك القيادة الفرنسية الجديدة، ثانيا، أن مهمتها الأساسية تتمثل في محاربة المشكلات الداخلية المرتبطة بخلق الاستقرار في العلاقات الدولية لاسيما البطالة والعجز ومحاولة خلق شروط الإقلاع الاقتصادي. وحد الدكتور بوقنطار هذه الاعتبارات أيضا في تركيز القيادة الجديدة، على غرار ما وقع في عهد فرانسوا ميتران، على المصالح الحيوية والإستراتيجية التي تجمع المغرب وفرنسا قبل العلاقات الإيديولوجية، بالإضافة إلى متانة العلاقات غير الرسمية بين البلدين خاصة على مستوى الأحزاب المغربية التي تربطها علاقات متينة مع الحزب الاشتراكي الفرنسي، والتي ظلت دوما تدافع عن قضايا ضمها البرنامج الانتخابي لفرانسوا هولاند، منها على الخصوص مكافحة الفوارق والتمييز والاهتمام بمشاكل الأجانب الذين يشكل المغاربة قسمهم الأعظم في فرنسا.