استحضر الملتقى الوطني الأول للأدب المغربي ذكرى الشاعر عبد الله راجع. فقد ناقشت مجموعة من الفعاليات في ثانوية الكندي التأهيلية في الفقيه بنصالح، والتي كان الراحل يدرّس فيها، مسيرة راجع وأفق الشعر. فبتنسيق مع نيابة وزارة التربية الوطنية في نفس المدينة، نظم الملتقى تحت عنوان «دورة الشاعر عبد الله راجع»، في قاعة العروض برحاب المؤسسة المعنية. ترأس الجلسة الأولى من الملتقى الشاعر صلاح بوسريف، حيث قدم أرضية عرّف فيه بالشاعر الراحل كمبدع حقيقي وإنسان لا ينبغي نسيانه وتناسيه بهذه الكيفية، مضيفا أن «كل واحد منا مارس عليه القتل بطريقة ما». وحسب منظمين الحدث، فإن هذه الدورة الأولى للملتقى الوطني للأدب المغربي في الفقيه بنصالح تأتي لترد الاعتبار لهذا الشاعر ولتجسد حضوره، عبر التناول والتداول الأدبي والثقافي. وفي كلمة صالح عزيز، النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية في الفقيه بنصالح، أكد أهمية اللقاءات الثقافية والأدبية في المؤسسات التربوية، مضيفا أن «ثانوية الكندي ستستمر في تنظيم هذا الملتقى السنوي، كتقليد، للتداول في شأن الأدب المغربي». ومن جهته، قال محمد دان، مدير الثانوية، إن «تجربة راجع الشعرية في حاجة دائمة إلى الكشف، وهو ما يؤكد انفتاح المؤسسة التربوية -التعليمية على محيطها الأدبي والثقافي، قصد تعريف الناشئة برموز الأدب والثقافة المغربين». تتالت، بعد ذلك، أوراق الجلسة الصباحية. فقد تناول الأستاذ محمد العمري علاقة الحياتي بالكتابة في تجربة راجع، مشيرا إلى أنهما مارسا التدريس في ثانوية الكندي في سبعينيات القرن الماضي، مركزا على بعض المداخل الأساسية للكتابة لدى راجع في فورة الشباب ضمن سياق تاريخي وثقافي مشحون. وفي نفس الاتجاه، سارت ورقة القاص والروائي الحبيب الدائم ربي، الذي أكد أنه ظل على حب عميق، ولو من بعيد، لهذا الشاعر، «لأن الصفة مطابقة لصاحبها، باعتبار قصيدته عميقة وأخاذة.. وإذا ارتبطت بعض المدن بمبدعين معينين، فإن مدينة الفقيه بنصالح ارتبطت باسم الشاعرعبد الله راجع». وتوقف الناقد حسن مخافي عند تجربة الشاعر في الكتابة النقدية أو «الناقد -شاعرا»، على حد تعبير الباحث حسن مخافي، الذي أبرز المنطلقات المنهجية في كتاب «بنية الشاهدة والاستشهاد» لعبد الله راجع، التي حاولت تقديم البنيوية التكوينية في النقد المغربي، «على أن ما ميّز الشاعر أنه كان يولي أهمية بالغة لشعرية النص، ومن ذلك الجانب الإيقاعي كمكون أوسع من العروض، لذا لو بقي الشاعر راجع حيا لكان قد كتب قصيدة النثر». من جهته، ركز الناقد خالد بلقاسم على مدار المعنى وتخلقاته في الديوان الأول للشاعر، المعنون ب»الهجرة إلى المدن السفلى»، متتبعا «تحولات المعنى وصياغته دون السقوط في سطوة النقد الإيديولوجي الذي يقتل شعرية النص». وسار في اتجاه تأييد هذا المعطى الشاعر فتح الله بوعزة، في ورقة بعنوان «الثأر المسافر في ديوان الشاعر الثاني.. سلاما وليشربوا البحار»، مركزا على بعض تحولات القصيدة الشعرية المغربية مع راجع، والمتمثلة في إدخال البعد البصري والتشكيلي في الكتابة الشعرية. وفي الجلسة الثانية، التي سيّرها الحبيب الدائم ربي، أشار القاص والروائي المذكور إلى «حضور ثقافة العرفان وتبادل الاعتراف في هذه المدينة، من خلال استحضار معلمة شعرية في حاجة دائمة إلى الكشف». وفي ورقة شبيهة بشهادة لصلاح بوسريف بعنوان «من السرور بكاء»، قدم الشاعر بعض صفات الشاعر الراحل في الحياة والكتابة، مشيرا إلى أنه شاركه الكثير من هذه الجوانب، «وبالتالي فمكانته تقتضي تداوله عوض الصد والتنكر، في ظل مشهد ثقافي ومؤسساتي مختل».. أما بنعيسى بوحمالة، وفي ورقة بعنوان «العابر الهائل»، فقد قام بسباحة «مهندسة ودقيقة» في الأدب المغربي الحديث، مركزا على ما يتعلق بالشعر المغربي المعاصر كمحطات وعلى ما يرتبط بالمنهج في كتابه «بنية الشهادة والاستشهاد»، وهو ما يثبت أن «هذا الشاعر الصموت والحزين كان صاحب مشروع شعري يغذيه على مهل وبحس قل نظيره، وبالتالي فقد فقدنا في هذا الرجل مساحة قلقة لها حيويتها في مسيرة الشعر المغربي المعاصر». أما الأستاذ محجوب عرفاوي فقد تحدث عن «تعدد المرجعيات في تجربة الشاعر، والتي منها ما هو شعري، مع شعراء كعروة بن الورد والمتنبي... وما هو وتاريخي، كخلفاء الأمة العربية وتركيزه على استبداديتهم، التي تأتي على الأخضر واليابس، وكذا على اليومي، كالتماهي مع شخوص حياتية لكنها غير متصالحة مع العالم، منها شخصية شكدالي من الفقيه بنصالح، التي أفرد لها الشاعر الراحل حيّزاً هاما في كتابته الشعرية... إنها تحاورات تسعى إلى تمثيل التعارض والانتصار لقيم الخير والحب والاستنهاض». أما عبد الغني فوزي فركز، في دراسة بعنوان جدلية المكان والرؤيا في ديوان «الهجرة إلى المدن السفلى» للشاعر عبد الله راجع، على «سؤال المكان، الذي يتخذ دلالات عديدة، ويتحول من طوبوغرافيا واقعية إلى أخرى تخييلية.. فيتلون المكان بالحواس، ويُوجَّه بالرؤيا التي، اتخذت ميسما مأساويا ظل ساريا في مفاصل تجربت راجع الشعرية».