هل يقود الإسلاميون المغرب إلى العودة إلى الاتحاد الإفريقي؟ سعد الدين العثماني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، يربط تحقق هذا الأمر بإقدام الاتحاد، الذي يعتبر المغرب من مؤسسيه تحت اسم «منظمة الوحدة الإفريقية»، على طرد جبهة البوليساريو وسلبها عضويتها. في المقابل يرفض رئيس الدبلوماسية المغربية الحديث عن عودة المغرب إلى القارة. وهو يؤكد أن الرباط ظلت دائما تحتفظ بحضور قوي في العواصم الإفريقية، رغم اختيار المغرب سياسية «المقعد الفارغ» بالاتحاد الإفريقي. وقال العثماني: «تراودنا رغبة وشوق وإصرار للعودة إلى الاتحاد الإفريقي»، قبل أن يستدرك «لا نقبل أن نجلس في مكان واحد مع دولة وهمية لا وجود لها في منظمة الأممالمتحدة». وهو ما يعني، حسب وزير الشؤون الخارجية، أن «قرار عودة المغرب إلى هذه المنظمة الإفريقية بيد الدول الأعضاء في الاتحاد». سياسيا، يؤكد العثماني، الذي حرص منتصف الأسبوع الماضي على إعطاء انطلاقة فعاليات «يوم إفريقيا في الأرض» من أجل تأكيد الاهتمام الذي توليه المملكة المغربية للتعاون الإفريقي. رمزية حضور العثماني تجلت أيضا في كون الجلسة الافتتاحية لهذا الحدث الإفريقي انعقدت قبيل وقت وجيز من الموعد المحدد لتوجه العثماني إلى تونس للمشاركة في المنتدى الصيني العربي. في اللقاء ذاته، كشف العثماني عن الخطوط العريضة لسياسة وزارته تجاه القارة السمراء. إذ بالإضافة إلى تطوير العلاقات الثنائية مع الدول التي تعتبر حليفة تقليدية للمغرب في إفريقيا، تعمل الرباط على تقديم دعم قوي للتجمعات الجهوية، خصوصا ذات الطابع الاقتصادي، تشجيعا منها للأفارقة على المضي قدما على خط هذا المسار. الواضح أن المغرب يأمل في أن يعطي تكريس التجمعات الجهوية في القارة الإفريقية دفعة قوية للاتحاد المغاربي الضارب في الجمود منذ سنوات عديدة، حيث قال العثماني إن «التجمعات الجهوية الإفريقية هي الأقدر على حفظ الأمن والاستقرار في القارة، رغم أن الأفارقة ليسوا وحدهم المسؤولين عن المشاكل الأمنية التي تعاني منها قارتهم». من هذا المنطلق يدعم المغرب بقوة تجمع دول غرب إفريقيا، الذي يرتبط المغرب بعلاقات متينة مع عدد من أعضائه، وفي مقدمتهم دولة السنغال، التي تعتبر حليفا تقليديا للمغرب في إفريقيا. وكان لافتا في «يوم إفريقيا بالمغرب» حرص العثماني على جعل «اتحاد دول غرب إفريقيا» نموذجا يقتدى به في القارة السمراء. إذ أشاد العثماني بالعمل الذي يقوم به هذا الاتحاد من أجل تهدئة الأوضاع في مالي وفرض البحث عن مخرج من الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد في إفريقيا وقطع الطريق على دعاة التدويل. وعلاقة بهذه التجمعات، ينتظر أن يعود المغرب بقوة إلى تجمع دول الساحل والصحراء قريبا. القمة المقبلة لهذا التجمع ستنعقد بعد مدة من الجمود في العاصمة الرباط. وإذا كان المغرب ربط عودته إلى الاتحاد الإفريقي بطرد البوليساريو منه، فإنه يرهن أيضا علاقاته مع دول القارة السمراء بموقفها من قضية الصحراء المغربية. وفي هذا الصدد، نقل عن العثماني في أحد الأنشطة الإفريقية في المنظمة في المغرب قوله إن «المغرب كان مصدر أول شحنة أسلحة تلقاها الزعيم الجنوب إفريقي، نيلسون مانديلا، في نضاله ضد نظام «الأبارتايد» العنصري». ومعلوم أن الرباط سحبت سفيرها المعتمد لدى جنوب إفريقيا في وقت سابق بعد إقدام بريتوريا على الاعتراف بجبهة البوليساريو. علاقات المغرب بإفريقيا لا تتوقف عن التعاون السياسي، لأن الحضور المغربي في القارة السمراء قوي أيضا في ميدان الاقتصاد. إذ يعتبر المغرب ثاني مستثمر في القارة الإفريقية بعد دولة جنوب إفريقيا. ويضع المغرب خبرته وتجربته في العديد من الميادين في خدمة التنمية في الدول الإفريقية، التي تربطه بها علاقات متينة. مؤسسات عمومية ومقاولات خاصة اتجهت نحو العمق الإفريقي بحثا عن فرص للنمو. أغلبية الشركات المغربية، استنادا إلى معطيات وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، تركز أنشطتها على قطاعات الأبناك والتأمينات والمناجم والصيد البحري والنقل الجوي، بالإضافة إلى الاتصالات. وقد أصبحت شركات مغربية عديدة علامات تجارية حاضرة بقوة في أكثر من بلد إفريقي، خصوصا في قطاعي الاتصالات والخدمات البنكية والتأمينية. وبالإضافة إلى هذا الدعم التنموي، يقدم المغرب دعما تعليميا لأصدقائه الأفارقة. 8 آلاف طالب إفريقي يتابعون، سنويا، دراساتهم العليا بالمؤسسات الجامعية المغربية. كما أن الدولة المغربية تتولى تقديم منح إلى ما يناهز 6 آلاف و500 منهم. ومن أجل تثمين نقل الخبرات والتجارب، توجه المغرب إلى تطوير نوع جديد من العلاقات يكتسي طابعا ثلاثيا. إذ تلعب الرباط في هذا النوع من العلاقات دور الوساطة بين دولة إفريقية وأخرى غربية من إٍرساء دعائم تعاون ثلاثي تكون الدولة الإفريقية أكبر مستفيد منه، خصوصا على مستوى نقل الخبرات وتبادل التجارب. والواضح أن الدبلوماسية المغربية، تحت قيادة العثماني، تعمل على الاستفادة من موقع المغرب الجديد في المنتظم الدولي، بصفته عضوا غير دائم في مجلس الأمن، من أجل تعزيز الحضور المغربي في إفريقيا، ومن ثمة تطوير علاقات ثنائية وثلاثية تدعم هذا الحضور وتمكن من حشد الدعم القاري لقضية الصحراء المغربية وتضييق الخناق على خصومها.