لازال ملف المعتقلين الإسلاميين يلاحق صورة المغرب الحقوقية على الصعيد الدولي، بعدما أقرت منظمات حقوقية تعرض عدد من المعتقلين الإسلاميين أو ما يسمى «السلفية الجهادية» للتعذيب داخل السجون، على الرغم من البيانات المضادة التي تصدرها المندوبية العامة لإدارة السجون والتي تكذب فيها روايات التعذيب والتنقيل التعسفي، حيث كشف المعتقلون في عدد من الندوات الصحفية، التي تنظمها اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، عن صور يدعون فيها تعرض عدد من المعتقلين للضرب والإرغام على الأكل وتنقيلهم من سجن إلى آخر، بينما ذهب متدخلون آخرون إلى التأكيد على تعرض بعض المعتقلين للاغتصاب. وفي ظل هذا الجدل، دافعت الحكومة المغربية في مدينة جنيف السويسرية، الأسبوع الماضي، عن الوضع الحقوقي في المغرب، على الرغم من بعض الاعترافات بالإفراط في استعمال القوة في حق الحركات الاحتجاجية في الشوارع المغربية، واعتبرت أن البلاد حققت في محيطها الإقليمي طفرة خلال السنوات الماضية، بينما صعدت المنظمات الحقوقية من لهجتها، وكشفت أن المغرب لا يزال يعرف عددا من الممارسات التي تنتهك كرامة وحقوق الإنسان، واتهمت المندوبية العامة لإدارة السجون بمنع زيارة أعضاء المنظمات الحقوقية والفاعلين في المجتمع المدني للاطلاع على أوضاع السجناء، وخصوصا منهم الإسلاميين المضربين عن الطعام في عدد من السجون. وعلى الرغم من أن الدولة أصدرت عفوا عن مجموعة من السلفيين، الذين قضوا عقوبات حبسية في عدد من سجون المملكة، وشكلت هذه المبادرة مقاربة تصالحية، إلا أن شيوخ السلفية استمروا في مهاجمة سياسة الدولة في التعامل مع المعتقلين، ووصل صدى المضربين عن الطعام إلى منظمات حقوقية دولية ك«هيومان رايتس ووتش». ويرى محمد ظريف، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن الشيوخ المعفى عنهم أصبحوا يهاجمون حكومة بنكيران، حيث يظهر أنهم «غير راضين على موقف حزب العدالة والتنمية بعدما كانوا يعتبرون أن وصولهم إلى الحكم سيغير من وضعيتهم». ويعتبر ظريف أن تصاعد احتجاجات السلفيين ودخول منظمات دولية على الخط «يسيء إلى سمعة المغرب، حيث أصبح بالإمكان التعرف على صورة المغرب الحقوقية من خلال تقارير المنظمات الحقوقية»، يقول ظريف. ويظهر أن الدولة لجأت إلى العفو عن السلفيين عبر مجموعات، بعد هبوب رياح التغيير العربي على المغرب ومسيرات حركة 20 فبراير، التي طالبت بإسقاط الفساد والاستبداد والإفراج عن المعتقلين السياسيين، حيث اعتبرت هذه المبادرة كمقاربة تصالحية، جاءت بعد توالي الانتقادات لتعامل الدولة مع ما يسمى تيار «السلفية الجهادية» خلال مراحل محاكماتهم في التهم التي وجهت إليهم من قبل النيابة العامة بعد أحداث 16 ماي الإرهابية وما تلاها من تفكيك للخلايا الإرهابية. ويرى ظريف أن الإشكال الحقيقي في الماضي أصبح مرتبطا منذ ذلك الوقت بالأسلوب الذي تعاملت به الحكومة مع هذا الملف وما رافقه من انتقادات لمنظمات حقوقية ودولية. ظريف اعتبر أن الحكومة عالجت ملف حقوق الإنسان من معيارين متناقضين، فالدولة حاولت في الأول تحسين صورة المغرب خلال سنوات الرصاص، من خلال تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، وما ترتب عنها من تعويضات لجبر الضرر، لكن، يضيف ظريف، كل الجهد الذي بذلته هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي كانت تروم مصالحة المغرب مع ماضيه، واعتبار هذا النموذج يصدر عن دولة تتبنى الديمقراطية في البلاد، كان في مقابله، يضيف الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، انتهاكات حسب «منظمات حقوقية» في معالجة الدولة لملف المعتقلين الإسلاميين، حيث أصبح في «عرف السلطة» بنظره، أن تيار السلفية يدعو إلى التشدد وثقافة التطرف، وبالتالي وجبت محاربته من قبل الأجهزة الأمنية. وأصبحت أغلب تقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى أن الدولة أخطأت في طريقة تعاملها مع ملف محاربة الإرهاب والشبكات التي تم تفكيكها بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، وهو ما صعد من حدة التقارير المناهضة للمغرب في عدد من المنظمات الدولية، والتي تعتبر أن هناك تجاوزات في المحاكمات التي تعرفها محكمة الإرهاب في سلا. واعتبر خليل الإدريسي، المحامي بهيئة الرباط، أن ملفات المعتقلين الإسلاميين تطبعها معطيات غير واقعية، ف«أغلب الدفوعات الشكلية التي تقدمها هيئة الدفاع في محاكمة الإسلاميين ترفض من قبل النيابة العامة»، ويرى أن الخروقات التي ترتكب في محاضر الضابطة القضائية أو الإجراءات التعسفية لا تؤخذ بعين الاعتبار، وهو ما يطرح برأيه إشكالات قانونية في قانون مكافحة الإرهاب في المغرب. وأمام الجدل الدائر حول الإضراب عن الطعام، الذي باشره عدد من المعتقلين الإسلاميين في السجون المغربية، أكد الإدريسي من خلال زيارته لعبد الصمد بطار داخل السجن المحلي بسلا والمتابع على خلفية تفجير مقهى «أركانة» بمراكش السنة الماضية، أن إدارة السجن تلتجئ إلى طرق غير قانونية، مبرزا أن بطار وصلت حالته الصحية إلى وضع مترد. ففي الوقت الذي يطالب فيه بإعادة محاكمته، كشف مدير السجن للإدريسي أنه اقترح عليه توقيف الإضراب عن الطعام مقابل ترحيله إلى سجن آسفي للاقتراب من عائلته، وهو ما اعتبره المحامي «انتهاكا ومساومة داخل السجن لمعتقل».